ربما يكون مقهى النوفرة على بساطته المكان الذي يثير الخيال بذكريات مفتعلة وأحلام يقظة تعيد صياغة الأشياء عما مر من أحداث في أسواق مدينة دمشق وأزقتها.


رجاء العيسمي: ما بين رصيف وزاوية يجد المرء الهدوء والسكينة وسط شرائح مختلفة من المجتمع الدمشقي إنه مقهى النوفرة المكان الأكثر شعبية الذي يروق لأناس قدموا من أكثر الأماكن صخباً وحضارة وعصرية.

وعلى بعد بضع درجات تقابل الباب الشرقي للجامع الأموي تطل على يمينك مجموعات متنوعة بين أبناء البلد والسياح التي تركن على الطاولات وهم يحتسون الشاي والقهوة والزهورات الشامية والنرجيلة في هذا المقهى أكثر الأماكن شهرة في دمشق.

المقهى الذي يعربش في فضاءاته وعلى أعمدته الياسمين الدمشقي هو مكان معبر عن التراث الشرقي العريق سواء بتفاصيل عناصره المتوزعة داخله أو بالأحاديث التي يتم تداولها بين المجتمعين.


ولكي تصل إلى مقهى النوفرة القابع وسط دمشق القديمة عليك أن تعبر سوق الحميدية عبر الطريق الجنوبي للمسجد الأموي حيث تصطف على جانبيه أشجار التين والتوت ودكاكين لبيع الشرقيات والتحف والفضيات والمخطوطات العربية القديمة والبسط المتدلية من أبواب المحلات لينتهي بك الشارع إلى الشرق عند هذا المقهى.

وأمام المقهى القديم قدم دمشق تطالعك فسحة جميلة مرصوفة بالأحجار البازلتية السوداء تتوسطها نافورة مظللة.

ورغم مساحته الضيقة فإن النوفرة يتمتع بشهرة كبيرة وواسعة وخاصة بين السياح الأجانب الغربيين والشرقيين وأبناء البلد فهو أقدم مقهى في دمشق بعمره الذي تجاوز مئتين وخمسين سنة كما يعد المقهى الوحيد الذي مازال محافظاً على التراث العريق للمقاهي الدمشقية القديمة المتمثل بوجود الحكواتي وما يقدمه من قصص مثيرة وحماسية عن عنترة بن شداد والزير سالم وأبو زيد الهلالي وغيرها من القصص التي تمثل الشجاعة والكرم والوفاء والصدق والمروءة وغيرها من الصفات التي طالما تمتع بها أبناء الشرق.


ويجب أن تكون حاضراً في مغرب كل يوم في صالة المقهى الداخلية لترى جو المتعة والتشويق الذي تثيره قصص الحكواتي أبو شادي بنظارته وكتابه القديمين يعتلي كرسياً تتصدر وسط القاعة المغلقة للمقهى حاملاً بيده سيفاً يلوح به خلال سرده لأحداث القصة والرواية.

كما سيلفت نظرك في هذا المكان الصور المعلقة على جدران المقهى للحكواتية الذين رافقوا مسيرته وأخرى تعود لأكثر من 100 سنة كصور عن دمشق وقلاعها وغيرها من المواقع السياحية الموجودة فيها.

ويقول صاحبا المقهى محمد ديب وصالح أحمد الرباط إنهما ورثا المقهى عن أجدادهم أما شهرته فتعود لمحافظته على التراث القديم فبناء المقهى مازال مصنوعاً من الحجر واللبن مدعماً بالخشب إضافة لقربه من الجامع الأموي ووجوده في منطقة قديمة وغنية بتراثها المعماري ونقطة تتفرع عنها كل حارات دمشق القديمة مشيراً إلى أن أي زائر في سوق الحميدية والجامع الأموي سينتهي به المطاف في هذا المقهى.

ويضيف الرباط الذي توقف عن الكلام أكثر من مرة ليقف ويلقي التحية على كل زبون جديد يدخل المحل إن هذا المقهى لم يتغير فيه أي شيء وخاصة فقرة الحكواتي التي ما زالت تقدم يومياً من المغرب وحتى العشاء قصصاً من التراث الشعبي كقصة الظاهر بيبرس وعنترة وعبلة مشيراً بيده لصور وضعت على جدران المقهى لأهم حكواتي وأقدمهم عبد الحميد الهواري.

ويشير الرباط إلى أن السياح الأجانب يقصدون المقهى منذ وصولهم إلى سورية في كل مرة يأتون إليها كما أنهم يقومون بتوديعنا عند ذهابهم.

وسبق أن عرض هذا المقهى ولسنوات عديدة أعمالاً لأهم الفنانين التشكيليين السوريين والفلسطينيين وغيرهم من الذين أصبحوا أعلاما في مجال الفن التشكيلي.