واشنطن: في السادس والعشرين من يونيو المنصرم أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية quot;هيلاري كلينتونquot; عن تعيين quot;فرح بانديث Farah Pandithquot; الكشميرية الأصل مندوبة خاصة للولايات المتحدة للمجتمعات الإسلامية Special Representative to Muslim Communities في جميع أنحاء العالم. ويأتي هذا التعيين في أعقاب دعوات الرئيس الأميركي quot;باراك أوباماquot; إلى بداية جديدة مع العالم الإسلامي، بعد ثماني سنوات حكم الرئيس الأميركي الأسبق quot;جورج دبليو بوشquot; تدهورت فيها العلاقات الأميركية مع العالم الإسلامي، ناهيك عن تراجع الصورة الأميركي بالعالم الإسلامي. ويأتي، أيضًا، بعد ثلاثة أسابيع من الخطاب التاريخي للرئيس الأميركي للعالم الإسلامي من جامعة القاهرة في الرابع من يونيو المنصرم، والذي تعهد فيه بالسعي لانتهاج سبيل جديد في التعامل مع العالم الإسلامي، يقوم على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.

تتمثل مهمة quot;فرح بانديثquot; ـ حسب بيان وزارة الخارجية الأميركية لتعيينها ـ في تنفيذ جهود وزارة الخارجية الأميركية لإجراء حوار مع المسلمين في كافة أنحاء العالم. وإن كانت quot;بانديثquot; لم تعلن ـ حتى الآن ـ عن برنامجها للانخراط في المجتمعات الإسلامية، إلا أنها تشير إلى عدد من برامج وزارة الخارجية الأميركية كأحد آليات التواصل مع المجتمع الإسلامي في كافة أنحاء العالم، مثل الحوار الثنائي الأميركي مع المجتمعات المسلمة. وتقول: إن مقاربتها إلى العالم الإسلامي تعكس التنوع والاختلاف بين الشعوب الإسلامية، فالعالم الإسلامي ليس كتلة واحد متجانسة. وتضرب مثالاً على ذلك بالمجتمع الأميركي، قائلةً: إن الولايات المتحدة الأميركية تضم جالية إسلامية تمثل 80 دولة مختلفة.

وفي حوار منشور لها على موقع وزارة الخارجية الأميركية في الأول من يوليو المنصرم، تقول quot;بانديثquot; :إن خبرتها بالعمل في القطاعين العام والخاص ساعدها على التفكير الإبداعي فيما يفكر غالبية المسلمين، وكيفية الانخراط والتواصل مع المجتمعات الإسلامية. وتضيف أنه ليس هناك برنامج سحري للانخراط في المجتمعات الإسلامية، ولكنها تؤكد على أهمية الاستماع إلى تلك المجتمعات، وفهم ما يحدث على أرض الواقع. فتقول quot;ليس هناك رصاصة واحدة قادرة على إصلاح كل شيء، وليس هناك برنامج واحد يعد البرنامج السحري للانخراط مع المسلمين. ولكنها حقيقة الاستماع. إنها حقيقة فهم ما يحدث على أرض الواقعquot;.

ومنصبها هذا يتيح لها التواصل مع سفارات الولايات المتحدة الأميركية في كافة أرجاء العالم الإسلامي، أو في الدول التي تعيش فيها جاليات إسلامية للتعرف على ما يقوله المسلمون، وفي ما يفكرون ويحلمون ويعتنقون. في هذا الحوار تقول: quot;هناك فرص من خلال سفاراتنا للتعرف على ما يقوله الآخرون وفيما يفكرون ويحلمون ويعتقدونquot;.

وتدعو quot;فرح بانديثquot; إلى أهمية العمل على انخراط المرأة والشباب في الكفاح ضد الإرهاب. حيث ترى أن الشباب من السهل تجنيدهم وتعبئتهم في منظمات تتبنى العنف، لذا فإنها تدعو إلى الاهتمام بهم حتى لا يسقطون في براثن الجماعات الإرهابية والمتطرفة. وتُبدي فرح رغبة قوية في الحديث والاستماع إلى الشباب المسلم من كافة القطاعات، الريف والحضر.

وعن توجه quot;بانديثquot; للتواصل إلى المجتمعات الإسلامية يقول quot;أكبر أحمد Akbar Ahmedquot;، رئيس الدراسات الإسلامية بجامعة أميركا Islamic Studies at American University بالعاصمة الأميركية واشنطن أن quot;بانديثquot; تتبنى توجه quot;انتظر وشاهد wait-and-seequot;. فيقول: quot;الاستماع إليهم (المجتمعات الإسلامية) فقط نصف القصة. والجزء الآخر في الحقيقة هو عمل شيء بشأن هذا (الاستماع)quot;. ويضيف quot;أن ما نحتاجه الآن هو العملquot;.

ويؤكد أستاذها بكلية فيتشر للقانون والدبلوماسية أندرو هيس Andrew Hess أن لديها قدرات لانخراط مع الطلاب من مختلف الثقافات. فيقول: quot;إنها تحب التحدث ومناقشة الموضوعات التي تقسم الطلاب، والعمل على إحداث تواصل بينهم في تلك القضايا التي تقسمهمquot;.

ويرى كثير من المحللين والخبراء ومنهم quot;أكبر أحمدquot; أن quot;بانديثquot; مكسب للرئيس الأميركي quot;باراك أوباماquot;، حيث ستجعل سياسات الرئيس الأميركي أوباما لتدشين عهد جديد مع العالم الإسلامي والتي أعلن عنها في أكثر من محفل آخرها خطابه التاريخي إلى العالم الإسلامي من جامعة القاهرة محل التنفيذ في ظل انشغال الرئيس الأميركي بقضايا معقدة ومتشابكة متطورة بصورة مستمرة.

