قمة واشنطن- القاهرة .. لفرض التطبيع ام انتقال السلطة

واشنطن: منذ بزوغ الإرهاصات الأولى لإمكانية قيام الرئيس المصري محمد حسني مبارك بزيارة العاصمة الأميركية واشنطن بعد انقطاع دام زهاق خمس سنوات، وما ارتبط بها من أحداث يأتي في مقدمتها اختيار الرئيس الأميركي باراك أوباما القاهرة لمخاطبة العالم الإسلامي في الرابع من يونيو، واجه هذان القراران تحدياتٌ عديدة، يأتي في مقدمتها رفض بعض الجماعات لهما ومطالبة الرئيس أوباما بتعديل وجهة زيارته عن القاهرة والضغط على مبارك من أجل تحقيق أهداف ومكاسب سياسية أخرى تتعلق بتحقيق الديمقراطية وضمان حقوق الإنسان. ومن أبرز تلك الجماعات بعض المنظمات الحقوقية والتنموية لاسيما مركز ابن خلدون، وجماعات أقباط المهجر التي حاولت مرارًا الضغط على النظام المصري ليس فقط نظام مبارك بل أيضًا من قبله نظام الرئيس السادات.

القاهرة اليوم. و ليس جاكرتا وإسطنبول

جاء قرار الإدارة الأميركية باختيار الرئيس الأميركي باراك أوباما القاهرة لتكون منبره الأول للحديث مع العالم الإسلامي في الرابع من يونيو ليمثل ضربة قاصمة لكل من حاول إقناعه بغير ذلك لعل أبرزهم الدكتور سعد الدين إبراهيم، أستاذ علم الاجتماع ورئيس مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية والمعروف بمواقفه المناوئة للنظام المصري بشكل عام والرئيس مبارك على وجه الخصوص. فقد نصح إبراهيم الرئيس الأميركي الجديد أوباما بالتوجه إلى إسطنبول أو جاكرتا بدلاً من القاهرة في مقاله الذي نشر في جريدة واشنطن بوست الأميركية في 20 من ديسمبر 2008. مستندًا إلى أن الزيارة لابد أن تكون إلى دولة ذات أغلبية مسلمة رئيسة يحكمها نظامٌ ديمقراطيٌّ، وهذان الشرطان ينطبقان على كل من إندونيسيا وتركيا، كما أنهما منخرطان في منظمات دولية وإقليمه تضم دولاً غربية.

وإن كان إبراهيم قد فضل جاكرتا على إسطنبول على أساس أنها تحتوى على أكبر جالية إسلامية في العالم حيث تصل إلى ما يربو إلى مائتي مليون مسلم، كما أن الرئيس أوباما قد قضى فيها سنوات طفولته. استبعد إبراهيم مدنًا إسلامية أخرى تتمتع بأهمية استراتجية وتاريخية ودينية مثل القاهرة والقدس ومكة والمدينة على اعتبار أنها تقع في نطاق دول غير ديمقراطية أو استبدادية. وفى هذا الإطار أكد إبراهيم على أن زيارة أوباما لإحدى تلك المدن سوف يمثل اعترافًا بتلك النظم، فضلاً عن أنها سوف تفهم على أساس أنها دعم لمخططات التوريث فيها وتكريس المبادئ ذات التوجهات الاستبدادية. ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي سفن إبراهيم، حيث اختار أوباما القاهرة دون النظر لكل تلك الاعتبارات السابقة.

ولكني أرى أن هذا الاختيار جاء لعدة أسباب يأتي في مقدمتها:

أولاً: أن القاهرة هي قلب العالم الإسلامي ولغلتها الرسمية العربية وهى لغة القرآن وبالتالي فإنها تمثل أحد البقاع السحرية في المنطقة التي سوف تسهل بالضرورة مهمة أوباما وتزيد من شعبيته لدى بلدان العالم الإسلامي.

ثانيًا: الثقل السياسي لمصر والذي بدا جليًّا في أزمة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة حيث قامت مصر بجهود حيثية لتخفيف من حدة الأزمة وتهدئتها وذلك على الرغم من الوهن الذي أصاب ذلك الدور على المستوى الإقليمي في الفترة الأخيرة.

ثالثًا: الأهمية الاستراتجية لمصر بالنسبة للولايات المتحدة باعتبارها الوسيط الرئيس في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، والذي يمثل التحدي الأكبر للأمن القومي الإسرائيلي الذي تعتبره الولايات المتحدة أحد أهم الموضوعات على أجندة السياسة الخارجية الأميركية عبر الإدارات المتعاقبة.

أقباط المهجر بين الرفض والمطالبة

كما هو معروف عن أقباط المهجر من مواقف مناوئة للنظام المصري فقد كان من المتوقع أن تحشد تلك الجماعات كل ما تملك من قوة وأسلحة استعدادًا لزيارة مبارك للولايات المتحدة، ولعل أبرز تلك الجماعات الجمعية القطبية الأميركية برئاسة الملياردير كميل حليم، ذلك فضلاً عن مجموعة من الشخصيات البارزة مثل المحامي موريس صادق رئيس الاتحاد القبطي بأميركا، والمهندس مايكل رئيس منظمة أقباط الولايات المتحدة. ومن الجدير بالذكر أن تلك الجماعات تتمتع بقدر كبير من القوة والنفوذ في الولايات المتحدة نظرًا لقربها الشديد من دوائر صنع القرار لاسيما الكونجرس الأميركي.

