الرقص تحت المطر في شوارع القاهرة
علاء إسماعيل
المشهد يصعب وصفه بعد الفوز الكبير الذي حققه المنتخب المصري على نسور الكاميرون في ثالث أيام بطولة كأس الأمم الإفريقية، في القاهرة تدفقت السيارات والجماهير رغم موجة البرد القارس التي تخيم على المنطقة العربية ورغم الأمطار والطرق الغارقة أنشدوا وتراقصوا وهتفوا بفعل الأهداف الأربعة التي دخلت مرمى الحارس الكاميروني إدريس كاميني.
المشاعر الجارفة لم تقتصر على البسطاء من الجماهير بل شملت رئيس الجمهورية الذي أجرى اتصالين مع البعثة بالهاتف، الأول عقب انتهاء الشوط الأول وكان الفريق متفوقاً بثلاثة أهداف، وطالب اللاعبين بالحفاظ على الفوز، والاتصال الثاني كان للتهنئة عقب المباراة.
إنها كرة القدم التي تجمع الشعوب ولا تفرقهم وتسعدهم وأيضاً تحزنهم، ولم يكن الفوز بهذا التفوق متوقعاً على جميع المستويات، فالفريق الكاميروني مكتمل الصفوف تسبقه ترشيحات الفيفا والخبراء لنيل اللقب، ويحسب للمدرب حسن شحاتة تمسكه بقناعته وإصراره على إشراك هاني سعيد قلب الدفاع القصير رغم اعتراض استوديوهات التحليل الفضائية الكثيرة،
وتشبثه بإشراك لاعب هامبورغ محمد زيدان على حساب أبو تريكة ذي الشعبية الجارفة والمفاجأة أيضاً تمثلت في الأسلوب الهجومي الذي بادر به وأسفر عن هدفين مبكرين كان لهما الأثر في كسر طموح الكاميرون.
المباراة صورة للتنافس ما بين دول شمال وغرب القارة، وجاءت صدمة لمن رشح النسور ولعلها بعد فوز المغرب فرصة لعرب إفريقيا في إثبات التفوق العربي على جيرانهم الأفارقة. الأجواء الباردة والأمطار الثلجية لم تحل دون مشاهدة المصريين على اختلاف طبقاتهم للمباراة في المقاهي الشعبية التي فتحت أبوابها مقابل كوب من الشاي أو laquo;شيشةraquo;،
أو المقاهي الراقية التي توفر خصوصية لروادها مقابل أسعار عالية في مشاهدة laquo;رومانسيةraquo; لمباراة طاحنة غير رومانسية على الإطلاق. وطوال المباراة خلت شوارع القاهرة المزدحمة دوماً من المارة والسيارات، وبدت أجواء بطولة 2006 التي أقيمت في مصر ماثلة للأذهان،
وبسبب التعليق على المباراة باللغة الفرنسية على القناة الأرضية زحف عشاق الكرة إلى المقاهي غير عابئين بالبرودة والأمطار في مشهد شديد التعبير، وخلال الساعات التي سبقت مواجهة الفراعنة مع الأسود تحول الملايين إلى نقاد تباينت تقديراتهم ما بين الحذر التام والتشاؤم الزؤام، وأحتار الكثيرون حول تشكيل منتخب مصر والأسلوب الذي كان مطروحاً من جانب المدرب حسن شحاتة، وهل يتبع 4-4-2 أم 3-5-2؟
وتحول الجميع إلى خبراء وتباروا في إطلاق التحذيرات إذا لعب الفريق بدون مدافع متأخر ليبرو، وتقديم النصائح إلى المدرب بعد المغامرة والمجازفة والصورة كانت تعكس القلق والخوف من هزيمة صادمة وعدم الثقة في المدرب وهذا ما يفسر تصريحاته التي تقطر مرارة وقبل المباراة أيضاً كشف محمود الجوهري أحد رموز الكرة عن عدم تفاؤله،
مؤكداً أن الضغط العصبي على اللاعبين شديد وهو ما يثير القلق واتفق معه في هذا الرأي رود كرول المدرب الهولندي والذي أشار إلى أن الجانب البدني يرجح كفة الكاميرون وانتقد حسام حسن التشكيل وغياب المدافع شادي محمد، كما أصيب فاروق جعفر بالفزع لمشاركة زيدان ولم يكن يتوقع تألقه وتسجيل هدفين وانقلبت الموازين رأساً على عقب،
وتحول الإعلام إلى الإشادة والثناء وتبارى خبراء laquo;صالوناتraquo; التحليل الفضائية في إطلاق عبارات المديح وتجاهل بعضهم دور الجهاز الفني وتوجيه التهنئة للاعبين وحدهم، وتجاهل شحاتة المتوتر دوماً.
ولم يعكر فرحة الشارع المصري سوى الخسارة الثقيلة للمنتخب السوداني الشقيق وان كانت متوقعة بعد خسارته مبارياته الودية الأربع في اسبانيا وتدفع الكرة السودانية ثمناً للانغلاق المحلي واقتصار المنتخب على ناديين فقط هما الهلال والمريخ وهذه قضية مهمة.
وفي حلقة جديدة من حلقات التنافس ما بين الشمال والغرب، يخوض نسور الأطلسي المنتخب المغربي اليوم منازلة أكثر من صعبة مع غينيا الجريح. وتتواصل البطولة وتقدم جرعات من الكرة الممتعة مع مشاهد رائعة للجماهير الإفريقية في المدرجات بأزيائهم الزاهية الملونة الضاحكة.
وغانا مثل الكثير من بلدان القارة الإفريقية، ينقسم أهلها إلى قبائل وعشائر ولعل أشهرها قبيلة الأشانتي التي تقطن غرب غانا وتعيش في مدينة كوماسي، مقر إقامة المنتخبين المصري والسوداني وهذه القبيلة كانت جناحاً لقبيلة laquo;بوليraquo;، وتنقلت بحثاً عن الأرزاق والثروات حتى استقرت في كوماسي، وتنتمي إليها مجموعة من الفنانين في الرسم والحفر والنحت على الخشب وصناعة التعاويذ والأقنعة الإفريقية الشهيرة.
في غانا قوم هاجسهم تأمين الحد الأدنى من ظروف الحياة والتعايش بمحبة بعد سنوات من تعرضهم لاستنزاف الاستعمار البريطاني وجماعات الرقيق. بطولة الأمم الإفريقية تقام في تلك الدول لإجبار حكوماتها على تحديث البنية الأساسية وتشييد الملاعب والفنادق والطرق ولهذا لم تكن مفاجأة انقطاع الكهرباء عن استاد سيكوندي قبل مباراة مالي وبنين،
وهو ما حدث في غانا أيضاً عام 2000 عندما شاركت في تنظيم البطولة مع نيجيريا، وفي بوركينا فاسو عام 1998 عندما كانت الحكومة تقطع الكهرباء عن المدينة من أجل تجميعها في الملعب!، ورغم الشكوى والتذمر فإن الأفارقة يقبلون الأعذار ويعتبرون أي قصور في التنظيم والضيافة من الأمور الواردة والمقبولة، إنهم يحبون قارتهم بكل عيوبها وهذا هو الحب الحقيقي للوط
نقلا عن البيان بتاريخ 24 يناير 2008.
التعليقات