تحوي منطقة بني هارون شرق الجزائر أكبر سد للمياة فيها ومصيف سياحي مهمل برغم اهميته الاستراتيجة للبلاد.


كامل الشيرازي من الجزائر:من أعلى شرفة quot;بابايquot; بأعالي محافظة ميلة (450 كلم شرقي الجزائر)، تتملى العيون منطقة بن هارون السهبية الجميلة التي تشتهر بمياهها السطحية وما تختزنه من منسوب معدني وغازي عذب، وسدها الأكبر على مستوى الجزائر وإفريقيا الذي تربو سعته عن 960 مليون متر مكعب، ويغذي ست محافظات شرقية.


ولدى زيارة quot;إيلافquot; لبني هارون، أكّد كثير ممن سألناهم على أنّ منطقة بني هارون تمتلك مواصفات قطب سياحي متكامل، خصوصا مع ما تتوفر عليه بني هارون من خواص طبيعية وما توفره لزوارها من مياه وخضرة وهواء نقي، ومآقي عبر منحدراتها ووديانها وغاباتها الكثيفة التي تغري المارين على الشريط الرابط بين محافظتي قسنطينة وجيجل، بالتوقف لارتشاف كأس شاي.

يقول عبد الرزاق (38 عاما) أحد أبناء المنطقة لـquot;إيلافquot;، أنّها تشهد خلال فصلي الصيف والخريف إقبالا استثنائيا تتصدره العوائل ولاسيما الأفواج الكشفية، ويضيف تهامي (35 عاما) أنّ مع اقتراب فصل الشتاء تنخفض وتيرة الحركة هناك، لكنها تستعيد ريتمها مع هبوب أولى نسمات الربيع.


ويشير طبيب الأمراض الصدرية quot;جمال زمّامquot; إلى أنّ كثير من مرضى الربو يفدون على بني هارون للاستفادة من هوائها النقي الذي يُنصح به في العلاج، وهو ما يؤكده سفيان (25 عاما)، رضوان (30 سنة) وزهية (34 عاما) الذين قدموا من أماكن بعيدة لأجل التداوي، ويقول سفيان لـquot;إيلافquot; القاطن بحي ديدوش مراد وسط العاصمة الجزائرية، أنّ أمام معاناته من مرض الربو لسنوات طويلة، نصحه الطبيب بالذهاب إلى إحدى الأماكن المرتفعة الغنية بالأوكسجين، فوقع خياره مباشرة لبني هارون التي quot;ذاعت سمعتها في الآفاقquot;، على حد تعبيره.


وأمام سحر هذا المنظر الخلاّب، كثيرا ما يحجّ العرسان ببني هارون لتخليد ذكرى زفافهم على واجهاتها، وسط طلائع طيور اللقلق التي تسجل حضورها فوق الأشجار المعمرة الشاهقة العلو لحدائق ميلة، ويستعيد فريد (29 عاما) المتزوج حديثا، ذكريات أيام غالية عليه قضاها وسط بني هارون، شأنه في ذلك أصدقائه نعيم وشوقي ورفيق الذين دخلوا القفص الذهبي في وقت متزامن.


كما يحوز موقع بني هارون عديد المزايا التي لا تضاهى، ويشرح الخبير عبد الكريم بوعكوك لـquot;إيلافquot; أنّ موقع بني هارون الإستراتيجي كان له الفضل في اختياره محورا للتوسع السياحي على مساحة تزيد عن الألف هكتار، وهو ما يعتبره ابن المنطقة quot;عبد القادر عزوزوquot; فرصة لاحتضان عشرات المشاريع السياحية والبيئية والحموية والرياضية والترفيهية، خصوصا مع امتيازها بشبكة طرقات مزودة بمنشآت فنية ذات قيمة عالية، وقربها من المنطقة الحرة (بلارة) وميناء جن جن الشهير وأجمل الشواطئ بمحافظة جيجل الشرقية.


وتفيد بيانات وزارة البيئة والسياحة الجزائرية، إلى أنّ منطقة بني هارون عرفت خلال الثلاثة أشهر المنقضية، توافدا كبيرا للجزائريين وكذا مواطنيهم المغتربين، ممن يبحثون عن قضاء أيام جميلة على إيقاع هادئ في بقعة تحتضن أصنافا من الطيور والورود والنباتات تعانق المكان الذي يشهد حركة يومية مستعملين كل أنواع المركبات، ويتحدث فتحي (41 عاما) وأصدقائه محمد ومحمود عن انفراد المكان بدخان شواء اللحم اللذيذ المنبعث من محلات أعطت منطقة بني هارون خصوصية أزلية كأنما هو quot;فخ منصوبquot; في كل وقت لاستقطاب عابرين وحملهم على التوقف وتذوق مطارق شواء تمنح ما فيه الكفاية من القوة والنكهة لمواصلة درب الحياة.


وفي مشاهد صارت جزءا من الديكور اليومي المعتاد، يزاحم quot;اللحم المشويquot; بمنطقة بني هارون عرض quot;الذرةquot; أو (البلول) المشوية كما يطلق عليها محليا، إلى جانب التين الشوكي والمشهور باسم quot;الهنديquot; والذي غالبا ما يشكل الفاكهة الأولى عند السكان المحليين، ويقول موسى أحد الباعة أنّ البلول كما الهندي يٌعرض على طول شريط بني هارون أمام مناظر ساحرة تأخذ بألباب الزبائن وتدفعهم لاقتناء الفاكهة المتاحة بكثرة، علما أنّ الماء المعدني الشهير quot;بني هارونquot; يلقى رواجا كبيرا منذ أن تمّ استغلاله على مستوى ينابيع المنطقة.


ولطالما شكل تحسين ظروف العبور بمنطقة بني هارون موضع اهتمام السلطات المحلية، لتحسين دورها التجاري والسياحي ولكن النتائج العملية لا زالت لحد الآن دون ما هو منشود، ويوضح الأستاذ quot;يوسف مجكقانquot; أنّ إنجاز منطقة للتوسع السياحي ببن هارون بسعة ألف هكتار ظلّ حبيس الأدراج، بشكل حال دون استفادة المنطقة من عمليات تنمية ملموسة، كما يبدي مجكقان أسفا لكون الحمام التقليدي quot;بني هارونquot; المعروف بفوائد مياهه من الناحية العلاجية، يبقى رهين ظروف مزرية بالنسبة للمقبلين عليه في ظل غياب مرافق ملائمة، مع الإشارة إلى أنّ الدوائر المختصة سعت لتجاوز مشكلة الانسداد في حركة المرور بمنطقة بني هارون، من خلال إنجاز طريق جديد حاليا يسمى quot;محول بن هارونquot; بطول 20 كلم تقدمت أشغاله بصورة معتبرة، ليكون محورا جديدا يسمح بتحويل حركة المرور وضمان السيولة بمنطقة بن هارون.


ويبقى أنّ هذه المنطقة التي تحتضن أكبر سدود الجزائر بسعة تقارب 1 مليار متر مكعب كما يوجد بها جسر جميل نصف معلق بطول 600 متر فوق مياه السد، جديرة بالاستثمار، وهو انطباع يشدّد عليه الخبير quot;أنيس بن مختارquot; الذي ينادي بتثمين قدرات سياحية طبيعية خام تستوقف الكثيرين من محبي الطبيعة والخضرة.