في حقيقة الأمر ما يزيد قوة تلك الجماعات قوة تحالفاتها مع المنظمات والقوى الأخرى داخل الولايات المتحدة وخارجها. فمنذ الإعلان عن زيارة مبارك لواشنطن اندمجت منظمات أقطاب المهجر مع جماعات أخرى ذات تواجهات علمانية مثل تحالف المصريين الأميركيين لرئيسها صفي الدين حامد، ومركز ابن خلدون لرئيسه سعد الدين إبراهيم، ومنظمة حقوق الناس برئاسة عمر عفيفي، ومنظمة أصوات من أجل الديمقراطية في مصر برئاسة دينا جرجس، والمركز العالمي للقرآن الكريم برئاسة أحمد صبحي منصور، والجمعية الإسلامية ـ الأميركية برئاسة أكرم الزند.

ومع اقتراب موعد زيارة مبارك وفى إطار التعبير عن وجهة نظرهم أرسلت الجمعية القبطية الأميركية والمؤسسات السبع سالفة الذكر خطابًا للرئيس المصري حسني مبارك بتاريخ 28 من فبراير يتضمن خمسة مطالب أساسية يتعين عليه القيام بها قبل زيارته لواشنطن وهي كالتالي:

أولاً: إلغاء العمل بقانون الطوارئ.

ثانيًا: الإفراج عن سجناء الرأي والسجناء السياسيين ووقف المطاردات الأمنية للناشطين السياسيين.

ثالثًا: الإسراع بإصدار قانون دور العبادة الموحد لبدء مرحلة جديدة من الوحدة الوطنية والمحبة بين عنصري الأمة.

رابعًا: إعلان وعد قاطع باتخاذ خطوات نحو ترسيخ الديمقراطية، وإعمال مبدأ الفصل بين السلطات والكف عن التدخل في شئون القضاء.

خامسًا: إعلان وعد قاطع بالدعوة إلى تشكيل جمعية تأسيسية ممثلة من كافة الأطياف لإعداد دستور عصري وحديث، وإقرار مبدأ حرية تشكيل الأحزاب والجمعيات الأهلية وحرية تداول المعلومات وعدم التدخل في سير الانتخابات البرلمانية القادمة لصالح حزب أو فئة بعينها.

أما فيما يخص الاستراتيجيات التي سوف تتبناها منظمات أقباط المهجر حال زيارة مبارك لواشنطن، فقد انقسمت تلك المنظمات على نفسها. فبينما أكد بعضها على ضرورة القيام بمظاهرات حاشدة تندد بالزيارة، أكد البعض الآخر وخاصة التجمع القبطي الأميركي على لسان رئيسه كميل حليم أنهم يفضلون الحوار والمناقشة وليس التظاهر ضد الرئيس، ولكنهم سيطلبون من الرئيس أوباما الضغط عليه من أجل تحقيق مزيدٍ من الإصلاحات بخاصة في مجال الحريات.

وفى الإطار ذاته، دعت عديدٌ من المنظمات القبطية لاسيما الجمعية الوطنية القبطية الأميركية لتنظيم مظاهرة حاشدة أمام البيت الأبيض في 18 من أغسطس من الشهر الجاري احتجاجًا على زيارة مبارك لواشنطن استنادًا إلى ما أطلقوا عليه quot; الملف الأسودquot; للحكومة المصرية مع الأقباط، وسوف تنادي تلك المظاهرة باستقبال مبارك استقبال الغزاة، وعدم الانصياع لمن سترسله الكنيسة كمحاولة لتهدئة الأجواء بين الأقباط، الدعوة لتنظيم مظاهرات حاشدة للأقباط في كافة أنحاء العالم لاسيما الولايات المتحدة وكندا تنديدًا بالزيارة وبممارسات النظام المصري ضد الأقباط، مطالبة العالم أجمع بالاعتراف باضطهاد فقراء الأقباط في مصر فضلاً عن دعوتهم لرفع المعاناة عنهم، كما سوف يتم إرسال خطابات للبيت الأبيض ولوسائل الإعلام تفيد بأن تلك الزيارة غير مرغوب فيها من شخص يضطهد المصريين لأنهم يختلفون معه في الاعتقاد.

والحقيقة أن تلك الدعاوي، قد وجدت من يساندها في مصر ذاتها، حيث أكد المستشارquot; نجيب جبرائيلquot; رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان في مصر أن مظاهرات أقباط المهجر ضد زيارة الرئيس مبارك لواشنطن المزمع القيام بها في منتصف الشهر الجاري أغسطس 2009 تعد بمثابة فرصة ذهبية للتعبير عن غضب الأقباط من انتهاك حقوقهم من قبل النظام المصري وذلك استنادًا إلى أن التظاهر هو حق أصيل تكفله كل المواثيق الدولية طالما أنها ذات طبيعة سلمية و لا تسيء لمصر ولا لشخص الرئيس مبارك.

