موائد إفطار متنوعة والنساء يحتشمن موقتًا
عادات المغاربة وتقاليدهم لاستقبال رمضان المبارك

أيمن بن التهامي من الدار البيضاء: يحتل شهر رمضان المبارك مكانة متميزة في نفوس المغاربة الذين يتمسكون بتقاليدهم وعاداتهم الدينية، المترسخة لديهم منذ قرون، على الرغم من أن بلدهم ينفتح بشكل كبيرٍ على أوروبا التي تعتبره بوابتها نحو القارة الإفريقية. وتبدأ الاستعدادات لاستقبال هذا الشهر بكلمة quot;عواشر مبروكةquot; والصوم في بعض الأيام في شبعان، قبل أن تشرع ربات البيوت في إعداد بعض أنواع الحلويات الأكثر استهلاكًا على موائد الإفطار.

وتتكون هذه الموائد بالأساس من شربة الحساء quot;الحريرةquot;، التي تعد الأكلة الرئيسة لدى المغاربة، وquot;الزلابيةquot;، وكذا quot;سلوquot; (معجون الدقيق والزبدة والمكسرات)، والتمر والحليب والبيض وquot;الشباكيةquot; (خليط من الدقيق والعسل والسمسم وماء الورد) وquot;كعب الغزالquot; (كالقطايف)، فيما ترتفع نسب استهلاك مختلف أنواع الأطعمة التي ترتفع أسعارها إلى أرقام قياسية. كما تعرف الأسواق حركة رائجة جدًا، إذ تكون quot;الشباكيةquot; وquot;البغريرquot; وquot;السفوفquot;، من أكثر الكلمات ترديدًا بين الباعة والمشترين.

ولا تبخل هذه الأسواق في عرض كل ما يشتهي الصائمون من أكلات وفواكه وحلويات متعددة الأشكال، تتفنن المحلات العصرية والشعبية في صنعها، وقبل ساعات من موعد الإفطار يحتشد المواطنون أمام هذه الفضاءات في محاولة للظفر بحصتها قبل نفاذها. ويشهد المغرب خلال رمضان إقامة موائد إفطار جماعية، تنظمها بعض الجمعيات الخيرية والإسلامية التي يتلقى بعضها دعمًا من الدولة، فيما تعمل بعض البيوت على إعداد وجبات إفطار خاصة للمساكين.

ومنذ اليوم الأول لهذا الشهر، يظهر التحول في أوقات العمل بالإدارات التابعة للدولة والمؤسسات الخاصة، ويجري الأخذ بالتوقيت المستمر في جميع القطاعات العمومية والخاصة، ما عدا المستشفيات ومراكز الأمن التي يجري العمل فيها بالمناوبة، فيما تهجر النساء أثوابهن quot;الروميةquot; على حد التعبير المغربي، ليرتدين بدلها quot;الجلابيةquot; الواسعة التي لا تبرز أي ملامح من الجسد الذي تلفه. وتعرف بعض المدن إقامة الحفلات والسهرات العمومية في الشوارع، كما تمتلئ المقاهي بالرواد الذين يعوضون عن صوم النهار بالسهر للتدخين أو لعب الورق أو المناقشة والسمر أو شرب النرجيلة التي يقبل عليها المغاربة بشكل كبير خلال رمضان.

وفي ليلة القدر، يحدث تغيير جدري على برنامج الأسرة، إذ يتوزع أفرادها للقيام بتحضير مائدة بمثابة مأدبة تكريم للأطفال، الذين يكونون قد صاموا أول يوم في رمضان. وبمجرد رفع الصحون عن المائدة، يصطحب الأبا الاطفال إلى المسجد ليؤدوا إلى جواره صلاة التراويح، ويدعو لهم بالصحة والعافية والنجاح، في حين تبقى الفتيات في المنزل، ويحظين بزينة خاصة تبدأ بنقش اليدين ووضع مساحيق خفيفة على الوجه، عرائس تحف بهن أخواتهن وجاراتهن اللائي يقمن حفلاً لهن إلى أن يعود الأب ليصطحب الجميع في جولة عند الأحباب والأصدقاء لإحياء صلة الرحم.

من جانب آخر، تعرف المساجد توافدًا كبيرًا للمصلين منذ اليوم الأول، إذ يسير الكبار والصغار والشباب في صف واحد كل يوم لأداء صلاة العشاء، وهي الحال نفسها التي تسجل في صلاة الفجر التي تمنح المصلين نشاطًا فائقًا. ومن العادات المميزة أيضًا أن يخرج الشباب إلى ممارسة الرياضة بين العصر والمغرب، بل يشاركهم المسنون والأطفال أيضًا، وتكون لحظات متميزة يمارسون فيها اللعب والترفيه.

وعلى الرغم من أن هذا الشهر الكريم يتمتع بمكانة رفيعة، ومنزلة عظيمة في نفوس المغاربة، إلا أن بعضهم يرى أن مظاهر الحياة الجديدة ومباهجها قادت إلى اندثار بعض العادات الجميلة التي لم تنقالها الأجيال فيما بينها بسبب تغير مناخ الحياة والانشغالات اليومية للمواطنين، إضافة إلى نار ارتفاع الأسعار التي أحرق لهيبها جيوب المواطنين الذين باتت موائدهم تقتصر على الضروريات فقط.