تمسك برباط الخيل بيدها تروضها، ثم تنطلق في مضمار التدريب، وتتنقل بين الحواجز تسير ببطء متناهٍ، ثم تقفز فوق الحاجز لتشكل لوحة فنية جميلة، في مشهد أعاد تشكيل ذاته في قطاع غزة، بعد أن تنفس المواطنون الصعداء من ألغام الحرب ومفرداتها العنيفة،حيث بات لفتيات غزة متسع لممارسة هواياتهن، حتى وان كانت غير عادية في مجتمع عادي ومحافظ يعيش ظروفا استثنائية .

quot; اشعر أني خارج نطاق الدوائر المرسومة في غزة ... احلق في فضاء آخر لأبعد قليلا عن زحمة الحياة في مدينتي المكتظة.... quot; تقول ريم ابو شباب في الثلاثينات من عمرها من دير البلح وسط قطاع غزة وتعمل مهندسة زراعية عن دافعها لتعلم الفروسية .

تدخن ريم quot;النرجيلةquot; ضاربة بعرض الحائط القوانين التي فرضتها حكومة حماس على نساء غزة، مؤكدة أن هذه حرية شخصية لا دخل لحكومات أو أفراد فيها.

تنفث دخان النرجيلة وتضيف :quot; علمت بوجود نادٍ للفروسية وركوب الخيل متأخرا وتمنيت لو اشتركت من قبلquot;، وتشير ابو شباب القادمة من العراق في التسعينات إلى أن هواية الفتيات محاصرة، ليس بسبب ثقافة المجتمع الذي بدأ يبدي صمتا أو تفهما أحيانا كثيرة جراء ذلك ، ولكن لعدم وجود أندية ومراكز خاصة بتدريب وصقل تلك الهوايات، مشيرة إلى أنها كانت لاعبة كرة سلة في منتخب نادي الطلبة العراقي . وعندما عادت إلى غزة حاولت وأخريات تشكيل فريق كرة سلة ولكن محاولاتهن باءت بالفشل .

أما ميرفت الغلاييني التي تعمل في مؤسسات quot; quot; NGOS في غزة فتبدو سعيدة لتوفر أماكن متعددة ومتنوعة للترفيه في غزة وقالت:quot; علمت بوجود النادي قبل شهرين ولم أتوان عن التسجيل فيه، خاصة أنني من هواة هذه الرياضة ، وأضافت :quot; بالسابق كان السفر وسيلتنا الوحيدة للترفيه أما اليوم هناك خيارات كثيرة أمامنا مع وجود أماكن للترفيه متعددة، وهي لم تكن من قبلquot; .

تنشغل ميرفت برفع خصلات شعرها التي طارت مع النسمات المتسربة من البحر المقابل للنادي وتواصل :quot; لم أكن أدرك أن لركوب الخيل قوانين وقواعد وقد كنت اركب الخيل لمجرد التسلية والمتعةquot; .
وتضيف أنها لم تعان من أي قيود في غزة وهي من عائلة منفتحة تشجعها على ذلك ولم تضع قيودا على حريتها وممارسة هوايتها quot; وقالت :quot; دائما اركب الخيل على البحر وفي الشارع لم يلتفت لي احد ولا أخشى على نفسي من قيود تفرضها حكومة غزة التي تديرها حماسquot;.

ريم وميرفت أصبحتا صديقتين ومتنافستين في نادي الفيصل وهو الوحيد الذي يعتني بالفروسية ورياضة ركوب الخيل في قطاع غزة بعد إغلاق نادي الفاروق على أثر أحداث حزيران ، وتؤكدان معا أنها منافسة شريفة .وتريان أن الحصار والحرب على غزة أحبطا نفسيات كثير من الناس، وخاصة المرأة التي ألقيت عليها أعباء كثيرة وبحاجة إلى خلق نمط معيشي جديد قائم على الترفيه وممارسة الهوايات المختلفة مستفيدة من أماكن الترفيه الجديدة.

وكان ركوب الخيل يمثل حلما بعيد المنال للفتاة فدوى حسنين 15 عاما، إلا أن لدى سماعها عن النادي واستقبال الفتيات أقبلت للانضمام إليه وتقول :quot; سعيدة جدا بتعلم هذه الرياضة فهي علمتني الثقة بالنفس وكسرت حاجز الخوف عندي .

وتتحدث عن بداية تعلمها:quot; كنت خائفة جدا، ولكني صممت على كسر الحواجز النفسية والتغلب على ضعفي فتعلمت كل الأصول لتلك الهواية ووصلت إلى مرحلة القفز وهي أعلى المراتب المتوفرة على الأقل للنادي لمثل سنها.

وبين 30 متسابقا ومتسابقة فازت حسنين بالمركز الأول لبطولة البراعم الأولى التي نظمها النادي، إلا أن طموحها لا يتوقف عند هذا القدر بل إنها تجدّ وتجتهد للمشاركة في بطولة الناشئين المقبلة.
وتقول حسنين إن الخيل علمتها التحكم والسيطرة والقوة وأشعرتها بالأصالة والإقدام والمواجهة موصية كل فتاة فلسطينية بتعلمها.

