يوسف صادق من غزة: ألقت الإشتباكات التي جرت أول أمس بين جماعة السلفية الجهادية وشرطة حكومة غزة التابعة لحركة حماس، بظلالها على علاقة حماس بتلك الجماعات. وفيما تتجه الأمور نحو مواجهة أكبر بين جماعات أخرى وحماس، تؤكد الأخيرة على أنها حركة إسلامية وسطية، يجب أن تفرض القوانين الإسلامية على مراحل، حتى لا يصبح الدين بالإكراه. وأخرجت حماس غريمتها حركة فتح العلمانية من قطاع غزة عسكريًا، منصف عام 2007، لكنها في الوقت ذاته لم تستطع لجم الحركات والجماعات الإسلامية التي سرعان ما إنتشرت في قطاع غزة، فترة وجود حركة حماس الإسلامية الوسطية.
وباتت حماس بين ناري الحصار الإسرائيلي وعدم التعاطي الدولي معها، كحركة فازت بالأغلبية في إنتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني بداية عام 2006، وبين تلك الجماعات التي تتهمها بالتقصير في فرض الدين الإسلامي بالكامل على سكان قطاع غزة.
وتدرك حماس أن مسيحيي غزة، البالغ عددهم ما يقرب من 4 آلاف شخص، لن يكونوا تحت سلطة القانون الإسلامي في حال تطبيقه، وتؤمن الحركة الإسلامية الوسطية في حال مقارنتها بالجماعات الإسلامية الأكثر تشددًا في النهج والفكر، أن المجتمع الفلسطيني يحوي العديد من الأفكار والمذاهب التي يجب التعامل معها بحذر، وتنطوي سياستها الرسمية على احترام حقوق الأقلية المسيحية في غزة التي تسيطر عليها. ومع هذا فإن الهجمات على المسيحيين شهدت زيادة في العام الماضي من جانب الإسلاميين غير الراضين في ما يبدو عن مدى تطبيق حكم حماس في قطاع غزة.
وبحسب مسؤول أمني في حماس، فإن مواجهات الجمعة، التي قتل فيها 26 فلسطينيًا، أُرغمت حركته على خوضها. وقال لإيلاف quot;لقد قتلوا ثلاثة من عناصر كتائب القسام بدم بارد من بينهم قائد بارز في القسام يدعى محمد شمالي، عندما أرادوا التفاوض معهم وإنهاء الخلاف بينهماquot;.
وكان عبد اللطيف موسى، الذي قتل في إشتباكات الجمعة ينتمي لجماعة أهل السنة، قبل أن يقدم إستقالته منذ ثلاث سنوات. وأكد أحد التابعين لأهل السنة، فضل عدم الكشف عن إسمه، أن الشيخ موسى إنفصل كليًا عنهم. وقال لإيلاف quot;إنتقد موسى نهج أهل السنة، وأراد أن تشارك عسكريًا وأن يكون لها جهاز عسكري، لكننا رفضنا ذلك بسبب عدم التكافؤ في القتال حاليًا بيننا وبين إسرائيل التي تحتل أرضناquot;.
وأوضح أن الإسلام يُغلّب الفكر والتأني على التسرع والتهور الذي يسبب أذى للمسلمين أكثر من المنافع المرجوة. وقال quot;الشيخ عبد اللطيف موسى أنهى علاقته كليًا بأهل السنة، وأتجه نحو السلفية الجهادية أو ما تسمى بـ quot;جند أنصار اللهquot;، وكوّن شبكة علاقات مميزة مع جماعات تنتهج نفس الفكرquot;. وبدأت جماعة أهل السنة في الظهور بقوة، في ثمانينات القرن الماضي، بعد أن أغلقت دور السينما في محافظتي خان يونس ورفح، جنوبي قطاع غزة، وحوّلت إحداها لمركز رئيس لها. وأنشأت مساجد متعددة في أنحاء قطاع غزة.
ويُعتبر الشيخ سليم شراب، الذي توفي عام 1985، الأب الروحي لجماعة أهل السنة. وهو من أوصلهم بالعلماء المسلمين في الخليج وباقي دول العالم، خاصة أن شراب درس في المملكة العربية السعودية. ويعتبر شراب مجدد التيار السلفي في قطاع غزة.
ولم يقتصر نشاط الجماعة السلفية على الدعوة لتعليم الناس أمور دينهم وإتباع نهج السلف الصالح، لكنهم وسعوا نشاطهم في تقديم خدمات تعليمية وطبية واجتماعية إلى جانب نشاط مميز في كفالة أيتام ورعاية المعوزين وإقامة مشاريع استثمارية. وكان رئيس وزراء الحكومة الفلسطينية المقالة ، إسماعيل هنية، نفى بشكل قاطع تقارير إسرائيلية تتحدث عن دخول جماعات إسلامية مسلحة لقطاع غزة. وإعتبر أن الهدف من هذه التقارير المزعومة quot;جلب تحالف دولي ضد القطاعquot;.
وقال هنية quot;لا يوجد على أرض قطاع غزة أي تنظيمات أو مجموعات متشددة كما تدعي إسرائيلquot;. وأدت إسرائيل دورًا مهمًا من خلال حصارها على سكان قطاع غزة، وقطع مصادر رزقهم، في تغذية الفكر الإسلامي المتشدد. وباتت أشرطة خطباء مسلمون معروفون بتشددهم، رائجة بين العديد من الشباب في غزة.
وتقول حركة حماس في المادة الحادية عشرة من الميثاق المكوّن من 36 مادة، أن أرض فلسطين quot;أرض وقف إسلامي على أجيال المسلمين إلى يوم القيامة، لا يصح التفريط بها أو بجزء منها، أو التنازل عنها أو عن جزء منها، ولا تملك ذلك دولة عربية أو كل الدول العربية، ولا يملك ذلك ملك أو رئيس، أو كل الملوك والرؤساء، ولا تملك ذلك منظمة أو كل المنظمات سواء كانت فلسطينية أو عربيةquot;.
وحول علاقتها بالحركات الوطنية، قالت حماس في المادة الخامسة والعشرين، إنها quot;تبادلها الاحترام، وتقدر ظروفها، والعوامل المحيطة بها، والمؤثرة فيها، وتشدّ على يدها ما دامت لا تعطي ولاءها للشرق الشيوعي أو الغرب الصليبي، وتؤكّد لكل من هو مندمج بها أو متعاطف معها بأن حركة المقاومة الإسلامية، حركة جهادية أخلاقية واعية في تصورها للحياة، وتحركها مع الآخرين، تمقت الانتهازية، ولا تتمنى إلا الخير للناس، تنطلق بإمكاناتها الذاتية وما يتوافر لهاquot;.
وكان التصادم الأول بين حركة حماس مع الجماعات الإسلامية، عندما حررت الصحافي البريطاني ألن جونسون، الذي إختطفه جيش الإسلام الذي يتزعمه ممتاز دغمش. لكن التصادم هذا لم يقطع شعرة معاوية بين حماس وتلك الجماعات. ما حدث في مدينة رفح الحدودية مع الأراضي المصرية لن يكون آخر المواجهات. وستعاني حركة حماس وحكومتها من تبعات وارتدادات هذا الموضوع، وبات على حركة حماس مواجهة إسرائيل من جهة، والتيارات الإسلامية المتشددة من جهة أخرى.
التعليقات