إعداد عبدالإله مجيد: نشرت مجلة الايكونومست الاسبوعية البريطانية تحليلا اخباريا يتناول عمليات التفجير التي اوقعت عشرات القتلى والجرحى في العراق خلال الايام الماضية بعد فترة من التحسن النسبي في الوضع الأمني. وجاء في التحليل: قال الرئيس ماو خلال الحرب الأهلية الصينية التي أوصلته في النهاية الى السلطة: quot;حين يتقدم العدو انسحب، وحين يتوقف أُناوشه وحين يتعب اضربه وحين يتراجع أُلاحقهquot;. المسلحون العراقيون يتَّبعون نصيحة ماو. فعندما ارسلت الولايات المتحدة قوات اضافية قبل عامين، انكفأ المسلحون. وبعدما بلغت التعزيزات ذروتها وانتهت تلك المرحلة استأنفوا هجماتهم. وبعد شهر بالكاد على تسلم القوات العراقية مسؤولية المدن الرئيسية من الاميركيين المنسحبين ببطء، عادت الدماء تُهرق في الشوارع.

أكثر من مئة شخص قُتلوا ومئات أُصيبوا في ظرف اربعة ايام هذا الاسبوع. فان شاحنتين ملغومتين بالمتفجرات محتا القسم الأعظم من قرية على اطراف الموصل في شمال العراق. كان السكان نياما على الأسطح هربا من حر الصيف عندما انهارت المنازل من تحتهم. وفي بغداد استهدف منفذو التفجيرات عمالا يوميين وزوارا في أسوا موجة عنف منذ زمن. تركزت الهجمات في الشمال وفي العاصمة وهي تثبت كونها هجمات متقنة بصورة متزايدة. وتعيد الشاحنات المفخخة الى الاذهان الهجمات الكبيرة التي نُفذت خلال الشطر الأول من الاحتلال الاميركي.

لم تعلن جهة مسؤوليتها ولكن ما لا شك فيه ان جماعات سنية متطرفة مثل تنظيم quot;القاعدة في العراقquot; تنشط في الموصل. وكانت مثل هذه الجماعات خسرت الكثير خلال العامين الماضيين عندما قُتل قياديون أو أُلقي القبض عليهم وقُطعت خطوط لامدادها بالسلاح وقُوضت بقايا ما كانت تتمتع به من تأييد شعبي. لكنها لم تُدحر. ويبدو ان عمليات التفجير بالشاحنات الملغومة تهدف الى تحقيق ثلاثة اهداف منفصلة: اجبار الجيش العراقي الذي يعمل بكل ما لديه من قدرات على حماية رقعة أوسع بالتحول فجأة من مهاجمة المدن الى ضرب هدف شبه ريفي، وزعزعة ثقة المواطنين التي أخذت تتزايد بحذر، واستفزاز جماعة اثنية في محاولة لتحريضها على الرد وبذلك اشعال مزيد من العنف.

لعل الهدف الثالث هو الأهم. ففي الماضي كان المتمردون يركزون على الشيعة ولكن الشيعة يديرون الخد الآخر بصورة متزايدة. وقال الشيخ خضير العلاوي إمام مسجد فُجر مؤخرا، في تصريح لصحيفة نيويورك تايمز: quot;فليقتلونا. انهم يضيعون وقتهمquot;. المتمردون أخذوا علما بذلك فاتجهوا نحو الكرد. إذ كانت البيوت التي فُجرت خارج الموصل تحت حماية القوات الكردية.

كانت قوات البشمركة ظلت حتى الآن بعيدة عن الاقتتال الطائفي. ولكن الى متى؟ فان السيطرة السياسية على المنطقة المحيطة بالموصل والنفط الموجود في باطنها موضع نزاع بين الكرد والعرب السنة الذين يريدونها من دون حل توافقي وسط يلوح في الأفق. ويحاول المتمردون إشعال حرب اهلية مكشوفة. وفي الساعات التي أعقبت تفجير الشاحنتين دعا اعضاء مجلس المحافظة من السنة الى طرد قوات البشمركة لعدم فاعليتها.

يشكل تجدد اعمال العنف ضربة موجعة لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي يسعى الى اعادة انتخابه في كانون الثاني/يناير 2010. وإذ يفتقر المالكي الى الكاريزما أو الى سجل يشهد له بتحسين الخدمات العامة فانه أقام استراتيجيته الانتخابية على تحسين الوضع الأمني للعراقيين الذين أنهكتهم الحروب. وفي غضون ساعات من تفجير الشاحنات ظهر المالكي على التلفزيون الوطني في محاولة لطمأنة الناخبين. الاميركيون ايضا يحاولون ان يبدوا متفائلين حرصا منهم على ألا تتأثر خطط انسحابهم المرسومة بعناية بمزيد من اعمال العنف.

سجلت الهجمات في عموم البلاد هبوطا حادا بالمقارنة مع عددها قبل عام. ولكن الخطر الحقيقي يتمثل في ان العجز عن ايجاد حل عربي ـ كردي للمناطق المتنازع عليها سيمنح المتمردين مجالا متواصلا للمناورة. ومن دروس الحرب المضادة لأعمال التمرد ـ الصيحة الرائجة في الكليات العسكرية الاميركية الآن ـ ان المتمردين الماكرين لا يمكن ان يُهزموا بالطرق المباشرة: الطريقة الوحيدة الفاعلة هي تجفيف مستنقع الاستياء الشعبي الذي يغتذون منه. الرئيس ماو كان يعرف ذلك ودأب على تنمية المظالم. سيشعر ماو كما لو انه في بيته في شمال العراق.