كولومبوس عراقي في مانشستر!
عـلي ريـاح
لو أن ابن جنوه الرحالة المغامر كريستوفر كولومبوس ارتعدت فرائصه ، وتضاءلت عزيمته ، وهو يبحر متجهاً نحو عالم مجهول ، ولو أن العواصف والأعاصير وخشية تآمر الصحبة قد تمكنت منه وأعادت اتجاه إبحاره نحو بلده الأم ، لما كان في إمكاننا أن نرى اليوم ذلك العالم الجديد الذي أسموه قارة أميركا الشمالية .. كانت إرادته أكثر مضاءً من عوامل الفشل ، وكان صبره أشد من أعتى ريح ، وكان إبحاره نحو (الأمل) سبباً يكفي لأن يصمد مرة ويكابر مرات ويتحامل في مواضع أخرى كي يصل إلى ما انتهى إليه .. علي رياح
وحين تكون إرادة التحدي أقوى من مخاوف الفشل ، يصبح النجاح على مرمى البصر ، لا بل انه يصير في المتناول وطوع البنان .. ولا أدري لماذا أتصور نجمنا الكروي نشأت أكرم وكأنه يبحر عكس التيار في مغامرة عراقية عربية من أجل اكتشاف جديد لمجاهل الكرة الانكليزية .. فالتجربة التي بدا نادي مانشستر سيتي أكثر إصرارا على الذهاب فيها إلى أبعد مدى ، ستكتب تاريخاً آخر مختلفاً للنجومية الكروية العراقية ، فضلاً عن كونها ثمرة واحدة من ثمار ذلك (الفتح) المتألق الذي حققه العراق في نهائيات أمم آسيا ، القارة التي توجته بطلاً لها في مرحلة مفصلية صعبة لا بل أنها أشد مراحل الزمن صعوبة على الشعب العراقي ككل..
وما قد يواجهه نشأت في الأيام والأسابيع الأولى من التجربة ، سيقرر حتماً ما إذا كان قادراً بالفعل على اجتياز الاختبار .. وأنا هنا لا أقصد بالضرورة اجتياز مستلزمات الاختبار البدني أو الصحي أو الفني ، فهو يبدو في جهوزية كاملة ليست موضع تساؤل أو تشكيك ، إنما أعني الدخول السريع في تفصيلات الحياة اليومية في بريطانيا ، وعلينا ألا نستهين بهذه النقلة الحياتية المرتقبة في مسيرة نشأت .. وربما كان هذا هو السر الكامن وراء تسابق بعض أهل الكرة العربية المتواجدين في انكلترا إلى الوقوف إلى جانب نشأت في الأيام التي أمضاها في مانشستر وحرصهم على تسهيل دخوله إلى نسق الحياة هنا ، وكان في مقدمتهم النجم العماني علي الحبسي حارس بولتون ، الذي حاول أن يقترب من نشأت كي يهوِّن عليه شدة الأيام الأولى ، وهذا ما علمناه من نشأت نفسه حين كان نجمنا الكبير يونس محمود يهاتفه للاطمئنان إليه!
أتصور أن نشأت سيمضي في إبحاره الانكليزي إلى نهاية الشوط ، وسيحقق ـ بإذن الله ـ نجاحاً يتناسب مع موهبة كروية كانت استثنائية وهو يلعب مع فريق صلاح الدين قبل نهاية القرن الماضي حين كان نجما لمنتخب الناشئين العراقي وقد إنضم إلى منتخب الشباب وهو لم يكمل السادسة عشرة من عمره بعد .. كما أنها موهبته التي جعلته نقطة ارتكاز للنجاحات التي حققتها الفرق العراقية أو العربية التي لعب لها .. وهي الموهبة ذاتها التي مكنته من إمتطاء صهوة الاحتراف في الدوري الانكليزي ، ليكون بذلك أول لاعب عراقي يبلغ هذه المكانة ، بعد أن عرفنا قصصاً عدة ـ تعوزها الأسانيد والتفاصيل ـ عن لاعبين عراقيين مثلوا فرقاً إنكليزية في خمسينات أو ستينات القرن الماضي ، لكنهم لم يصيبوا نجاحا يخلدهم في دفاتر الزمن !
تجربة نشأت مع المان سيتي لن تقتصر أبعادها على اللاعب وحده ، إنما سيكون التوفيق فيها سبباً في فتح إعتمادات أخرى لاحتراف لاعبين عراقيين أو عرب آخرين ، ونحن على معرفة بتفاصيل عن لاعب عراقي آخر يتمحور حوله إهتمام ناد انكليزي يريد ضمه إلى صفوفه خلال فترة الانتقالات الشتوية الوشيكة .. ومؤكد أن النجاح سيستتبع النجاح ، وسنجد أن أي خطوة سديدة لنشأت أكرم في رحاب (العالم الجديد) سبب في ارتقائه إلى مكانة المكتشف الايطالي كولومبوس ، في حسابات أهل الكرة !
التعليقات