قبل قرن من الزمان عندما تم تأسيس نادي فيليز سارسفيلد الأرجنتيني كان لاعبوه يرتدون قمصاناً بيض، وكانت هي الأرخص التي تمكن من العثور عليها. وبعد ذلك لعب الفريق وهو يرتدي قمصاناً بخطوط حمراء وخضراء وبيضاء تيمناً للأصول الايطالية التي أسست النادي. وأخيراً استقر على الشريط الحالي الذي هو أزرق اللون على شكل (V) على خلفية بيضاء تشبه شيئاً من قمصان أندية دوري الرغبي. وهذا ليس من قبيل الصدفة. والقصة تعود إلى حصوله على صفقة جيدة لشراء هذه القمصان، إذ لم يحضر أحد أندية الرغبي لاقتنائها بعدما كان قد أقدم على شرائها.
وحكاية فيليز والتغيير في قمصانه، بالإضافة إلى صراعه بين فخر المهاجرين وبين ادخار الطبقة العاملة تقول لنا الكثير عن السنوات الأولى للرياضة في الأرجنتين. إذ كانت كرة القدم تعتبر لعبة المدن الكبرى. وواحدة من الأسباب التي تطورت بسرعة كبيرة في هذا الجزء من العالم هو تزامنها مع مدخل التحضر السريع.
ففي عام 1880 كان عدد سكان بوينس آيرس يزيد قليلاً عن 300 ألف نسمة. وبعد ثلاثين عاماً، وهي الفترة التي ولد فيها فيليز، أصبح العدد حوالي 1.3 مليون نسمة. وكانت نسبة كبيرة من هذه المليون نسمة من المهاجرين الذين تدفقوا من الشرق الأوسط وأوروبا، خصوصاً من ايطاليا. وبوينس آيرس هي المدينة التي تتحدث الاسبانية مع النغمة الايطالية القوية. وحتى اليوم فهي ساحة معركة في الانتخابات الايطالية، على رغم أن الايطاليين استقروا أيضاً في أماكن أخرى من القارة: في مونتيفيديو في أوروغواي وأجزاء من البرازيل، خصوصاً ساو باولو.
وعندما فازت ايطاليا بكأس العالم لكرة القدم في عام 1934 فقد استغلت استفادتها الكاملة من الاتصال بأميركا الجنوبية، فقد كان في تشكيلتها ثلاثة أرجنتينيين متحدرين من أصول ايطالية: لويس مونتي اللاعب الصلب في خط الوسط الذي لعب مع منتخب الأرجنتين في كأس العالم لعام 1930، وquot;اختطافquot; ريموندو أورسي بعدما لعب مع الأرجنتين في دورة الألعاب الأولمبية عام 1928، وكان الهداف الأول لمنتخب ايطاليا في مونديال 1934، فيما انتزع مواطنه أنريكو غيواتا هدف المباراة الوحيد في الدور نصف النهائي.
وكان في التشكيلة الايطالية أيضاً لاعب برازيلي وهو انغيلوجينو غواريسي الذي كان معروفاً باسم quot;فيلوquot;. وبعد أربع سنوات دافعت ايطاليا عن لقبها بنجاح ولكن هذه المرة مع ميشيل أندرولو من الأوروغواي في خط الوسط.
وبعد ذلك، كان هناك وقتاً طويلاً قبل أن يعلو صوت ايطاليا في نهائيات كأس العالم، على رغم أنها استمرت في جذب لاعبين ذو جودة عالية من أميركا الجنوبية. ففي عام 1962، على سبيل المثال، كان رأس حربة المنتخب الأزوري البرازيلي ألتافيني الذي سبق له أن شارك مع منتخب البرازيل الذي فاز بكأس العالم في عام 1958. وخلفه كان ماسشيو وأنريكه سيفوري العظيم الذي اقتلعه من الفريق الأرجنتين الذي فاز بكأس quot;كوبا أميركاquot; لعام 1957. ومع كل هذا، فقد فشل المنتخب الايطالي.
