فراس حسن من دمشق: يأتي جامعو القمامة ربما بعد الشحاذين، في أسفل السلم الاجتماعي، فالتصور السائد في المجتمعات عموماً والمجتمعات العربية خصوصاً، أن المهن اليدوية أقل شأنا من غيرها، وتبعاً عليه، يكون أصحابها أقل شأناً من الآخرين، في فهم مغلوط لقيمة الفرد وأهميته في المجتمع، حيث تحدد اعتبارات من نوع الثروة والوجاهة قيمة الشخص وموقعه على سلم التراتبية الاجتماعية، وليس أهمية الخدمة التي يقدمها لمجتمعه ودوره في بناء هذا المجتمع...

سعينا في هذا التحقيق للابتعاد عن المواقف المعروفة والمتوقعة من هذه المهنة، وحاولنا الإضاءة على الجوانب الإيجابية في هذه المهنة، حيث ممرنا مرور الكرام على المواقف السلبية لأنها نمطية لحد بعيد،، ليس لأنها ليست الغالبة وتمثل رأي الأكثرية، بل لأننا نعرفها جيداً ولن نقدم الجديد في حال قدمنا أكثر المواقف شيوعاً من أصحاب هذه المهنة، ولكي نضيء أكثر الجوانب الغائبة في إيجابيات المهنة، بالرغم من عدم غياب منتقديها، مثل عبد الله وهو شاب عشريني عامل بوفيه في أحد المراكز الثقافية في دمشق الذي قال لإيلاف:

quot;طبعاً هم أشخاص سيئون لأنهم اتكاليون، عمال النظافة محترمون بالغالب أو كأي مهنة أخرى فيها الجيد وفيها السيئ، أما جامعوا القمامة فهم بالضرورة سيؤون، لأنهم اتكالييون لا يريدون العمل، وهم quot;ينكشون الزبالةquot;، ويسببون باتساخ الطريق، وهذا ليس عمل، ومناظرهم غير لائقة، وهم لا يقومون بشيء، ووسخون أيضاً، مثلا لا تستطيع الجلوس بجانبهم في وسائل النقل العامة، وهم مزعجون للنظرquot;.

أما عبد وعلاء فمختلفان جداً في نظرتهما تجاه جامعي القمامة، فعلى العكس يجد علاء في هؤلاء quot;أشخاص محترمين، عم يخدموا البلدquot; فهم quot;رواد بيئيون بكل معنى الكلمةquot; عندما يعيدون تدوير المقامة فهم من جهة، يخففون من حجم القمامة التي تذهب للحرق، ومن جهة أخرى يجدون لأنفسهم أعمالاً توفر عليهم مذلة طلب الصدقة، فهم لولا الفقر وصعوبة إيجاد أعمال أخرى quot;ما اشتغلو بهيك شغلة مش ولا بد يعنيquot; وبالنهاية أن يجمعوا القمامة حسب علاء أفضل من أن يعملوا كشحاذين، وعلينا احترام هؤلاء الأشخاص ربما أكثر من غيرهم من أصحاب المهن التي تعتبر محترمة، وبرأيه مسألة الاحترام أو عدمه، نحددها بناءاً على صفات الشخص وليس بناءاً على مهنته، quot;مثلا السياسي يعتبر من النخبة، ومن أهم الوظائف ولكن اغلب رجال السياسة بالنهاية عاطلين، وبلا أخلاق... وصعب نحترمهمquot;، فالمسألة كما يراها علاء لا تتعلق بالمهنة.

واقترح علاء أن يتم استيعاب هؤلاء الناس في شركة وطنية لتدوير المخلفات، فهو كما لاحظ يمتلكون خبرة quot;مدهشة بسرعة فرز الزبالة، يعني عندهم خبرة لازم الدولة تستفيد منها، وتوظفهم بمقالب الزبالة ميشان يفرزوا المواد اللي ممكن تتدورquot;.