أما هبه ابو سيدوquot; 17 عاماquot; فبدت مبتسمة وهي ترتدي خوذتها ولباس الخيل تستعد إلى ركوب خيلها بخفة الفارس المحترف تقول : انضممت للنادي منذ افتتاحه قبل 4 سنوات ، كان عدد الفتيات الملتحقات بالنادي محدودًا جدا ، عازية ذلك إلى ثقافة المجتمع وعاداته والذي يراها هواية ذكورية بالدرجة الأولى . وتقول مرجعة ذاكرتها إلى البدايات:quot; كنت اجلس بالقاعة أتلقى دروس الفروسية وحدي لأنه لم يكن غيري بين الفتيان كنت اشعر بغربة وخجل شديد، ولكن تلتفت إلى منافساتها الجديدات وتقول:quot; أنا مبسوطة بوجودهن نحن نشد بعضنا البعضquot;.

وعن تأثير هذه الهواية في شخصيتها تؤكد أنها أثرت فيها بشكل ايجابي فزادت من قوة جسمها وثقتها بنفسها وقالت:quot; متى أحسست بضيق فاني آتي إلى هنا مباشرةquot;.

وتتمنى ابو سيدو أن تصل إلى مراحل متقدمة كالقفز إلى أعلى مرحلة مشيرة إلى أنها فازت في بطولة المتقدمين التي نظمها مؤخرا النادي وتطمح للمشاركة في مسابقات خارجية .

وبينت ابو شباب أن المرأة الفلسطينية قادرة على خوض كافة المجالات إذا ما سنحت لها الفرصة وتسلحت بالعزيمة والإصرار quot; مؤكدة أهمية هذه الرياضة في تحريك عضلات جسم الإنسان والحصول على لياقة بدنية وأشارت إلى أن ركوب الخيل لدى النساء معروف في تاريخنا العربي وهو جزء من تراث وأصالة وقالت quot;من ينظر له نظرة غير صحيحة أعتبره متخلفاquot;.

ورغم معارضة والدها الشديدة إزاء تعلم الفروسية وركوب الخيل استطاعت هيفاء ال رضوان 12 عاما quot; بإقناعه بذلك وأصبحت قبل شهرين عضوا في النادي هي وثلاثة من إخوتها الصغار وتقول:quot; أصبحت أكثر جرأة تخلصت من عقدة الخوف ولي صديقات منافسات أتعلم منهن quot;.

وتأتي كل يومين مرة إلى النادي بصحبة والدتها ميساء العبادلة التي تراقبهم بهدوء وملامح ساكنة عن مسافة بنظرة سعادة وتقول :quot; كأنني أرى نفسي في أولادي ركبت الخيل مرة واحدة فقط أنا أحبها كثيرا لما لها من أصالة وهي من أرقى الرياضات المعروفة في العالم العربي، وتضيف:quot; أطفالي لا يحبون إلا أن يأتوا إلى هنا يمارسون هوايتهم المحببة بصحبتي ،لقد تغيرت نفسيتهم ، أنا اشعر بمتعة كبيرة حين أراهم على ظهور الخيل يسيرون ويقفزون كأنهم أنا quot;.

وتؤكد هؤلاء الفتيات طموحهن في إتقان الفروسية وركوب الخيل وخوض مسابقات محلية وتمثيل فلسطين في مسابقات دولية غير أن طموحهن هذا مرتبط بالاستقرار السياسي وبانفتاح مجتمعي يبقى منوطا بقدرة المرأة على محاربة محاولات تقييدها وتضييق الحريات المتاحة لها وكذلك بسلطة أخرى ما تفكر فيه إفساح المجال للحريات .

وهو ما يؤكده نضال زيدة أحد المدربين في النادي قائلا :quot; إن هواية الفتيات في هذا الوقت فيها مجازفة وهي مرتبطة باستمرار الاستقرار الأمني رغم الهدوء النسبي الموقت وان الخوف يزداد من قبل الأهل على الفتيات في ظل تعقيدات مجتمع غزةquot;.

ويضيف نضال الذي يعمل منذ 11 عاما في تدريب على الفروسية وركوب الخيل :quot; في عهد السلطة كان الإقبال اكثر على هذه الرياضة، ثم بعد إغلاق اثنين من الأندية بعد أحداث حزيران واستخدام الخيول في أعمال أخرى ، ارتأينا إلى افتتاح نادي الفيصل ووجدنا صعوبة في توفير الخيول quot; 35 خيلاquot; معظمها تم جلبها عبر الأنفاق وهي من الأنواع المصرية الخام، حيث لم تكن مدربة على القفز وأعمال الفروسية فقضينا وقتا طويلا في تدريبها على ذلك.

ويشير زيدة إلى أن هناك 40 فتاة منتمية للنادي وبصورة موقتة ومعظمهن من فئة البراعم quot; 10 سنوات -17quot; في حين وصل عدد الشباب من الذكور 100 عضو.

نادي فيصل للخيل في غزة