صلاح سليمان من ميونيخ: منطقة الألب لتي تشترك في حدودها المانيا والنمسا وسويسرا وايطاليا، هي منطقة سياحية بامتياز.. تنتشر فيها القري الجبلية الجميلة و.تزدهر فيها تربية الابقار،وتصنف علي انها واحدة من اهم المناطق التي تمد القارة الاوروبية بالالبان. سكان الالب من القرويين لهم طابعهم المميز، وينفردون بثقافة جبلية مستمدة من البيئة المحيطة،يعزفون الموسيقي الرائعة، ولهم الاتهم الموسيقية الخاصة، يحاولون الاحتفاظ بملابسهم التقليدية المكونة من السروال الجلدي والصديري والجورب الصوف السميك.

زارت إيلاف احد القرى الالبية الجبلية المميزة في سفوح الالب للزيارة، وذلك بمساعدة السيدة Stadler Gabriele من هيئة السياحة الريفية في سالزبورج في النمسا التي وفرت لي كل المعلومات المطلوبة للرحلة.

وقع الاختيار علي قرية Seeham التي تقع علي سفوح جبال الالب و تبعد عن مدينة سالزبورج في النمسا ما يقرب من 20 كيلومتر.


السفر بالقطارمن ميونيخ الي سالزبورج يستغرق قرابة الساعة والنصف وبالاتوبيس الي Seeham قرابة النصف ساعة، ولايتسرب الملل علي الاطلاق للمسافر بالنظر الي روعة المشاهد الطبيعية والمواصلات المريحة والمواعيد الدقيقة، بل والاكثر من كل ذلك هو اناقة كل ما تقع عليه العين هنا، علي طول الطريق تعلو الجبال وتهبط،وبين الحين والحين نشاهد في رحاب هذه الجبال الشاهقة البحيرات الجميلة، وقطعان الابقار التي ترعي في البرية، وصمت جميل لايقطعة الا شقشقات الطيور التي تغرد، وتحلق متنقلة علي هذا البساط الاخضر الممتد.

تقع قرية Seeham علي ضفاف بحيرة Obertrumer See الجميلة ويربو عدد سكانها علي 1500 نسمة ويمكن مشاهدة قمة جبل Buchberg علي الضفة الاخري من البحيرة الممتدة، وغير قريب من البحيرة بحيرتين اخرتين يشكلون جميعا مع البحيرة الام صورة طبييعة خلابة للمنطقة، ان جمال القرية لايتوقف علي جمال الطبيعة انما ايضا يرجع لدخولها نطاق منطقة ال Bio اي المكان الذي يصنف علي انه صديق البيئة وكل شئ فيه من زراعات وتربية ابقار وفنادق وبيوت القرويين ومنتجات الالبان يتم التعامل معه علي انه 100% عضوي حيوي خالي من الكيمياويات ونقي للغاية.

تصحبني السيدة Schaffenberger للبيت القروي التابع لعائلة السيد Oitner مقر اقامتي علي سفح الجبل، وهو يصنف علي انه Bio اي ان كل مافية نقي وغير ضار بالبيئة ولا صحة الانسان ومؤكد ذلك وموثق من هيئة البيئة النمساوية، يبدو البيت شديد الاناقة، ومشيد علي مساحة كبيرة تتبعة مجموعة من حظائر الحيوانات، وتلفه المروج الخضراء من كل جانب.. تتدلي الزهور الحمراء والبيضاء من شرفات واجهة المنزل كعادة سكان الالب..يسمح للقرويين بتاجير ثلاثة شقق في المنزل الواحد للراغبين من الاسر في زيارة الريف الالبي.. تتكون كل شقة من غرفتين ومطبخ وتدخل نطاق ال4 نجوم كالفنادق، اضافة الي ثمانية غرف للزائرين من غير العائلات.

تبدو حجرتي انيقة ومريحة وتطل من سفح الجبل علي البحيرة، والامر الذي لم اعهده من قبل ان السحاب يتشكل امامي هنا اننا نعيش بالفعل وسط السحاب بالنظر لهذا الارتفاع الشاهق الذي نحن عليه..

عائلة السيدquot; اوتنرquot; تربي الابقار المنتجة للالبان ويقول عن ذلك اننا ننتج الالبان الحيوية النقية لان تغذية الابقار هي طبيعية مئة في المئة لاتدخل اي كيماويات او نباتات معدلة وراثيا في تغذية الابقار، كل شئ هنا نقي جدا ويخضع لرقابة الاجهزة المسؤولة في الدولة..في الصيف ترعي الابقار هنا في البرية اما في الشتاء نعتمد في تغذية الابقار علي ما قمنا بتخزينه من الحشائش الجافة، ونمتلك لذلك مخازن خاصة تساعد في تجفيف الحشائش في فصل الصيف حتي نعود لاستخدامها في فصل الشتاء.

