بعد غياب دام 12 سنة تعود الكرة الاسبانية مجددا لتعيش أجواء الألعاب الاولمبية الصيفية في دورة لندن التي ستنطلق نهاية الشهر الجاري و تستمر حتى الـ11 من أغسطس ، و تأتي مشاركة لاروخا الاولمبي بعد تتويجه بطلا لأمم أوروبا لأقل من 21 سنة العام الماضي كممثل عن القارة العجوز رفقة منتخبات سويسرا و بلاروسيا و بريطانيا.

وتعتبر دورة لندن 2012 هي الدورة الاولمبية العاشرة التي يشارك فيها الإسبان ، حصدوا خلالها ذهبية برشلونة عام 1992 عندما فازا على بولندا و فضيتين الأولى في دورة انتوارب البلجيكيةسنة 1920 عندما خسروا النهائي منهولندا و الثانية في سيدني الاسترالية عام 2000 عندما خسروا المباراة النهائية أمام الكاميرون.

وتشارك الكرة الاسبانية في اولمبياد لندن و هي منتشية بالانتصارات و الانجازات التي حققها على صعيد المنتخب الأول الفائز ببطولة أمم أوروبا قبيل أسابيع للمرة الثانية على التوالي ، و المتوج بكاس العالم قبل عامين ، فضلا عن بطولة أمم أوروبا للشباب ، لذلك تراهن على الفوز بذهبية لندن لاستكمال تربعها على عرش الكرة في العالم ، لتنفرد بانجاز تاريخي لم يسبق لأي بلد آخر أن حققه بما فيهم البرازيل و الأرجنتين و المانيا و ايطاليا ، و يعد لاروخا إلى جانب منتخب البرازيل و البلد المنظم احد المرشحين الأقوياء لخلافة المنتخب الأرجنتيني.

ولم يكن ترشيح المنتخب الاسباني ليكون البطل في عاصمة الضباب من فراغ بل فرضته جملة من المعطيات الفنية الموضوعية تجعله المرشح الأول إذا عرف كيف يستغلها لصالحه و إذا غابت المفاجآت.

فالكرة الاسبانية و منذ تتويجها بأمم أوروبا عام 2008 تمر تتواجد في أوج عطائها ، و الدوري المحلي القوي الذي تتمتع به لم يعد عقيما مثلما كان في السابق بل أصبح يمد مختلف منتخباتها بترسانة من اللاعبين المميزين في جميع المراكز يلعبون في أقوى أنديتها برشلونة و ريال مدريد و اتلتيكو و فالانسيا و بيلباو و غيرها ، مما يتيح هامشا كبيرا للناخب الوطني لاختيار أفضل تشكيلة ممكنة ، في وقت تعاني بقية المنتخبات من عراقيل عديدة .

كما أن المنتخب الحالي الذي سيمثل الكرة الاسبانية في الاولمبياد على أتم الجاهزية و لن يحتاج من مدربه لويس ميلا ndash; نجم وسط ريال مدريد و فالانسيا في التسعينات ndash; الكثير من العمل البدني و الفني بل يحتاج فقط لبعض الرتوشات الذهنية لتحفيز اللاعبين على المضي قدما نحو العرش الاولمبي ، ذلك أن اللائحة الرسمية التي أعلنها المدرب ميلا تضم المع نجوم اسبانيا اليافعين ، والعديد منهم يلعبون للمنتخب الأول أو مرشحون لخلافة الجيل الذهبي الحالي للمنتخب الأول بداية من مونديال البرازيل 2014 أو على الأقل بعض الأسماء التي تقدمت أعمارها على غرار الحارس ايكر كاسياس وكارليس بويول و تشافي هيرنانديز.

و الواقع أن جل لاعبي المنتخب الاسباني للشباب الذين استدعاهم ميلا للدفاع عن الألوان الاسبانية في بلاد الانكليز ينتمون لمنتخب الشباب بالاسم فقط ، فهم يلعبون كأساسيين في أقوى الأندية في اسبانيا أو خارجها فهناك دافيد دي خيا الذي يحرس عرين مانشستر يونايتد الانجليزي وهناك المدافع خوان مانتويا و المهاجم الكانتارا اللذان يلعبان لبرشلونة ، وخافيير مارتينيز مدافع اتلتيكو بيلباو ، وأدريان لوبيز من اتلتيكو مدريد بطل اورو ليغ ، و لان التعداد ثري بالعناصر اللامعة من أصحاب المهارات التقنية العالية فان مدرب الأسبان ميلا استعان بلاعبين فقط تجاوزا سنهما الـ23 سنة هما خوان ماتا مدافع تشيلسي المتوج معه بدوري أبطال أوروبا و خافيير مارتينيز ، و هذا الثنائي توج مع لاروخا بكاس العالم في جنوب إفريقيا و بأمم أوروبا الأخيرة حيث كان معهم أيضا جوردي البا المنضم حديثا لنادي برشلونة.

ويمنح هذا الثراء للمدرب خيارات تكتيكية كثيرة لم تتح حتى للمدرب ديل بوسكي مع المنتخب الأول عندما لعب بدون مهاجم في الاورو الأخير، و لا تختلف طريقة لعب المنتخب الاولمبي عن نظيره الأول فكلاهما ينتيمان لمدرسة واحدة تعتمد السهل الممتنع مع وجود عناصر قادرة على فك شفرة أي دفاع مهما علا شانه.

ووضعت القرعة منتخب اسبانيا في الفوج الرابع إلى جانب منتخبات اليابان و المغرب و هندوراس ، و هي مجموعة تبدو نظريا في متناول الأسبان من اجل احتلال صدارتها و مواصلة المشوار نحو منصة التتويج بثبات ، من خلال الانتقال من الصعب إلى الأصعب بالتزامن مع ارتفاع إيقاع و أداء زملاء خوان ماتا ، و ذلك اعتبارا للفوارق الفنية الواسعة بين اسبانيا و بقية منافسيها الذين سيتنافسون على البطاقة الثانية ، لكن الصعوبة ستظهر بداية من الدور الثاني حيث احتمال مواجهة احد الفرق المرشحة وارد جدا خاصة في حال حدثت مفاجآت في بقية الأفواج بما فيها فوج البرازيل.

ويدرك المدرب ميلا جيدا بان أنظار الأسبان و العالم ستكون مصوبة نحو منتخب بلاده و الجميع ينتظر منه التتويج بالذهب للمرة الثانية و أي نتيجة أخرى لا يمكن تجرعها لأنها تعني بالنسبة للأسبان تراجعا إلى الوراء في وقت اعتادوا فيه على القمة ، كما نيل الذهب الاولمبي سيكون انجازا مهما لميلا لإثراء سيرته الذاتية و تمهيدا لخلافة دي بوسكي على رأس المنتخب الأول في مرحلة ما بعد مونديال 2014 مثلما خلفه على رأس منتخب الشباب عام 2008 عندما حل الأول محل لويس اراغونيس ، فمستقبل ميلا المهني مرتبط بشكل كبير بالنتيجة النهائية التي سيحققها في لندن بما أن الظروف كلها مواتية أمامه لصنع فريق الأحلام .

وحسب الحارس دي خيا فانه و زملائه تحدوهم عزيمة قوية لتكرار انجاز أسلافهم قبل عشرين سنة و تقليد زملائهم في المنتخب الأول و استغلال المهارات العالية التي يمتلكها أفراد المنتخب فضلا عن الحماس الذين يزيد من صلابتهم .