صلاح سليمان من ميونخ: طغت أجواء الاحتفالات باعياد الميلاد علي الحياة اليومية لآلاف السكان في ميونيخ عاصمة ولاية بافاريا الجنوبية، فوسط المدينة تحول الي ساحة متلألئة من الانوار والالوان والزينات، ساحة الاحتفال تقدر ب 22 الف متر مربع تمتد عبر اهم شوارع وميادين وسط البلد.


يحظى سوق اعياد الميلاد في ميونيخ بسمعة عالمية ومحلية كبيرة يشارك فيه الكثير من اصحاب الحوانيت من مختلف مدن بافاريا اضافة الى اهم مايميزه وهو مشاركة القرويين من جبال الالب ببضاعتهم المتميزة.


يمكن للمرء ان يبدء جولة من امام مبني بلدية ميونيخ، وتحديدا من جوار شجرة عيد الميلاد المنتصبة في ساحة ميدان quot;مارين بلاتزquot;والتي يصل ارتفاعها الي 25مترا.،وهي من نوع من الشجر دائم الخضرة في المانيا يرمز للحياة والحيوية لان خضرته دائمة.


يبدو الزحام علي اشده خاصة ونحن في ساعات المساء الاولي، السير وسط الحشود امر ليس باليسير، الحوانيت الخشبية الجميلة تتراص وتتلاصق، التباين والتداخل كبير فيما بينها، فحوانيت الاكل والشراب تختلط مع حوانيت الهدايا التذكارية والاعمال الحرفية.


زيارة اسواق اعياد الميلاد هي عادة حتمية لاهالي ميونيخ،فهم يقضون فيها بعض الساعات التي يروحون فيها عن انفسهم خاصة بعد يوم عمل طويل، اذ اصبح امرا مألوفا ان يخرج الموظفين في مجموعات بعد انقضاء ساعات العمل متجهين الي احد حوانيت السوق لتناول العشاء وكأسا منquot; الجلوفاينquot; النبيذ الساخن وهو المشروب الذي يميز اسواق اعياد الميلاد ويغرقون في احاديث قد تمتد بهم الي وقت متأخر وسط نشوة وسعادة غامرة.


بعد عدة خطوات من السير وسط السوق تزكم الانف روائح نفاذة من القرنفل وquot;الجلوفاينquot; الساخن واللحوم المشوية تلك الروائح المميزة لاعياد الميلاد..غير ان المرء لايستطيع ان يحول بينه وبين الانشغال بتفحص حوانيت الهدايا رائعة العرض والصنعة، اغلبها من الاعمال الحرفية الدقيقة والكثير من الديكورات التي تستخدم لتزيين شجرة عيد الميلاد، كذلك الحوانيت المهتمة بلعب الاطفال والفنون والصور وكثير من الاشياء الغير تقليدية والتي ترتبط بتاريخ ميونيخ الذي يرجع الي عام 1158، منذ ان كانت قرية صغيرة يسكنها مجموعة من الرهبان والقساوسة الي تحولها الي احد اهم وانجح المدن الاوروبية في العصر الحديث،هذا تحديدا سيأخذنا باتجاه quot;مكسيمليان بلاتزquot; حيث سوق اخر يرجع بنا الي تاريخ ميونيخ الاول والموغل في القدم وكيف كانت تسير احتفالات اعياد الميلاد هنا في الزمن الغابر.. الحوانيت في الميدان كلها علي الطراز القديم ملابس البائعين كذلك، اتقان في العرض وحبكة في الصنعة تجعلك تعيش هذه الاجواء دون اي ملل او تسرع في المشاهدة..


هنا يرى الزائر حوانيت ملابس الفراء القديمة التي تحمي من الصقيع، وادوات الحروب من الاقواس والسهام الي السيوف والخناجر، حلي وملايس النساء القديمة..كل هذا اضافة الي طعام العصور القديمة والذي يقدم الي الزائرين بنفس الطريقة وادوات الطهي التي تحاكي العصور الاولي، حتي ان المشروبات تقدم في اكواب من الفخار بنفس طريقة القدماء، انها متعة كبيرة ان يعايش الانسان هذه الاجواء الاسطورية التي لم يعتادها من قبل.


اقترب من السيد quot; فيلكزكquot; في حانوته وهو مستغرق في نحت اشيائة الدقيقة من حلي النساء وحوله جمهرة من المشاهدين الذين يراقبون دقة ما يقوم به.. يقول لي ابدأ العمل يوميا من الساعة الرابعة مساءا وحني انتهاء ساعات العمل في السوق ويقول انها متعة كبيرة له خاصة وان الزوار لاينقطعون عن الوقوف امام حانوته الذي يشدهم اليه بارتدائه ملابس من العصور الوسطي.


ان تناول رغيف من الخبز والبطاطا المشوية في تلك الافران البدائية القديمة يشعرك بنكهة هذا الزمن الغابر ويمنح الجسم الطاقة اللازمة للاتجاه الي ساحة quot;اوديونز بلاتزquot; حيث سوقا أخرلاعياد الميلاد، تبدو السوق تقليدية هذه المرة فعلي المدخل يقف بابا نويل بملابسة التقليدية الحمراء يعزف الموسيقي ويوزع الهدايا علي الاطفال اما بالداخل فهناك الكثير من الاشياء المحببة للصغار كالحيوانات وعربة بابا نويل الشهيرة والكثير من المجسمات الدينية التي تعجب الاطفال،ا لذلك نجد هنا اكثر المترددين علي السوق من الاطفال بصحبة عائلاتهم.


قبل انتهاء الجولة نهم بسماع شئ من موسيقي اعياد الميلاد التي تصدح من شرفات مبني البلدية مثيرة جوا من الشاعرية والهدوء النفسي قبل ان نعود ادراجنا مودعين بعد الاستمتاع بحصيلة من المشاهدات قلما تتوفر في اي مدينة اخري.