إعداد عبد الاله مجيد: كتب بروفيسور الدراسات الاستراتيجية في كلية وولش للخدمة الدبلوماسية في جامعة جورجتاون ومساعد وزير الخارجية الاميركي للشؤون الافريقية سابقا تشيستر كروكر تعليقا في صحيفة quot;نيويورك تايمزquot; الصادرة اليوم الاثنين ، يتناول سياسة الرئيس باراك اوباما في التواصل مع دول مثل ايران وكوريا الشمالية. وجاء في التعليق: سيواجه الرئيس اوباما أوقاتا عصيبة في تحقيق أهداف سياسته الخارجية ما لم يتقن استخدام بعض المصطلحات الأساسية ويحسن ادارة التوقعات التي تستحثها هذه المصطلحات. وإزاء الضجة التي ستحيط بنبأ استعداد اميركا لإجراء محادثات مع ايران ، يستطيع أوباما ان يبدأ إتقان مصطلح quot;التواصلquot; ـ وهو واحد من أعقد المصطلحات في القاموس السياسي.

استخدمت ادارة اوباما هذا المصطلح لوضع موقفها في مواجهة المقاومة التي أبداها سلفه ضد التحادث مع الخصوم ومثيري المتاعب. ويكشف منتقدوه انهم يسيئون فهم مصطلح التواصل عندما يسخرون منه بوصفه ملاطفة أنظمة غاشمة أو معادية.
لنضع بعض الأمور في نصابها الصحيح. ان التواصل في فن ادارة الدولة لا يتعلق بإطلاق الكلام المعسول. ولا هو يقوم على التوهم بأن مشاكلنا مع انظمة مارقة لا يمكن ان تُحل إلا إذا تحادثنا معها. والتواصل ليس تطبيعا ، وهدفه ليس تحسين العلاقات. وهو لا يمت بصلة الى الانفراج أو العمل من أجل التقارب أو التهدئة والترضية.

فكيف نحدد استراتيجية تعتمد التواصل؟ انها تقتضي إجراء محادثات مباشرة. إذ ليست هناك ، بكل بساطة ، طريقة أفضل منها لإيصال موقف بلغة لا تقبل اللبس أو للاستماع الى ردود. ولكن إجراء محادثات ما هو إلا خطوة واحدة. وهدف التواصل هو تغيير فهم البلد الآخر لمصالحه وخياراته الواقعية وبالتالي تعديل سياساته وسلوكه. الثابت ان للتواصل الدبلوماسي جدواه ـ في الظروف المناسبة. وقد استخدمه الدبلوماسيون الاميركيون لتغيير حسابات وسلوك انظمة متباينة تباين الاتحاد السوفيتي وجنوب افريقيا وانغولا وموزمبيق وكوبا والصين وليبيا وبصورة متقطعة سوريا.

ولكن ليس هناك مفتاح سحري يضمن نجاح التواصل. ففي جنوب القارة الافريقية إبان الثمانينات ركزنا تحركاتنا على كبح أعمال العنف بين جنوب افريقيا التي يحكمها البيض وجيرانها التي يحكمها السود. وكانت هذه الاستراتيجية تعطي الأولوية لإدارة النزاع الاقليمي من اجل وقف الهجمات عبر الحدود وايجاد ظروف أفضل للتغيير السياسي في الداخل. كما تواصلت الولايات المتحدة مع الكوبيين في محاولة تهدف الى استقلال ناميبيا (عن جنوب افريقيا) ورحيل القوات الكوبية من انغولا. وفي موزمبيق كان التواصل يعني بناء علاقة بناءة مع الولايات المتحدة والحد من تدخل جنوب افريقيا في نزاعات موزمبيق الداخلية وفك ارتباط البلد بتحالفه مع الاتحاد السوفيتي.

في عهد أقرب أدت استراتيجية ادارة بوش في التواصل مع ليبيا الى اعادة العلاقات الدبلوماسية في نهاية المطاف وانهاء برامج ليبيا لتطوير اسلحة دمار شامل. وإذا كانت التفاصيل مختلفة فان لكل حالة من حالات التواصل عناصر مشتركة. ذلك ان التواصل عملية وليس محطة نهائية. انه ينطوي على ممارسة ضغوط بطرح اسئلة وامكانات افتراضية والتمعن في افتراضات الطرف الآخر وتفكيره. وينطوي التواصل ، قبل كل شيء ، على اختبار الى أي مدى قد يكون البلد الآخر مستعدا للذهاب. وتعني دبلوماسية التواصل إذا ما فُهمت فهما صحيحا ، اثارة اسئلة قد يريد البلد الآخر ان يتفاداها أو لا يكون من الناحية السياسية قادرا على الاجابة عنها. انها تضع الكرة في ملعب البلد الآخر.

يأتي التواصل مصحوبا بمخاطر بطبيعة الحال. وأحد هذه المخاطر ان الخصوم الداخليين سيتعمدون تشويه مقاصد التواصل. وخطر آخر ان يحاول كل طرف فرض شروط مسبقة للاتفاق على اللقاء والتحادث ـ ثم التفاوض في النهاية. لكننا لن نحقق الكثير مع الايرانيين على سبيل المثال إذا اصرينا (وأصروا) على الانطلاق بالتأكد من نيات الطرف الآخر. خطر آخر ان النظام المارق ، مهما قلنا ، قد يدعي أن التواصل يسبغ عليه شرعية. وخطر آخر يترتب على ذلك ان نجاح استراتيجية التواصل قد تُبقي النظام المستهدف بها في السلطة بل وحتى تعزز مواقعه ، وهي قضية كانت تقلق بعض منتقدي ادارة بوش بما حققته عام 2003 من اختراق أدى الى تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وليبيا.

ولكن أكبر اخطار التواصل بفارق كبير هو ان استراتيجية التواصل يمكن ان تتكلل بالنجاح. وإذا نجحنا في تغيير موقف صانعي القرار في البلد الآخر سيتعين علينا ان نقرر حينذاك ما إذا كنا سنقبل بتجاوب الطرف الآخر ونرد على خطواته بخطوات من جانبنا. وإذا كانت المحادثات مثمرة ستبدأ مفاوضات بشأن اتخاذ خطوات متبادلة على طريق مرسوم بطريقة مشتركة. فان دبلوماسية التواصل تفرض علينا ان نحدد خياراتنا ولعل هذا ما يخيف منتقديها أشد الخوف. فيما يعمل فريق اوباما على تفادي الاتهامات القائلة إنه يندفع الى الارتماء باحضان روسيا أو ايران أو سوريا أو حتى كوريا الشمالية ، سيتعين عليه ان يتقن منطق التواصل وتعريفه تعريفا صحيحا. وفي كل الأحوال سنحتاج الى تقييم نُجريه بعين مفتوحة لما نحن مستعدون الى تقديمه مقابلة التغيير الذي نطمح اليه في سلوك الطرف الآخر. وقد تكون دبلوماسية التواصل أسهل على الفهم إذا تحدثت ادارة اوباما بوضوح في الداخل عما تتطلبه حقا.