ارتفعت معدلات عمليات ملاحقة نشطاء سياسيين، وخصوصًا بحق الشيعة والكتاب،بتهم تتعلق بازدراء الأديان، ما اعتبره نشطاء حقوقيون منافيًا للمبادئ الدولية لحقوق الإنسان، وطالبوا بضرورة إعادة النظر في مثل تلك القضايا، لاسيما أنها تتناقض مع مواد الدستور الجديد، وتعتبر تضييقًا على الحقوق والحريات الدينية والأدبية في مصر.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: قال باحث في شؤون الحريات الدينية في مصر إن السنوات الثلاث التي تلت ثورة 25 يناير 2011 شهدت ارتفاعًا في الملاحقات الأهلية والقضائية بحق بعض النشطاء بتهم ازدراء الأديان.

وأوضح إسحق إبراهيم، الباحث في المبادرة المصرية للدفاع عن الحقوق الشخصية، لـquot;إيلافquot; أن المبادرة رصدت 48 حالة ملاحقة أهلية وقضائية منذ يناير 2011 وحتى نهاية 2013، مشيرًا إلى أن بعض هذه الحالات اقتصر العقاب فيها على العقاب العُرفي، وبعضها تم توقيع العقاب فيها من قِبَل جهة العمل. ولفت إلى أن هناك 28 قضية نظرت فيها المحاكم قضايا من هذا النوع خلال هذه الفترة.

13 قضية في 2013
وذكر إبراهيم أن معدلات القضايا ارتفعت في العام 2013، إلى أكثر من مائة بالمائة، موضحًا أن أعداد هذه القضايا ارتفعت من ثلاث فقط خلال 2011 إلى 12 خلال 2012، ثم إلى 13 قضية خلال 2013. وقال إن المحاكم أدانت 27 من إجمالي 42 متهمًا، وبرّأت ساحة ثلاثة متهمين، ولم تقبل الدعوى بالنسبة إلى 11 متهمًا، لأنها لم ترفع من طرف مختص.

وأعرب عن قلقه من تزايد قضايا ما يسمّى بازدراء الأديان، والمحاكمات المرتبطة بها في السنوات الثلاث الماضية بدرجة ملفتة، معتبرًا أنها تمثل تهديدًا مباشرًا للحريات الدينية، وانتهاكًا واضحًا لحرية الرأي والتعبير. وانتقد عمليات العنف والعقاب الجماعي التي يبادر بها مواطنون، لا صفة رسمية لهم، ضد مواطنين آخرين، لمجرد التعبير عن معتقداتهم.

وشهدت مصر خلال الشهرين الماضي والحالي محاكمتين لاثنين من النشطاء، بتهمة ازدراء الأديان، فأيّدت محكمة ببا الجزئية في محافظة بني سويف بتاريخ 11 مارس/ آذار الجاري الحكم بالسجن خمس سنوات بحق كاتب مصري، يدعى كرم صابر، على خلفية اتهامه بازدراء الأديان في مجموعته القصصية quot;أين اللهquot; الصادرة في العام 2010، وذلك على الرغم من تغيير الأوضاع الدستورية، وصدور دستور 2014، الذي يقضي في مادته رقم 67 بحظر توقيع عقوبات سالبة للحرية في الجرائم، التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري، والتي لا تدخل في نطاق الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن في أعراض الأفراد.

وبتاريخ 26 فبراير/ شباط الماضي، قضت محكمة جنح الجمالية بسجن عمرو عبد الله (شيعي المذهب) خمس سنوات مع الشغل، بتهمة ازدراء الأديان والإساءة إلى الصحابة.

شيعة بلا عاشوراء
ألقي القبض على عمرو عبد الله في أثناء دخوله للصلاة في مسجد الحسين في ذكرى عاشوراء الموافقة في 14 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بعدما شهدت الأيام السابقة على الذكرى للاحتفال سجالًا حادًّا على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وفي الصحف، أعلن فيها عدد من المواطنين الشيعة عن نيتهم الذهاب إلى مسجد الحسين، وإحياء ذكرى عاشوراء، بينما أعلن ما يسمى بـ quot;ائتلاف المسلمين للدفاع عن الصحابة وآل البيتquot; رفضه إحياء الشيعة للمناسبة، مؤكدًا أن أعضاءه سيمنعون الشيعة من تنظيم الذكرى.

ونددت منظمات حقوقية بما اعتبرته ملاحقات أهلية وقضائية لنشطاء بتهم تتعلق بازدراء الأديان. فقال البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان إن الحكم على الكاتب كرم صابر يعتبر quot;مخالفة دستورية تفتح الباب واسعًا وبحق حول جدوى الدستور وأهمية الحقوق والحريات الواردة فيه، وهل سيتم تطبيقها واحترامها على أرض الواقع، أم إنها ستتحول إلى حبر على ورق، كما كانت حال دستور 1971؟، وهل وضعت أبواب الحقوق والحريات لتحترم أم لتنتهك بوساطة سلطات الدولة الثلاث؟quot;.

وأعلن البرنامج العربي عن quot;تضامنه الكامل مع صابر ككاتب، له الحق في إبداء آرائه في منتجاته الأدبية وحمايته من أي تعسف ينال من حقه الإبداعي، وفق ما نص عليه الدستور، ووفق أحكام المادة 19 من كل من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسيةquot;.

حكم quot;السيادينيينquot;
وأعرب البرنامج العربي عن اعتقاده بوجود quot;رابط من نوع ما بين تزامن تأييد الحكم بسجن صابر وبين صدور قرار من الأزهر بمنع عرض فيلم نوحquot;، معتبرًا أن quot;كليهما حكم وقرار يمسّ وينتهك بشكل واضح حرية الإبداعquot;. وتساءل: quot;هل هذا توجّه جديد/قديم من الدولة؟، أم مجرد تصرفات فردية؟، أم سطوة التيار (السياديني) ما زالت مستمرة على الرغم من إقصاء الإخوان من المشهد السياسي؟، أم هي محاولة سياسية لاستقطاب تيارات بعينها لمصلحة التيار السياسي الصاعد على حساب حقوق المبدعين؟quot;.

ودعا البرنامج العربي quot;المبدعين كافة إلى التضامن مع كرم صابر، وطالب مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية بالعمل بكل الوسائل القانونية والسلمية المشروعة للدفاع عنه أمام محكمة الاستئنافquot;.

في السياق عينه، انتقدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ما وصفته بـquot;استمرار ملاحقة الأقليات الدينية، خصوصًا مطاردة معتنقي المذهب الشيعي، بالاستناد إلى المادة 98 من قانون العقوبات، التي تفضي عمليًّا إلى شكلٍ من أشكال محاكمة المواطنين على معتقداتهم الدينية، وهو ما ينتهك حريات الدين والمعتقد والرأي والتعبير، والتي تعد من الحقوق الأساسية للإنسان، التي يحميها الدستور الجديد والمواثيق الدولية التي صدَّقت عليها مصرquot;.

ولفتت المبادرة إلى أن الملاحقات القانونية والقضائية لمعتنقي المذهب الشيعي وتعديل كل النصوص القانونية التي يمكن استخدامها في عقاب المواطنين على معتقداتهم الدينية، والتي تمثل انتهاكًا جسيمًا لمواد الدستور الحالي والمواثيق الدولية التي صدَّقت عليها مصر في هذا الشأن.