وعلى الرغم من الاتفاق مع بعض مزاعم أقباط المهجر حول مسئولية النظام المصري فيما يخص عرقلة العملية الديمقراطية وإخفاقه في التعامل مع بعض المشكلات التي تنشأ من حين إلى آخر بين المسلمين والأقباط في مصر، إلا أن أقطاب المهجر في كثير من الأحيان يسعون إلى تحقيق مكاسب خاصة ويسهمون بشكل ملحوظ في إثارة الفرقة والفتنة في المجتمع المصري، ومن أمثلة ذلك نقد قرار الحكومة المصرية حول إعدام الخنازير، وذلك للحيلولة دون تفشي وباء أنفلونزا الخنازير في مصر، حيث أحالوا استخدام هذا القرار لإشعال نار الفتنة بين المسلمين والأقباط على اعتبار أنها أحد أوجه اضطهاد النظام للأقباط. لكن الكنيسة تعاملت مع تلك المزاعم بحنكة شديدة وصرحت بأنه قرار سياسي وعلينا الانصياع إليه وذلك خوفًا من حدوث صدام مع النظام والذي قد يكون له تداعيات وخيمة على العلاقات فيما بينهم.

المنظمات المدنية المصرية ndash; الأميركية ودواعي الرفض

واستمرارًا للنهج الرافض للزيارة، طالبت المنظمات الأميركية ndash; المصرية ذات التوجهات المدنية في الولايات المتحدة الرئيس أوباما بوجوب إعادة النظر في استقبال الرئيس المصري في البيت الأبيض على اعتبار أنهم حملوا مبارك وحزبه مسئولية تكريس الممارسات غير الديمقراطية المتمثلة في البقاء في السلطة نحو ما يقرب من ثمانية وعشرين عامًا، وعدم قيام مبارك بتعيين نائب له على عكس سابقيه من الرؤساء، فضلاً عن عدم تطبيق مبادئ المحاسبة وسيطرة الحزب الوطني الديمقراطي على ما يقرب من 92% من مقاعد البرلمان والحكومة بأكملها.

كما أكدوا على مسئوليته عن تردي الأوضاع الاقتصادية في مصر وفقدان عنصر العدالة الاجتماعية اللذين يتمثلان في الآتي ؛أولاً: تتراوح نسبة بطالة بين 20% و40%، ثانيًا: ارتفاع معدل التضخم ليتراوح بين 14% و18%، ثالثًا: يعيش حوالي نصف السكان تحت خط الفقر، رابعًا: امتلاك أقل 10% من السكان ما يزيد عن 80% من ثروة الدولة، خامسًا: أن 44% من السكان يعيشون بأقل من 2 دولار في اليوم.


أما على المستوي الاجتماعي، أكد البيان أن مصر تعاني من أكبر نسبة لعمالة الأطفال، وحرمان المرأة من التعليم، ذلك فضلاً عن احتلال حكومة مبارك وفقًا لتقرير منظمة الشفافية الدولية أعلى مستويات الفساد.

وعلى صعيد حقوق الإنسان، أكد البيان على استمرار النظام المصري في انتهاك حقوق الإنسان واستندوا في ذلك إلى تقرير حقوق الإنسان الصادر عام 2008 عن وزارة الخارجية الأميركية الذي انتقد النظام المصري لاسيما فيما يتعلق بتقويض حرية الصحافة والتعبير عن الرأي وتكوين الجمعيات والمنظمات غير الحكومية.

ولكن بقطع النظر عما تنادي به تلك الجمعيات، فإنني أرى أن مسألة احترام حقوق الإنسان في مصر لا تزال تحبو إن لم تكن في مرحلة المهد إلا فيما يتعلق بحرية الصحافة والتعبير فقد قطع فيها النظام المصري شوطًا لا بأس به.

وختاما، لا شك أن زيارة مبارك لواشنطن سوف تكون أحد التحديات التي تواجه الرئيس أوباما خاصة أنها تأتى بعد انقطاع دام لمدة خمس سنوات حيث رفض مبارك زيارة واشنطن إبان فترة حكم الرئيس السابق جورج بوش الثانية نظرًا للانتقادات الحادة التي وجهتها إدارته للنظام المصري لاسيما فيما يتعلق بملفي الديمقراطية وحقوق الإنسان بخاصة مع علم النظام المصري أن بوش وإدارته هم أكثر من ينتهكون حقوق الإنسان لاسيما في سجن أبي غريب ومعتقل جوانتنامو.

وبالتالي على أوباما وإدارته استغلال الأحداث الأخيرة والمتعلقة بإعلانها عن إمكانية إغلاق معتقل جوانتنامو والإفراج عن صور ووثائق التعذيب التي وقعت في العراق في إطار تطبيق إستراتجيته الجديدة القائمة على عنصري الشفافية والمحاسبة في الضغط على مبارك لاتخاذ خطوات حثيثة في قضايا الإصلاح السياسي، الديمقراطية، وحقوق الإنسان.