زائر أميركي تساءل: هل يطبخ الناس في بيوتهم؟


عامر الحنتولي من الكويت: رغم أن ملاحظة الظاهرة تغزو شوارع الكويت هو أمرا اعتياديا ويوميا، إلا أنها لم تكن عندي يوما فكرة لتحقيق ميداني أنقل تفاصيله مباشرة الى القارئ الكريم... اللافت بطبيعة الحال أن صديقي الأميركي الزائر للكويت قد استوقفته الظاهرة فورا وسألني مباشرة و أنا أهم معه في الدخول الى أحد المطاعم المزدحمة في العاصمة الكويتية: هل يطبخ الناس هنا في بييوتهم؟! وأضاف موضحا بعربيته المتواضعة حيث أمضى عمره منذ الولادة في أميركا منذ رحل عن فلسطين وهو في بطن أمه: هل يملك الناس هنا أفران للطبخ في بيوتهم لإعداد الطعام؟!... حاولت الشرح له أن المجتمعات الكويتية والعربية المقيمة في الكويت أصبحت مؤمنة أن بيئة العمل المستمر لا تتيح لهم الإنشغال بإعداد الطعام إذ يتناولوه جاهزا اختصارا للوقت، خصوصا وأن كثير من الوظائف تأتي ضمن نظام الفترتين أي أن العودة الى المنازل في الظهيرة مخصصة فقط لتناول الطعام لا لإعداده خصوصا وأن المرأة تكون عاملة أيضا.


وللتركيز أكثر على الظاهرة فإن ثمة فوارق لافتة ومتناقضات فريدة أمكن رصدها فالمطاعم المشار إليها لم تعد فقط مجرد وجبات سريعة بل تعدى الأمر الى شيوع ثقافة quot;الطبخ العربيquot; أو فنون وأشكال الطبخ بشكل عام فهناك مطاعم تختص بالطعام اللبناني، ومطاعم أخرى بالأكل الكويتي وكذلك الإيراني والهندي والباكستاني والفلبيني والمصري والفلسطيني، عدا عن المطاعم الفاخرة التي تختص أكل الجاليات القليلة مثل الصيني والإيطالي والياباني... الغريب أنه طوال اليوم فإن أحدا لا يتوقف عن العمل من تلك المطاعم بسبب ضخامة عدد أفراد الجاليات العربية والأجنبية في الكويت الذين غادروا بلادهم وجاؤوا الى الكويت بحثا عن العمل وتوفير ثروة يعودوا بها الى بلادهم بعد سنوات، إذ لا يكلون عن العمل على مدار اليوم... لذلك هم يعتمدون على وجبات الطبخ الجاهزة من المطاعم المتخصصة التي تلقى رواجا هائلا، كما أن أسعارها المعقولة تغري الزوجات غير العاملات أيضا توفيرا للكلفة ومكونات الطبخ والوقت والجهد.


تقول آمال الأسمر لإيلاف quot; لا أجيد الطبخ قصتي مع وجبات الطبخ الجاهزة لا علاقة لها بالوقت أو عملي فزوجي لا يستسيغ طبخي لذلك أنا ألجأ دائما الى طلب وجهات الطبخ فأنا احتار عادة من العروض العديدة التي تملأ الصفحات الإعلانية في الصحف الكويتية... كما لا أعاني من الذهاب الى موقع المطعم لإستلام الطلبية والمرور في ازدحامات الشوارع الكويتية بل يصلني الطلب الى منزلي في وقت وسعر مقبولين... بعد هذه العروض لم أعاني وأقف في المطبخ طيلة النهار لإعداد وجبة طعام تتكلف الكثير من المال والوقت والجهد وفي النهاية لا أكون متأكدة عما إذا كان طبخي قد لاقى قبول زوجي أم لاquot;.
سوزان فالح أبلغت إيلافquot; أنا أعمل نظام فترتين في أحد الشركات الكويتية أغادر منزلي الثامنة صباحا وأعود في الواحدة والنصف ظهرا كي أتناول طعامي وأرتاح قليلا قبل أن أذهب ثانية في الرابعة والنصف الى العمل ثانية وأستمر فيه حتى الثامنة تقريبا مع العمل الإضافي... هل تتوقع من سيدة بعد هذا العمل المرير أن يؤدي أشغال شاقة مجددا بالذهاب الى المطبخ... أنا لا أعتمد على مطاعم الطبخ فقط في وجبة الغداء بل يصل الأمر الى طلب ساندويشات خفيفة لزوم العشاء... فأنا أصل الى البيت منهكة... لم الغلبة والتفكير في الطبخ... جميع أنواع المأكولات وعلى اختلاف نكهاتها ومكوناتها تصلك ساخنة الى البيت في المكان الذي ترغبه والوقت الذي تحدده... بإمكانك أن تطلب على سبيل المثال أكثر من طلب حسب رغبات الأبناء... حتى تغنيك تلك المطاعم عن أي اعدادات جانبية من مقبلات وسواها لتزيين المائدة وفتح الشهيةquot;.
إم جابر قالت لإيلاف وهي تبحث عن مكان توقف فيه سيارتها أمام أحد مطاعم الطبخ العربية الشهيرة في منطقة السالمية quot; أن هذا المطعم بعد أن أشتهر على نطاق واسع أوقف خدمة التوصيل المنزلي لتركيز عمله على تسليم الطلبات في موقعه... هذا الأمر أصبح يرتب علينا نحن النساء العاملات أعباء اضافية لأن الذهاب الى المطعم والإنتظار أمامه في هذه الإزدحامات المروية يأخذ كثيرا من الوقت وأنا أريد أن أعود الى عملي بعد ثلاث ساعات... بوسعك أن تحذف ساعة أخرى سأقضيها على الطرقات وأمام المطعم... زوجي وأبنائي يحبون أكل هذا المطعم بالذات لذلك لا أستطيع استبداله بمطعم آخر يوصل لي الطلب الى المنزل وفي الوقت الذي أريده... هذه معاناة حقيقية... كل يوم تلك المعاناةquot;.
أحمد كامل قال لإيلاف وهو يحمل أكياسا من الطعام يتجه بها مسرعا نحو سيارته المركونة في مكان بعيد quot; هذه الهم يومي زوجتي عاملة لا تستطيع أن تجد الوقت الكافي للطبخ... أنا أطلب منها تقديرا لظروفها عدم التفكير في مسألة الأكل الذي نجده في أي مطعم... الأسعار معقولة والجودة ممتازة لذلك نحن لا نحمل هم الطعام بل نحمل هم انتقاء المطعم الملائم لرغبات الأسرة... وعليك الإنتظار طويلا على الطرقات والإشارات المرورية في زخمة خروج الموظفين من أعمالهم... حتى المطاعم لاتستطيع تلبية كل الطلبات دفعة واحدة في نفس الوقت... أحيانا يطلب منك عمال المطعم أخذ دور في هذه الشمس الحارقة والإنتظار للحصول على طلبك من الطعام... أحيانا يكون غير مطهو جيدا... أنا أعرف أن العجلة هي السبب لإرضاء الجميع وتسليمهم طلبياتهمquot;.
تعلق خلود العنزي الأخصائية الإجتماعية لإيلاف quot; هناك اعتقاد أن اصرار المرأة على الطبخ في البيت قد أصبح موضة قديمة مقتصرة على النساء الأوائل اللواتي لم يعرفن بحياتهن عالما غير المطبخ وقرقعة الصحون وتنطيفها والسكب فيها... الآن تقتصر رفاهية الأسرة على الذهاب الى المطاعم التي غالبا لا تجد مكانا فيها للجلوس... في كثير من الأحيان يفتح أحد المطاعم في منطقة ما يقدم الكثير من العروض وخدمات التوصيل والمسابقات والهدايا... بعد فترة قليلة غالبا لا تتعدى السنة تجد نفس المطعم وقد افتتح فروعا كثيرة حول الكويت... معنى ذلك أن الجدوى والعائد عنده مرتفعة جدا... هذا يدلك بإختصار على حجم الإعتماد على المطاعم... هناك موضة جديدة وهي الإفطار في المطاعم... تمر بسيارتك صباحا على ساحل الخليج العربي لتدهشك اعلانات العشرات من المطاعم التي تتضن عروضا لوجبات افطارquot;.