تنتج مزرعة السيد quot; اوتنر quot; 70 الف كيلو جرام من الالبان سنويا، وبعض مزارع القرية تنتج 600 كيلو في اليوم الواحد والامر لايبدو غريبا فالمنطقة من اغني المناطق في انتاج الالبان في القارة الاوروبية، وعندما اسألة عن سعر الكيلو جرام من اللبن المباع للتجار يقول انه 36 سنت وتنتج تللك المنطقة الداخلة في النطاق الحيوي في سالزبورج ما يقرب من 25 مليون لتر من اللبن في العام.

قبل ان نتجول بين بيوت القرويين الجبلية تشرح السيدة Stadler Gabriele اهمية هذه المنطقة لسياحة العائلات وتقول ان 2.596 بيت قروي يقدم اماكن للسياح تصل الي 35 الف سرير وبلغت ليالي المبيت العام الماضي مليون ليلة، مما يشكل عامل اقتصادي هام لسالزبورج،بلغ الدخل من تلك الرحلات 170 الي 190 مليون يورو..وقد وفر ذلك 3500 فرصة عمل في سالزبورج وتضيف السيدة quot;شتادلرquot; ان فرنسا والمانيا تليها اليونان وفبرص من اكثر الوافدين الينا وان هناك سوقا جديدة افتتحت في اوربا الشرقية بالنظر لتزايد الرحلات الوافدة الينا من تشيكيا وبولندا وغيرها.

لم نري هنا زراعة معينة الا بعض الخضروات والزراعات الخاصة التي تستخدم للعائلة فقط لان الاساس هنا هو تربية الابقار، والاهتمام فقط بالعشب الذي يستخدم في التغذية.. القروييون هنا يمتلكون ايضا هكتارات من الغابات الكثيفة المحيطة بالمكان، ولهم الحق في استغلال اخشابها وبيعها او استخدامها بالطريقة التي يرونها اوضح ذلك بجلاء مارأيته هنا من علاقة الخشب بالقرويين..الخشب الطبيعي ذي الجودة العالية يدخل هنا في كل شئ، انهم يستخدمونه في التدفئة وفي صناعة لعب الاطفال والديكورات وبناء البيوت واثاث المنازل، انهم ايضا صناع مهرة يصنعون كل هذه لاشياء بانفسهم فهم يجيدون بناء المنازل وهم نجارون ممتازون اغلبهم يلحق بمنزله ورشة نجارة كاملة تشتمل تقريبا علي كل الاجهزة، لقد استرعي انتباهي هذا الامر ورحت اسأ ل اذا كانوا يمارسون اي هويات يقول السيد Greischberger من سكان القرية انه يعزف الموسيقي ويغني في كونسرت الكنيسة وزوجته ترسم اللوحات وقام هو بتصنيع 40 الف مكعب خشبي ليلعب ويستمتع بها الاطفال في حجرة كبيرة ملحقة ببيته الريفي من اجل استمتاع الاطفال الزائرين للقرية بصحبة عائلاتهم.

في كل المنازل التي قمنا بزيارتها كانت هناك مكتبة صغيرة تتصدر مدخل البيت بها مجموعة من الكتب وكتب الاطفال، وهي تظهر مدي اهتمام القرويين بالقراءة..انهم بالفعل علي دراية واسعة بكل ما يحيط بهم من احداث.. انهم يقرأون في اوقات الفراغ وعندما تتحدث معهم تجدهم علي دراية واسعة بما يدور حولهم من احداث وهم متخصصون الي حد كبير في عملهم ويملكون ثقافة واسعة عنه.. يحدثونك بكل تفصيل عن الاعشاب واهميتها في تغذية الابقار ويستطيعون التمييز بينها ويعرفون انواع غذاء الابقار والعناصر التي تدخل فيه والمفيد منها للابقار، يعرفون مكونات اللبن وطرق حفظه وصناعة الجبن وعلف الحيوانات وكيفية تجفيفه بشكل علمي سليم بل ويستطيعون بالتذوق معرفة انواع الالبان واذا كانت مغشوشة ام لا..

