لندن:دفعت الشكوى المريرة للجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني حول حرب أفغانستان إلى الواجهة مسألة استمرار التزامات المملكة المتحدة في الحرب هناك لاسيما وأن عدد قتلى الجنود البريطانيين هناك فاق عدد الجنود الذين قضوا في العراق. وتعد بريطانيا ثاني أكبر دولة مساهمة من حيث عدد القوات في أفغانستان إذ يبلغ عدد جنودها هناك أكثر من 9 آلاف مقاتل من المجموع الإجمالي للقوات الأجنبية المنتشرة في هذه الدولة والبالغ عددها 96 ألف جندي. ومع ارتفاع عدد القتلى والذي تجاوز الآن المائتين تزداد الشكاوى الغاضبة من جانب أقارب الموتى البريطانيين المحتجين الذين يقولون إنه لم توفر للجنود الموارد الكافية للقيام بمهماتهم ومن ذلك النقص في عدد طائرات الهليكوبتر المقاتلة. والتقرير الذي أصدرته لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني هو التقرير الرسمي الأكثر انتقاداً لحرب أفغانستان الذي يصدر عن دولة عضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وهذا يعني أن بريطانيا قد تكون في مسارٍ تصادمي مع حليفها الأميركي حول نزاع تلتزم بخوضه إدارة أوباما بشكل كامل.

وجاء في تقرير اللجنة أن العملية العسكرية البريطانية في إقليم هلمند بجنوب أفغانستان عام 2006 quot; انهارت بسبب التخطيط غير الواقعي على المستويات العليا، وبسبب ضعف التنسيق بين أقسام وايت هول وعدم تزويد الجيش بتوجيهات واضحةquot;. وشككت اللجنة بمجمل استراتيجية الحرب وقالت إن المقاربة الشاملة للوضع في أفغانستان ومحاولة الربط بين التطورات الامنية والاقتصادية والاجتماعية لم تكن موفقة بسبب الاخفاق في توفير الأمن للمدنيين هناك. كما شدّد التقرير على أن دور البعثة البريطانية الأوسع بتحمل مسؤولية معالجة تجارة المخدرات كان بمثابة quot;كأس مسمومةquot; لأنها فشلت جزئياً في مهمتها بسبب الفساد في أفغانستان واعتماد الناس هناك على بيع الأفيون كمورد رزق لهم. وصدر التقرير في وقت بلغت فيه خسائر القوات البريطانية في أفغانستان الذروة بمصرع 22 جندياً بريطانياً في شهر يوليو/تموز الماضي، ما حول هذه الحرب إلى مسألة سياسية مثيرة للجدل سوف تحظى باهتمام الناخبين في الانتخابات العامة المقرر إجراؤها العام المقبل في بريطانيا.

وحتى الآن هاجم حزب المحافظين الحكومة بسبب الطريقة التي تعالج بها الحرب في أفغانستان ولكنه لم يهاجمها بسبب انخراطها فيها. لكن أعضاء في المعارضة البرلمانية يزعمون أنه quot; تمّ استبدال المستنقع العراقي بالمستنقع الافغانيquot;. والحال أن حرب أفغانستان باتت مسألة سياسية تحظى باهتمام بارز في بريطانيا. وأشار التقرير إلى quot;تمدد هام للبعثةquot; العسكرية البريطانية في أفغانستان منذ انتشارها هناك عام 2001، وبأن مسؤوليات أخرى كلفت بها القوات البريطانية لها علاقة بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية على الرغم من ازدياد مهماتها بشكل كبير منذ أن رفضت دول أعضاء في الناتو أن تكون لها quot;حصة عادلةquot; من العبء العسكري. كما لفت التقرير إلى أن الناتو والمجتمع الدولي ككلquot; قدما أقل بكثير مما تعهدا بهquot; خلال السنوات الثماني الماضية، معتبراً أن صدقيّة الناتو كحليف عسكري هي الآن على المحك.