وتضيف قائلة quot;هذه ظاهرة خطيرة أجد أنها تشملني في مرات كثيرة أكتشف أحيانا أن أبنائي الصغار لا يريدون أن أعد طعاما في البيت بل يريدون... خطر الوجبات السريعة سيحرق الأخضر واليايس يوما ما وسنندم جميعا لأن بعض المطاعم كما ظهر من خلال تحقيقات صحية تجريها الصحف الكويتية هو عبارة عن مكاره صحية لا نظافة ولا ما يحزنون... العمالة الآسيوية لا تهتم بنظافة الأكل... بعض الجنسيات لا تعرف شيئا عن ديننا الإسلامي من طهارة ونجاسة وأشياء أخرى... نحن أمام مأزق حقيقي الحكومة لا تتدخل لفرض تدابير قاسية على شروط الصحة والنظافة في كثير من المطاعم... ماذا سنفعل أمام جيل غدا لا يعرف الشعور الأسري والعاطفه تجاه تناول وجبة طعام في المنزل أعدتها أمه والجلوس مع أسرته حول مائدة واحدة... هذا شعور بدأنا نعاني منه بقوة لا رابط بين الأسرة... يأتي المساء لتكتشف ربة البيت أن كل إبن من أولادها تناول طعامه في مكان مختلف لا تعرف شيئا عن تلك المطاعم ولا مستوى الجودة أو النظافة فيها... لاحظ الإنتشار المذهل لكثير من الأمراض التي لم نكن نسمع بها إلا نادرا حتى سنوات قليلة... حجم الأمراض مرعب... تلك الأمراض في غالبها تأتي نتيجة السمنه... هل ذلك من فراغ؟.

أخصائية التغذية كارولين الحاج حذرت في حديث لإيلاف بقوة من خطر الوجبات التي تقدمها المطاعم خصوصا الموضة الجديدة التي تتعلق بوجبات الطبخ العربي فهذه المطاعم تطهو تلك الوجبات بقدور كبيرة جدا تستخدم فيها كميات هائلة من الدهون والزيوت والأملاح ومطريات اللحم ومجففاتها الخطيرة جدا التي يجدر عدم استخدامها بكميات قليلة فما بالك مع كميات ضخمة جدا... مع كل وجبة من تلك الوجبات فإنها تحتوي على نسبة مخاطر عالية جدا من السمنة التي تسبب العديد من الأمراض مثل الضغط والسكري والسرطان والقلب... هذه الوجبات وبال على صحة أفراد الأسرة... إذا راجعت العيادات فإنك لا تجد دورا قبل أسبوعين في تلك العيادات التي تشخص كثير من الأمراض بأنها ناجمة عن السمنة... هناك حكومات عدة في دول العالم الثالث تتكتم على المستويات والمعدلات الحقيقية لتفشي مرض السمنة... معدلات البدانة في بلد مثل الكويت مرعبة وتدعو للقلق.