زوجة عمدة القرية السيدة زينزي برعت في معرفة انواع الاعشاب واصبحت زيارتها علي برامج الزائرين للقرية، فهي تدخل الاعشاب البرية في الشراب والطعام وتستطيع تصنيفها والتميز بينها بكل براعة وسهولة وتعرف فوائدها الصحية الجمة ووظيفة كل نوع من الاعشاب تحديدا.. استقبلتنا بترحاب شديد علي باب المنزل الذي يرجع تاريخه الي عام 1889 والذي يفتخربه زوجها وهو يشرح لنا طريقة بناءه القديمة، وان كل 5 سنوات يقوم باعمال الترميم فيه انه اصبح جزء من تاريخ البلدة دخلنا الي غرفة الاستقبال وقدمت لنا السيدة زينزي مشروب التفاح بالاعشاب والزهور التي لايعرف احد غيرها طريقة صناعته، انه بالفعل منعش وله مذاق رائع حدثتني مطولا عن اهمية الاعشاب وفوائدها لصحة الانسان واعقبت ذلك بتقديم وجبة ساخنة من البطاس والجبن المحشو بالاعشاب الطازجة.

لايمكن ان تكتمل زيارة سفوح الجبال الا بزيارة واحدة من تلك الغابات الجميلة هكذا اصطحبني السيد Greischberger لزيارة محمية Teufelsgraben او quot;مقبرة الشياطيينquot; التي تقع علي اطراف القرية وقريبة من سفح الجبل، انها بالفعل تختلف عن اي غابة اخري رأيتها، يد الانسان هنا تدخلت بافكار جديدة لجلب السياحة الي هذه المنطقة الخلابة فنجد انهم قاموا بتصميم مجموعة من السلوك المتينية لتربط ين الاشجار الباثقة علي الانحدارات الجبلية في في الغابة، حتي اصبح يطلق عليها بالفعل اعلي منطقة العاب معلقة في اوروبا كلها وهي مصممة بطرقة ميكانيكية للحركة ولاتدخل الكهرباء علي الاطلاق في اي شئ فيها.ويستطيع الاطفال والكبار التمتع بالعاب الهواء والسير بين الاشجار علي هذه الاسلاك مع الضمان الاكيد لسلامتهم.

الغابة رائعة الجمال وارتبط اسمها quot;مقبرة الشياطين quot; بالاسطورة التي تقول ان الشياطين كانت تعيش هنا لان الناس عندما كانوا يستمعون الي صوت شلالات المياة المتدفقة فيها، كانوا يعتقدون انها اصوات الشياطيين.

تنساب مياه الشلالات المتدفقة في مجري مائي ينحدر من اعلي الي اسفل ويبدو لون المياه بني اللون بالنظر الي نسبة الحديد المرتفعة فيه لانه يجري في منطقة تكوينها الجيولوجي مختلف وتتكون بشكل اساسي من الحجر الرملي.
في الطرف الاخر من الغابة تقع quot;طاحونةquot; العم quot;مولر يوهانquot; والتي تسمي Rouml;hrmoosmuuml;hle، يرجع تاريخ تشيدها الي عام 1800 وفي سنة 1975 اعيد ترميمها وبدأ العمل بها من جديد ويقول يوهان انه يطحن الشعير والغلال المستخدمة في الصناعة الحيوية فقط والطاحونة لازالت تعمل بكل كفاءة وتعتمد اداراتها علي المياة المندفعة من الشلال القريب منها، مولر يوهان هو الجيل الرابع الذي يتوارث الطاحونة ويمكن في حقيقة القول ان نقول ان زيارة لها تاخذك بعيدا الي الزمن القديم زمن الرويات والاساطير وقصص الغابات الموجودة في الادب الاوروبي.

يدفعني الفضول الي ان اعود الي المانيا بطريقة مغايرة غير التي دخلت بها النمسا فقد اعتدت دائما علي عبور الحدود راكبا او في طائرة..لكن طريقة جديدة اتيحت لي للعودة الي ميونيخ استطيع فيها ان اعبر الحدودquot; مترجلاquot; هي ولا شك تجربة جديدة.. قطعنا الطريق الي مدينة اوبرندورف الحدودية بالسيارة، المسافة لاتزيد علي 25 دقيقة، وفي نقطة تشكل فيها الطبيعة احد عجائبها ينحرف نهر salzach بشكل حاد وبزاوية تقريبا 180درجة وهي المنطقة التي تفصل بين الحدود الالمانية والنمساوية وعلي الجسر الفاصل بين المدينتين نعبر الحدود التي لاتستغرق اكثر من ثلاث دقائق وفي منصف الجسر بالتمام نشاهد الشريط الحدودي الملصق علي الجسر كاشارة للفصل بين الحدود النمساوية الالمانية نعبره سيرا علي الاقدام..الي اليسار النمسا والي اليمين المانيا مشهد رائع يجسد الوحدة الاوروبية في اجمل معانيها وعند وداع النمسا سيرا علي الاقدام ننعم بعبور حدودي مريح ووحدة اوروبية حقيقية بلا تفتيش او بطاقة سفر او حتي جواز سفر ولا نقطة تفتيش واحدة.