تقف مسيرة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، الذي تتعرّض سياساته لانتقادات متواصلة في الداخل والخارج، على مفترق طرق حاسم، في ظل سيطرة مسلحين جهاديين على مناطق واسعة من شمال البلاد.


بغداد: يواجه اليوم هذا السياسي الشيعي المتدين المولود قرب كربلاء أحد أكبر تحديات حكم بدأ قبل ثماني سنوات بنزاع طائفي، وظل حافلًا بالحروب والمعارك السياسية، التي باتت تضع وحدة البلاد على المحك.

حظي المالكي عندما تسلم رئاسة الوزراء للمرة الأولى في العام 2006 بدعم واشنطن، إلا أن العديد من المسؤولين الأميركيين بدأوا يوجّهون انتقادات إليه منذ انطلاق الهجوم الكاسح، الذي شنته تنظيمات جهادية قبل نحو عشرة أيام، وتمكنت خلاله من احتلال مناطق واسعة في الشمال.

وحذر الرئيس الأميركي باراك أوباما الخميس من أن قيادة جامعة غير الطائفية وحدها يمكنها أن تنتشل العراق من المستنقع الحالي، في تصريح بدا موجّهًا إلى المالكي، الذي يتعرّض لاتهامات باعتماد سياسة تهميش بحق الأقلية السنية في البلاد.

استفحال طائفي
يقول السفير الأميركي السابق إلى العراق جيمس جيفري لوكالة فرانس برس "هناك قلق حقيقي"، مضيفًا إن "الجميع في العراق طائفيون إلى حد ما، إلا أن المالكي ذهب بعيدًا" في هذه المسألة.

تابع جيفري، الذي غادر منصبه في منتصف العام 2012، ويعمل اليوم باحثًا في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى: "إذا أرادوا (الشيعة) الوقوف إلى جانبه مع قادتهم السياسيين أيضًا، فإنه سيبقى موجودًا على الساحة. لكنه ليس الحل الأمثل لعراق موحد".

ووجّه نائب الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير الدفاع تشاك هيغل ورئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال مارتن دمبسي أخيرًا انتقادات إلى المالكي، في تحوّل في الموقف تجاه هذا السياسي، الذي حظي في السابق بدعم كل من واشنطن وطهران.

لكن هذا التحول ليس الأول في صورة القائد العام للقوات المسلحة، الذي انتقل من كونه مرشح التسوية، إلى السياسي القومي، الذي حارب الميليشيات الشيعية، ونجح في خفض معدلات العنف، إلى القائد المتهم بالقبض على السلطة وتهميش الخصوم السياسيين.

محكوم بالإعدام
وانضم المالكي إلى حزب الدعوة المعارض لصدام حسين عندما كان في الجامعة، قبل أن يغادر في العام 1979 البلاد، ويصدر بحقه حكم غيابي بالإعدام. وبين إيران وسوريا، ساهم المالكي في تنسيق الهجمات، التي كانت تشنّ من إيران على العراق، الذي لم يعد إليه إلا بعد سقوط نظام حسين إثر الاجتياح الأميركي للبلاد في العام 2003.

ورغم أن العديد من المراقبين رأوا في المالكي لدى تسلمه السلطة في العام 2006 سياسيًا ضعيفًا، إلا أنه قاد في العام 2008 حملة ناجحة ضد ميليشيا الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، بدعم من القوات الأميركية. وحظي المالكي في حملته هذه على تأييد جامع ليرسخ سمعته كقائد قومي قادر على خفض معدلات العنف والسيطرة على الأوضاع الأمنية.

إلا أنه ومنذ تسلمه السلطة لولاية ثانية في العام 2010، على رأس حكومة وحدة وطنية، توالت الأزمات في البلاد والاتهامات بحقه من قبل خصومه السياسيين، الذين عملوا على سحب الثقة منه في البرلمان من دون أن ينجحوا في ذلك.

لكن المالكي تجاهل تلك الانتقادات، التي جاءت بالتزامن مع غرق البلاد في فوضى أمنية عارمة، وألقى باللوم حيال الفوضى التي عمّت العراق على النزاع في سوريا المجاورة وعلى الخصوم السياسيين الذين يتهمهم بعرقلة مشاريع القوانين التي تصدر من حكومته في البرلمان.

خارج السيطرة
وفي حال اقتنع المالكي الساعي إلى ولاية ثالثة، بعدما فازت اللائحة التي يقودها بأكبر عدد من مقاعد البرلمان مقارنة باللوائح الأخرى في الانتخابات التشريعية قبل أقل من شهرين، بالتوصل إلى تسوية ما، أم لم يقتنع بذلك، فإن الوقائع الجديدة على الأرض تصعب على أي مسؤول كان السيطرة عليها.

ويقول أيهم كامل مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة يورواسيا "بدلًا من التسوية، سيقوم المالكي على الأرجح باستغلال الهجوم السني لتحصين موقعه السياسي". ويضيف إن "الخريطة السياسية الجديدة غير واضحة، لكن المالكي أو أي قائد آخر سيصارع لتحديد وقبول الحدود الجديدة في العلاقات السنية الشيعية الكردية".