وناقش ساندرو ماتسولا، اسطورة انتر ميلان وواحد من عظماء ايطاليا في ستينات وسبعينات القرن الماضي، بقوة أن جزءاً من مشكلة فشل المنتخب الايطالي هو وجود هؤلاء اللاعبين الأجانب. وعملية اختيارهم للمنتخب في ثلاثينات من القرن نفسه كانت قد نجحت لأن عملية الهجرة كانت حديثة جداً، ولكن بعد ذلك بعقود عدة فقد أصبح الوضع مختلفاً. فلم يعد اعتبار الأميركيين الجنوبيين على أنهم ايطاليون حقيقيون. وربما أي مكاسب في النوعية كان يقابلها فقدان أكثر في تماسك الفريق.
وبطبيعة الحال، فإن الهجرة تعتبر عملية دينامية. فقد كان يتم الاحتفال بلقاء دربي بوينس آيرس بين ريفر بلايت وبوكا جونيورز. فالناديان العملاقان يشتركان في أصول مماثلة. فقد نما من الطبقة العاملة في حي بوكا، حيث ملايين المهاجرين كانوا يصلون إلى أرصفتها. ومع مرور الوقت انتقل ريفر بلايت إلى الضواحي المشجرة الراقية وبقي بوكا جونيورز في وضعه متحدياً. وبعد ذلك عاش بلايت خارج حلم المهاجرين وبدأ يتحرك صعوداً في العالم، بينما وجد جونيورز العزاء من عرق الطبقة العاملة وتضامنها، الذي هو الآخر تم تأسيسه من قبل الايطاليين. ولكن في هذه الأيام ليس هناك الكثير منهم يعيشون في مساكن متداعية في المنطقة. وجاءت موجات الهجرة الأخيرة أكثر من بوليفيا وباراغواي، إذ أن أنصار بلايت أسهبوا في التعبير عن حبهم لهم وبدأوا يسخرون من منافسهم القديمين.
وعلى رغم أنهما من أشد البلدان فقراً في القارة، إلا أن البوليفيين وباراغوايين تابعوا المسار التقليدي للهجرة، متحركين بحثاً عن فرص العمل. وعلى صعيد كرة القدم، فإن هذه الحركة لم تأت بنتائج مهمة بالنسبة إلى المنتخب البوليفي، ولكن الشيء نفسه لا يمكن أن يقال عن باراغواي. فلاعبا خط الوسط جوناثان سانتانا ونيستور أوريتغوزا مثالين على اللاعبين المولودين في الأرجنتين لأحد الوالدين من باراغواي. فقد يكون رنين اسميهما أرجنتينياً ولكنهما لا يتحدثان غواراني (اللغة الأصلية التي تتحدث بفخر في باراغواي إلى جانب الاسبانية). ويكاد يكون من المؤكد أنهما نشأ مع حلم اللعب لمنتخب الأرجنتين، ولكنهما يمثلان باراغواي الآن. وهما يناضلان من أجل تقبل ذلك. إذ أكد مدرب باراغوي الأرجنتين جيرارد مارتينو، في حديثه مع مراسل هيئة الإذاعة البريطانية الأسبوع الماضي، أن التعامل مع هذا الموضوع quot;ليس سهلاً. أرى أنه من الصعوبة قبول أقل من منطق القومية، خصوصاً في ذوق كرة القدم. ولكن الحديث يتركز حول ما إذا كان اللاعب جيداً بما فيه الكفايةquot;.
وأثبتت أحداث الأسبوع الماضي أن مارتينو كان على حق. فقد أصبح أخر لاعب أرجنتيني المولد مؤهلاً للعب مع منتخب بلد مولد والدته، بعدما حصل لوكاس باريوس على جنسية باراغواي.
والمهاجم صعب المراس باريوس فعال للغاية. فبعدما حطم الرقم القياسي لتسجيل الأهداف في الدوري التشيلي مع ناديه كولو كولو، فإنه يلعب الآن بشكل مميز جداً في الدوري الألماني مع بوروسيا دورتموند. وحتى وقت قريب كان باريوس يقوم بحملة لإستدعائه إلى منتخب الأرجنتين. ومع ذلك، فإن وجهة النظر في باراغواي تبدو أنها تميل لصالحه في اختياره لتشكيلة منتخبه. فنسبة تسجيله للأهداف ستسهل له الأمور كي يكون مقبولاً فيه.
ربما، مثل لاعبو أميركا الجنوبية من الأصول الايطالية في ثلاثينات القرن الماضي، فإن البلاد القديمة ستحتضن لوكاس باريوس طالما أنه يمكن أن يساعد في تحقيق النجاح.
التعليقات