أصدرت مؤخرا مجلة فرانس فوتبول الرائدة في مجال كرة القدم الفرنسية و العالمية تقريرا مطولا تناولت فيه ابرز وأفضل اللاعبين الأجانب الذين لعبوا في الدوري الفرنسي على مدار تاريخه و كان لهم تأثير ايجابي واضح في نتائج الأندية التي لعبوا لها من حيث التتويج ببطولة الدوري أو الوصافة أو إحراز لقب الهداف و غيرها من المعايير الفنية التي اعتمدتها المجلة لتحديد خمسين لاعبا .

و رغم أن الخمسين لاعبا الذين اختارتهم المجلة لا احد يشك في قدراتهم التقنية العالية والتي سمحت للكثير منهم بالانتقال إلى أندية أوروبية أخرى و التألق مع منتخبات بلدانهم في نهائيات المونديال و غيرها من البطولات على غرار البوسني صافات سوزيتش نجم منتخب يوغسلافيا الذي حل أولا و زميله و مواطنه وحيد خليلوزيدش ndash; المدرب الحالي للجزائر ndash; و الذي جاء سابعا و الغاني أبيدي بيلي الذي ساهم بسط وافر في إهداء فرنسا اللقب الوحيد لدوري أبطال أوروبا عام 1993 مع اولمبيك مرسيليا ، إلا أن المفاجأة كانت شح لائحة الخمسين من الأسماء العربية رغم أن الدوري الفرنسي كان و لا يزال القبلة المفضلة للاعبين العرب عند احترافهم في الخارج خاصة من دول المغرب العربي لأسباب يعرفها العام و الخاص و هذا ليس مجال للحديث عنها ، خاصة في السبعينات و الثمانينات و التسعينات من القرن العشرين عندما كان من الصعب على لاعب عربي اللعب في انجلترا أو ايطاليا أو ألمانيا مثلما هو الحال اليوم.

واللاعب العربي الوحيد الذي تضمنه تصنيف الفرانس فوتبول هو متوسط الميدان الجزائري مصطفة دحلب أو موموس مثلما كان يحلو لعشاق ناديه باريس سان جيرمان مناداته عندما كان يلعب لناديهمعشر سنوات في الفترة ما بين 1974 و 1984 و كان يلهب جمهور ملعب حديقة الأمراء في باريس بلمساته السحرية التي لا تزال ذاكرة محبي البي اس جي تحتفظ بها رغم مرور أكثر من ربع قرن من اعتزاله الكرة و بأهدافه الكثيرة و الرائعة و التي جعلت منه ثالث هداف في تاريخ النادي بعد البرتغالي باوليتا و الفرنسي دومنيك روشتو بعدما سجل 98 هدفا رغم انه ليس مهاجما صريحا.

و حل دحلب في المركز ال39 من الترتيب بفضل ما قدمه لناديه حيث ساهم بشكل كبير في نيله لقبين يظلان من أغلى الألقاب عند الجمهور هما كاس فرنسا عامي 1982 و 1983 لكونهما أول الغيث و في ظل شح خزائن النادي الباريسي التي تقتصر على بطولتين للدوري و كاس أوروبا أبطال الكؤوس عام 1996.
و يطرح غياب اللاعبين العرب الذين نشطوا بالعشرات في بطولة الايغزاغون علامات استفهام كثيرة حول مستواهم الفني مقارنة على الأقل باللاعبين الأفارقة الذين تواجدوا بكثافة في تقرير المجلة الفرنسية ، فمن أصل 50 لاعب كان هناك سبعة أسماء ، ثلاثة منهم جاءوا ضمن العشرة الأوائل و هم ساليف كايتا من مالي و ابيدي بيلي من غانا و جورج وياه الليبيري ، اضافة الى ديديي دروغبا من ساحل العاج و جافات ندورام من تشاد و الثعلب الكمروني روجي ميلا.

والواقع أن غياب اللاعبين العرب عن لائحة الخمسين له ما يبرره على الأقل من الناحية الفنية إذ ما تفحصنا الاسماء اللامعة التي تضمنها التصنيف خاصة من أوروبا و أمريكا الجنوبية مثل راي و جونينهو اندرسون و رونالدينهو من البرازيل و بيانكي من الأرجنتين و كريس وودل من انجلترا و يورغن كلينسمان و رودي فولار و كلوس الوفس و كارل هانز فورستر من ألمانيا و آخرون.