وأضاف quot; لنضع في بالنا أن هذا أول انتشار للناتو خارج منطقة دول حلف شمالي الأطلسي وبأن هذه أكثر اللحظات الحاسمة في تاريخ التحالفquot;، مشيراً إلى أن quot;إخفاق بعض حلفاء الناتو بتحمل مسؤولياتهم الدولية في أفغانستان حمل عدة دول ضغطاً لا يمكن القبول بهquot;. ورأى التقرير أنهquot;من دون توزيع متساوٍ للمسؤوليات والمخاطر فإن جهود الناتو ستواجه الإعاقات وسوف تتأذى سمعته بشكل كبير كتحالف عسكري قادر على القيام بمهمات خارج مناطق دولهquot;. ولدى 16 من دول الأعضاء في حلف الناتو قوات في أفغانستان حيث تشارك كل من السويد واستراليا بجنود فيها، لكن القوات البريطانية تفوق عديد قوات هذه الدول مجتمعة. ولدى لكل من فرنسا وألمانيا وهولندا وكندا وإيطاليا وبولندا والدنمارك أكثر من ألف جندي هناك، فيما يبلغ عديد القوات الأميركية الموجودة في ذلك البلد أكثر من 60 ألفاً وهي تتحمل أعباء عسكرية أكثر من جميع هذه الدول. وقال التقريرquot;إننا ندرك أنه على الرغم من أن الوضع الأفغاني الحالي لا يشكل إرثاً للاخفاق الغربي منذ عام 2001 ولكن بإلامكان تجنب الاخطاء بما في ذلك ردود الفعل غير المحسوبة وسياسة التفتيت و التداخل...quot;معتبراً بأن quot;نشر الاستقرار في هذا البلد (افغانستان) أكثر صعوبة مما يتصورquot;.

ويتزامن نشر التقرير مع نشر دراسة للامم المتحدة أشارت إلى أن عدد القتلى المدنيين الافغان زاد بنسبة 24% خلال السنة الماضية وأن معظمهم ماتوا بسبب الغارات الجوية. وقال التقريرquot; نرحب باعتراف الحكومة بضرورة بناء استراتيجيتها على أسس واقعيةquot;، وذلك قبل أن يطرح أسئلة حول ما إذا كانت استراتيجيتها حقيقية أو ممكنة التحقيق، مضيفاً quot; إننا نوصي أن تعيد الحكومة في المستقبل القريب التركيز على الأمن وتجعل ذلك بين أولياتهاquot;. ورأى بأنquot; المشكلة هي أن الدروس المستفادة من حملات مكافحة التمرد السابقة تشير إلى أن محاولة تحقيق الأمن ليس كافياً، وبأنه يجب أن يترافق ذلك مع إجراءات أخرى مثل تحقيق الحكم الرشيد والعمل على إنعاش الاقتصاد من أجل كسب ود المدنيينquot;. لكن التقرير شدد أيضاً على أن الامل فبالحصول على ذلك الدعم لا يبدو واعداً بسبب التجارب الاميركية الحالية والسابقة في أفغانستان.وقال quot;إن النزعات الأحادية لادارة بوش وتركيزها على تحقيق الاهداف العسكرية واستبعاد العديد من القضايا الأخرى ذات الأهمية الاستراتيجية هيأ الارضية لتدخل المجتمع الدولي المبكر في أفغانستانquot;.

وختم التقرير بالقولquot;مهما كانت صعوبة الظروف التي تواجه القوات العسكرية في أفغانستان فإن استخدام القوة الجوية والأعمال التي تنطوي على قدر كبير من عدم الحساسية الثقافية من جانب بعض قوات التحالف على مدى فترة زمنية طويلة أدى لردود فعل سلبية في أوساط الأفغان العاديينquot;. وأضاف quot;إن هذه المشكلة سببت الاذى سواء كان حقيقيا أو متخليا، ومن الصعب التراجع عنها في الكثير من الحالات quot;.