في كل مرة يتعرض فيها الهلال لعقوبة أو موقف من اتحاد الكرة تقفز إلى مخيلتي حكاية (أم الصبي) التي نقلتها لنا كتب التراث عن تلك الأم التي أبدت استعدادها للتضحية بصبيها بعد أن تنازعت عليه عند قاضٍ مع امرأة أخرى أدعت أمومته، فما كان من القاضي إلا أن أمر بقطع الصبي إلى نصفين، لتصرخ واحدة منهما معلنة تنازلها عنه للأخرى إنقاذا له من الموت، لتتكشف الحقيقة للقاضي، الذي عرف حينها الأم الصادقة من الكاذبة، لتذهب القصة مثلا عرف في الأوساط الثقافية بسياسة (أم الصبي).

وللهلاليين مع سياسة (أم الصبي) تجارب كثيرة يطول سردها فهي تمتد من سنوات بعيدة وحتى وقت قريب، ومن يهز ذاكرته هزة سريعة، حتماً ستتساقط منها العديد من القرارات التي دفع ثمنها الهلال من تاريخه وسمعته، دون أن يلجأ للتصعيد، أو حتى الاعتراض في بعض الأحيان، بل إنه كان يقبل بتلك القرارات رغم ثمنها الباهظ، إذ يرى في قبولها تضحية تستحق أن يدفع فاتورتها، إما ثمناً لكبريائه أو إيمانا بنموذجيته التي تفرض عليه التضحية بالثمين لمصلحة ما هو أثمن منه.

وليس أدل على ذلك تنازله عن مدربه السابق باكيتا في ديسمبر 2005 لمصلحة المنتخب الوطني؛ رغم أن باكيتا كان في ذلك الموسم قد حقق للفريق بطولات الموسم الثلاث، وهو الذي جاء للفريق بعد موسم سيء عاشه في 2003 فكان ضالته المنشودة؛ لكن رئيسه في ذلك الوقت الأمير محمد بن فيصل لم يتأخر لحظة في تلبية رغبة اتحاد الكرة بالتنازل عن المدرب البرازيلي لمصلحة المنتخب رغم الضرر الذي لحق بفريقه جراء ذلك.

ولم يكن باكيتا المدرب الأول الذي يضحي به الهلال لمصلحة المنتخب فقد سبق وأن فعل الأمر نفسه مع مدرب الارجواياني عمر ابو راس وكذلك البرازيلي كاندينيو ما بين نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات الميلادية.

وليست حكاية الهلال مع المدربين وحدها التي تؤكد إيمانه بسياسة (أم الصبي)، فقد فعل ذلك في مواطن مغايرة كتقديمه عشرة من لاعبيه لمعسكر للمنتخب الوطني في العام 2006 في وقت كان يشارك في استحقاق خارجي بحجم دوري أبطال آسيا، ليدفع ضريبة ذلك بخروجه من الدور التمهيدي، وفي عز فورة جماهيره الغاضبة يخرج مسؤولو الهلال ليؤكدوا بصوت واحد أن ناديهم مهم ولكن الوطن أهم.

اليوم في حلوق الهلاليين غصة بعد إيقاف لجنة الانضباط للاعبهم الروماني رادوي؛ وهو ما تجلى في التصريحات الأخيرة للأمير عبدالرحمن بن مساعد، ليس لأن رادوي لا يستحق الإيقاف، بل لأن لجان الاتحاد أصبحت تفرد عضلاتها على الهلال، في وقت تصاب تلك العضلات المفتولة بالضمور أمام آخرين يمثلون في واقع الأمر (أم الصبي) الكاذبة، وأخوف ما نخاف عليه أن يصل الحال بالهلاليين بالتضحية بالصبي حفاظا على الأم، وهو ما ليس في صالح الكرة السعودية أبداً.. فهل ثمة من يعي خطورة ذلك؟!.

جريدة الرياض السعودية