فجل الأسماء الواردة في التقرير ارتبطت مسيرتها في الدوري الفرنسي مع ناد واحد أو ناديين في أسوء الأحوال و هو ما حصل أيضا مع الجزائري دحلب الذي ارتبط مشواره مع باريس سان جيرمان ، في حين أن اغلب اللاعبين العرب يلعبون في فرنسا أو في دوري أوروبي آخر على اقل تقدير في ثلاث أندية و يتحولون إلى رحالة من ناد لآخر و من ميركاتو لآخر ، و هو ما يساهم في تراجع أدائهم و تأثيرهم في أوضاع الأندية التي لعبوا لها بل أنهم يتحولون مع مرور الوقت إلى مجرد عجلات انقاد ، هذا إذا ما استثنينا بعض الأسماء التي تركت ذكريات جميلة في الأندية التي لعبت لها و كان بإمكانها أن تكون ضمن قائمة الخمسين مثل الجزائري موسى صايب مع نادي اوكسير ومواطنه علي بن عربية الذي تألق مع الثلاثي باريس سان جيرمان و موناكو و بوردو و نال معها بطولة الدوري أكثر من مرة ، و المهاجم المغربي مروان الشماخ مع بوردو و منه انتقل إلى ارسنال في صفقة هامة ما كنت لتتم لولا تألقه ، أو حتى رشيد مخلوفي مع نادي سانت ايتيان .

لكن هذه الاستثناءات لا يمكنها أن تحب الواقع المؤسف الذي يعيشه اللاعب العرب عند احترافه في فرنسا ، فرغم أن الملاعب العربية صدرت أفضل ما أنجبته من مواهب إلا أنهم لم يتمكنوا من فرض وجودهم لأسباب فنية و أخرى غير فنية خاصة أنهم في الغالب ينتقلون للعب في أندية الدرجة الثانية أو في أحسن الأحوال في الفرق التي تصارع على البقاء و نادرا ما ينضمون للفرق الكبيرة التي تنافس على اللقب مثل مرسيليا و ليون و بوردو ، و على سبيل المثال نجوم المنتخب الجزائري الذي تألق في نهائيات مونديال اسبانيا 1982 رابح ماجر و صالح عصاد و تاج بن ساولة و محمود قندوز و جمال مناد و اخرون ، و الذين حصلوا وقتها على رخص استثنائية من الاتحاد سمحت لهم بالاحتراف الخارجي ومع ذلك امضوا لفرق متواضعة مثل راينغ باريس و دانكارك و ميلوز و مارتينغ و نيم ، في حين أن جل أن لم نقل كل اللاعبين الخمسين الذين تضمنهم تقرير المجلة تقمصوا ألوان أندية محددة ظلت تسيطر بالطول و العرض على مسابقة الدوري و هي اولمبيك مرسيليا و موناكو و بوردو وباريس سان جيرمان ونانت خاصة في الثمانيات و التسعينات ، الفترة التي فتح خلالها الدوري الفرنسي أحضانه لاستقبال نجوم الكرة العالميين .

ولم يسبق لأي لاعب عربي ممن نالوا الكرة الذهبية الإفريقية -التي كانت تمنحها نفس المجلة المعدة للتقرير لغاية العام 1994 ndash; و هم في أوروبا ، لم يسبق لأي أن نالها وهو يلعب في الدوري الفرنسي مما يعكس تواضع أداء اللاعب العرب هناك ، و ذلك على اعتبار ان الحارس المغربي بادو زاكي أحرزها عام 1986 وهو يلعب في الدوري الاسباني لنادي مايوركا و الجزائري رابح ماجر توج بها عام 1987 وهو ينشط في الدوري البرتغالي لنادي بورتو ، بينما العكس بالنسبة للاعبين الأفارقة ، فمن أصل سبعة ممن وردت أسمائهم في التقرير نال الكرة الذهبية أربعة لاعبين و هم في الدوري الفرنسي و هم كايتا و ميلا و بيلي و وياه.

ورغم أن مثل هذه التقارير لن تضيف شيئا إلا أنها تؤكد لنا أن الكثير من اللاعبين العرب اخطأوا في تحديد القبلة الاحترافية سواء تعلق الأمر باختيار الدوري أو النادي.

و بالتأكيد فان لو أعدت تقارير أخرى عن اللاعبين الأجانب في بقية الدوريات الأوروبية فان محتواه لن يختلف كثيرا عن تقرير الفرانس فوتبول و سنجد عدد اللاعبين العرب المؤثرين يعدون على أصابع اليد الواحدة أو ربما اقل.