بيروسترويكا عراقية

عـلي ريـاح

خلفت الموقعة العراقية الثالثة على التوالي في كأس الخليج ، جروحًا غائرة في كل نفس عراقية .. وبعد أن أتيح للبدلاء الذين يملكون قدرًا عاليًا من الهمة في تمثيل الوطن فرصة نيل النقطة الوحيدة أمام الكويت ، اتجهنا

عـلي ريـاح
إلى إحصاء الضحايا ، وحصر الأضرار ، ومعاينة الأماكن التي تضررت بفعل الأقدام العراقية المتثاقلة في مسقط ، فاكتشفنا أن ثمن المشاركة الكسيحة كان باهظًا، حتى بدا المشهد برمته معتمًا لا يوحي بأن العراق قبل سنة ونصف من الآن كان الفارس الرهوان الذي يمتطي صهوة الجواد الآسيوي ويعبر به الفيافي والصحاري!

بعد أن وقعت الفؤوس كلها في الرؤوس ، يطالبون بإعادة البناء .. صورة تعيدنا إلى نهاية العقد الثمانيني من القرن الماضي حين ارتفعت أصوات السوفيات من أجل إعادة رسم الخريطة المجتمعية طبقًا لسياسة البيروسترويكا أي إعادة البناء .. كان الاتحاد السوفياتي وقتها يلفظ الأنفاس الأخيرة التي كانت تمسك بزمام ما تبقى من وحدته الهشة ، فبادر غورباتشوف إلى إعادة البناء ، فماذا جنى غير التفكك ، إذ ذهبت ريح تلك القوة العظمى عند أعتاب الغرب!

أخشى أن تحشرنا كارثة خليجي 19 في الزاوية نفسها ، فلا نباشر إصلاح المضمون إنما نشدد ـ كما هو شأننا في كل مرة ـ على إيجاد المسوغات للإبقاء على الأسباب الحقيقية والتذرع بدواع شتى من أجل التخلص من الأعراض الجانبية!

فعلنا ذلك في الدوحة 2004 بعد أن خرجنا بنقطتين من ثلاث مباريات في الدور الأول .. ثم تكرر الأمر نفسه في أبو ظبي 2007 حين حصدنا خيبة كبرى تفوق النقاط الأربع التي حصل عليها لاعبونا... وها نحن الآن نمرّ على أكبر نكسات الكرة العراقية عير تاريخها الدولي الذي يربو عن نصف قرن ، ولا نعثر على أي بارقة أمل في نهاية النفق .. فقد اطحنا بعدنان حمد ثم أكرم سلمان ، وستتم الإطاحة قريبًا جدًا بفييرا ، ولكننا لم نسأل أنفسنا عن سر بقاء اتحاد النكبة جاثمًا فوق صدورنا وقد (أنتج لنا) هذه الكوارث في سيناريو يوحي وكأن الوظيفة الوحيدة التي يضطلع بها الاتحاد هي التشفي بجراح الناس ولا يسعى إلى تطييبها!

يتحدثون اليوم عن إعادة إعمار .. أي إعادة هذه غير اجترار تلك السيناريوهات المقيتة المحفوظة عن ظهر قلب عند جمهورنا ، والتي تمسّ لاعبًا أو لاعبين من خارج مراكز القوى المدللة لدى الاتحاد ، في حين يهنئ هذا الاتحاد بدفق جديد من المعنويات والدعم والمؤازرة بدلاً من أن تتم الإطاحة به بالطريقة ذاتها التي حطم بها أحلامنا!

مكتوب على العراق أن يجد صخبًا عاليًا طويلاً، ولا يجد حلولاً عملية لمشاكله... ذلك لأن البلد يتقلب على جمر التوازنات السياسية العجيبة التي تطفئ ـ بمحصلتها ـ كل محاولات الإبدال والتغيير ، ولو في الرياضة ..

وهكذا ، تتوالى الانكسارات ، ويرتفع عدد الضحايا ، في حين تنعم (الأسباب) بحصانة تفرضها التوازنات .. وفي ضجيج كهذا ، لا تصبح (البيروسترويكا) إلا فاصلاً دعائيًا سرعان ما سينقضي ، وسرعان ما سنعود بعده إلى حلقة أخرى من تفكيك مفاصل الكرة العراقية وبعثرة طموحاتها ..

وإذا كان حديث عنإمكانية أن نخسر أمام عمان أو البحرين ، أشبه بالطرفة السمجة قبل عشرين سنة ، فان إعادة البناء والتي تقبل لحى التوازانات السياسية في البلد ستجعلنا نواجه مصير الإخفاق أمام جيبوتي أو جزر القمر ذات يوم من دون أن يرف لأحد منا جفن أو ضمير!