فلدى quot;بانديثquot; خبرة عملية للتواصل مع المجتمعات الإسلامية من قبل في إدارة الرئيس بوش الابن. حيث شغلت منصب كبير المستشارين عن التواصل مع المسلمين في منطقتي أوراسيا وأوروبا بوزارة الخارجية الأميركية. وقبل التحاقها بوزارة الخارجية الأميركية كانت تعمل في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض لشئون التواصل مع المسلمين ومكافحة التطرف. كما عملت مع الوكالة الدولية للتنمية الدولية في أوائل التسعينات من القرن الماضي، ثم عاودت العمل مع الوكالة في العام 2003. وعملت أيضًا في العاصمة الأفغانية كابل في العام 2004. وهو ما دفع وزيرة الخارجية الأميركية إلى القول quot;إن فرح تحمل سنوات من الخبرة في هذا المنصب وستضطلع بدور أساسي في جهودنا لإجراء حوار مع المسلمين حول العالمquot;.

بالإضافة إلى أصولها الإسلامية وكونها مسلمة، فـquot;فرح بانديثquot; سيدة مسلمة هاجرت مع والديها إلى الولايات المتحدة من سرينيجار Srinagar بالهند في العام 1969. وترعرعت في ولاية ماستشوستس Massachusetts، وفيها تلقت تعمليها فذهبت إلى أكاديمية ميلتون Milton Academy وكلية سميث Smith College ودرست في كلية فيتشر للقانون والدبلوماسية Fletcher School of Law and Diplomacy. وسبق لها أن قالت: إنها تعتبر تجربتها الشخصية دليلاً على إمكانية نجاح المسلمين المهاجرين إلى الولايات المتحدة في الاندماج بالمجتمع الأميركي. وخبرتها كمسلمة أميركية مكنتها من فهم متعمق لاختلافات بين المسلمين في كافة أنحاء العالم. ويخلص بيان تعيينها إلى القول quot;إنها تعتبر تجربتها الشخصية مثالاً للطريقة التي تمكن المهاجرين المسلمين من الاقتداء بها للاندماج بنجاح في المجتمع الأميركيquot;.

وكثيرون يرون في تعيين فرح في هذا المنصب تطبيقًا لدعوة الرئيس الأميركي quot;باراك أوباماquot; التي أعلنها في خطابه بالقاهرة عن ضرورة تمكين المرأة المسلمة في كافة مجالات المجتمع، والذي كان جليًّا بصورة أخرى في إشادته بالمرأة الإيرانية التي نزلت إلى الشارع الإيراني في مظاهرات في أعقاب الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية العاشرة التي شابها فساد وتزوير حسب كثيرين داخل طهران وخارجها. وفيري quot;ديسي خانquot; المدير التنفيذي المجتمع الأميركي لتعزيز المسلمين أن تعيين فرح يعد مؤشرًا قويًّا على أن المرأة المسلمة تتمتع بكافة الحقوق والالتزامات التي يتمتع بها الرجل المسلم، ويضيف أنها ستكون قدوة للراغبات في تولي منصب رئيسٍ هام.

هل من هاجس لعملها مع بوش؟

ويثير عمل فرح بإدارة الرئيس الأميركي الأسبق quot;جورج دبليو بوشquot; الفاقدة للشعبية والتأييد لسياساتها المضرة بالأمن والمصلحة القومية الأميركية هاجس كثيرين، فكثير من المحللين يرون أن عملها بإدارة quot;بوشquot; الابن يمثل quot;علامة استفهام كبيرةquot;. فيقول مصطفي تليلي Mustapha Tlili، الذي شارك معها في مؤتمر عن الشباب المسلم في العام 2007، quot;أتمنى أن تجلب إلى المنصب الجديد خطابًا جديدًا مغايرًا عن ما تبنته في إدارة رئيسها الأسبق quot;بوشquot; الابن، ولكنه يؤكد، أيضًا، quot;أن بانديث لديها القدرات التي تؤهلها للنجاح في أي منصب جديد يسند إليهاquot;.

وعلى الرغم من عمل quot;فرح بانديثquot; بإدارة بوش الثانية إلا أن سياساتها كانت مختلفة عن السياسات والنهج الذي تتبناه إدارة بوش الابن مع العالم الإسلامي حيث كانت تتحدث إلى الناس أكثر من توجيه الأوامر والنصائح إليهم من دون الاستماع إليهم. فيقول عنها بيتر سينجر الباحث بمؤسسة بروكنجيز Brookings Institution والناقد المستمر لسياسات الرئيس بوش:quot; إنها شخصية تحترم آراء الآخرينquot;. ويضيف سينجر الذي عمل معها كمدير لبرنامج بروكينجز للسياسة الأميركية تجاه العالم الإسلامي quot;إنها سوف تسعى إلى الدفاع عمَّا تعتقد فيه وتعمل على تطبيقه ولكن ليس بصورة متعجرفةquot;.

وفي الختام، إن نجاح إدارة الرئيس أوباما في التواصل مع العالم الإسلامي لن يتحقق بالكلام المعسول والخطابات والتصريحات السحرية، ولكن بإحداث تغيير حقيقي في السياسة الخارجية الأميركية تجاه القضايا التي كانت السبب الرئيس وراء تراجع الصورة الأميركية في العالم الإسلامي، ولأن الصورة السلبية لواشنطن والمرسخة في عديد من بلدان العالم الإسلامي لم تتكون بين عشية وضحاها ولن تتبدل بين ليلة وضحاها.