وسام، طالب جامعي، يعتقد أن هؤلاء الناس ليس لديهم خيارات أخرى، ولو امتلكوا الخيار غالباً مهنة يقابلها المجتمع باحترام أكثر، ورغم موقف المجتمع السيئ منهم والنظرات المهينة التي يواجهونها بشكل يومي، يقدم جامعي القمامة خدمة كبيرة للمجتمع والدولة، فهم من الناحية الاقتصادية يقبلون الانخراط في هذه المهنة رغم كل متاعبها الاستثنائية، وبالتالي يخففون من الأعباء الاقتصادية التي تعاني منها البلاد نتيجة للبطالة، وأيضاً يخففون من استهلاك الاقتصاد الوطني للعملة الصعبة التي سيحتاجها لاستيراد كميات إضافية من المواد الخام (البلاستيك، الألومينيوم، الحديد، النحاس، الطحين، والأعلاف الخاصة بالحيوانات الداجنةquot; حيث تكون نتيجة عملهم المباشرة هي إعادة تدوير واستخدام هذه المواد في تصنيع أشياء جديدة مفيدة، كما يقي هؤلاء الأشخاص أنفسهم وعائلاتهم من مفاسد الفقر، ويخففون من احتمال الإصابة بالأمراض الاجتماعية الناتجة عن الفقر والبطالة، كالانخراط في الجريمة المنظمة، أو إدمان المخدرات والكحول وغيرها...

نسرين، سيدة منزل، لديها جار في المنزل المجاور، يمتهن جمع القمامة، وهي ترى قياساً على معرفتها بالجار المذكور، أن هذه المهنة ليس فيها ما يعيب، فجارها الموظف حكومي، لا يكفيه راتبه ويرفض أن quot;يمد يده للحرامquot; وهو يقوم بجمع ما يمكن بيعه من القمامة quot;لسد لقمة عيالو، وسد مصاريف مدارسهم وجامعاتهمquot; وترى نسرين أن الرجل بكل المقاييس ناجح فلديه عائلة محترمة، واستطاع أن يربي أطفاله أحسن تربية، ولديه ولدين في الجامعة أحدهم سيتخرج قريباً، وترى نسرين أن quot;المهم أنو يقدر يصرف على ولادو ويأمن طلباتهم، وما مهم شو بيشتغل الشخص، بالآخر اللي مهم هو أنو كافي الناس شرو ولا لأquot;، فبرأيها هذه المسائل التي تحدد قيمة الرجل أكثر، ويجب أخذها بعين الاعتبار أكثر من طبيعة عمله، quot;يعني إذا أنا أمير وأنت أمير مين بدو يرعى الحميرquot; تختم حديثها.
باسل، يجد في المسألة ما هو مهين لحد ما ولكنها تبقى أفضل من السرقة أو طلب الصدقة في الطريقة عندما تضيق الأحوال، فهو مثلاً يرفض نهائياً أن يقوم بمثل هذا العمل وتحت أي ظرف من الظروف، ويعتبر أن الأشخاص الذين يستطيعون ممارسة مثل هذه المهن لهم مواصفات خاصة لا تتوفر فيه هو نفسه، ولكن ذلك لا يعني أنه يحترم خيارهم، وأنه يرى أن دورهم مهم في الحفاظ على البيئة، لولا بعض ممارساتهم الخاطئة والزعجة، عندما يخرجون القمامة من الحاويات لتنتشر في الطريق مثلا.

بينما ترى نوار فيها مهنة كغيرها من المهن ولكنها لن تتزوج شخصاً يعمل في هذه المهنة رغم الإيجابيات التي قد يتمتع بها شخص يمتهن هكذا مهنة، مثل العصامية، وكرامة النفس، حيث يفضل العمل في مهنة غير محترمة اجتماعياً على البطالة والعيش عالة على الآخرين، ومن ناحية إيجابيات مثل هكذا مهنة، تعترف نوار بأنه لا بد وأن فيها إيجابيات وإن لم تستطع أن تحدد هذه الإيجابيات بوضوح.
سماهر، هي الأخرى ترفض الزواج بجامع قمامة، وإن كانت تحترمهم، وليس ليدها أي شيء ضد هؤلاء الناس ولكن quot;بظن إني بستحق أحسن من هيك، يعني جمالي معقول، وجامعية، شو بيمنع إني أتزوج شخص مقبول أكترquot;، سماهر توافق على فكرة أن جامعي القمامي أو المتاجرين بها يلعبون دوراً مهماً في نواح عدة، إن كان من جهة الاعتماد على أنفسهم وحماية أنفسهم وعوائلهم من الفقر والفاقة، أو من الناحية البيئية، فهم في نهاية الأمر يسدون النقص الموجود ويلعبون دوراً كان الأجدى بالحكومة والجميعيات البيئية أن تلعبه، أي تدوير المواد البلاستيكية والزجاج والمعادن التي يتم رميها في القمامة، في هدر للموارد والأموال، ما يؤدي إلى تفويت الفرصة على البلد باستثمار موارد هامة، عدا عن التلوث الذي سيتم تخفيفه في حال تم تدوير القمامة.