يمثل الدوري الجزائري سوقا خصبة للأندية التونسية خاصة الترجي والإفريقي ، يعتمدان عليها دعما لصفوفهما مع حلول كل ميركاتو صيفي أو شتوي قبل التوجه نحو السوق المحلية أو بقية الدوريات الأخرى .

وما يميز صفقات الناديين في السوق الجزائرية هو التركيز على النوعية أكثر من الكمية ، وهو ما يؤكد وجود أعين تونسية أو جزائرية تتابع تطورات الدوري الجزائري عن كثب لاصطياد عصافيره النادرة ، فكلما لمع اسم إلا و تجد الفريقان يتسابقان لضمه مقدمان أغلى العروضلقطع الطريق أمام الأندية الخليجية و المصرية ، ذلك أن صفقات الترجي و الإفريقي مع اللاعبين الجزائريين هي استثمار فني و مالي في نفس الوقت ، فالفريقان و فضلا عن إثراء التعداد فإنهما في الغالب يهدفان إلى تحويلهما إلى الخليج أو أوروبا أو مصر ، فالدوري التونسي يتحول إلى محطة عبور يستفيد منها الناديان و اللاعبين أيضا فنيا و ماديا عند تحويلهم إلى وجهة أخرى تقدم عروضا أحسن. و لا يقتصر الانتداب على اللاعبين الجزائريين بل يشمل أيضا اللاعبين الأجانب خاصة الأفارقة الذين ينشطون في الجزائر .

و يجيد الناديين فن التفاوض مع لاعبي الأندية الجزائرية المستهدفين مما يجعلهما ينجحان في إبرام الصفقات ، و ذلك من خلال تقديم عروض رسمية للاعب المعني مع عقود ببنود واضحة الملامح أبرزها أن المدة لا تزيد عن الثلاث مواسم و تسهيل الاحتراف نحو أوروبا ، وهو ما يريح اللاعب و يشجعه على التوقيع دون النظر في بقية العروض غير الرسمية حتى لو تأتيه من أندية أوروبية.

كما تعرف المفاوضات منافسة شرسة بين الناديين يحسمها في الغالب الجانب المادي أو رغبة اللاعب اللعب لهذا الفريق أو ذاك أو تدخل طرف ثالث مدرب أو رئيس ناد لإقناع اللاعب و قد تصل الى اروقة الاتحاد الدولي للبث فيها .كما يحسب لمسئولي الفريقين تركيزهم على اللاعبين اليافعين الذين يمتلكون مهارات فنية عالية قابلة للتطور بفضل الوسائل المادية و البشرية التي يتوفران عليها و تفتقرها الأندية الجزائرية ، و مشاركتهما المنتظمة على الصعيد القاري و العالمي. كما أن إمكانية فسخ العقد بالتراضي واردة جدا حتى تتاح للاعب العودة إلى الجزائر في حال لم يتأقلم مع الأجواء السائدة.

و قبيل أيام خطف الفريقان نجمان صاعدان تألقا بشكل لافت الموسم الماضي ، إذ تعاقد الترجي مع مهاجم نادي مولودية وهران و المنتخب الاولمبي يوسف بلايلي و الذي يعد من أفضل المهاجمين اليافعين حيث ساهم بشكل بارز في إبقاء المولودية ضمن حظيرة النخبة ،و سيلعب في تونس موسمين مقابل قرابة مليون اورو ، و كان بلايلي قد توصل حسب بعروض من عدة أندية فرنسية وإسبانية أبدت رغبتها في انتدابه .

جايو مع فريقه الجديد الإفريقي التونسي

ومن جانبه ضم النادي الإفريقي لتشكيلته صانع الألعاب الدولي عبد المؤمن جابو من وفاق سطيف لثلاث مواسم مقبل أكثر من مليونين ونصف المليون اورو ، وبشهادة الجميع فان اللاعب يستحق هذا المبلغ بل و أكثر بالنظر إلى المستوى الفني العالي الذي ظهر به على مدار الموسم المنصرم و الذي يعكس القدرات التقنية المميزة التي يمتلكها ، و مساهمته الكبيرة في التتويج ببطولتي الدوري و الكأس .

وتحول انتقال جابو إلى تونس إلى لغز محير بعدما كان قريب للعب في الدوري الفرنسي مع نادي موناكو من الدرجة الثانية ثم الصراع الذي دب بين الإفريقي و الترجي حوله قبل أن يحسمه الأول لصالحه بتدخل من مدربه الأسبق الجزائري عبد الحق بن شيخة.

و لن يكون لا جابو و لا بلايلي اللاعب الأول الذي ينتقل من الدوري الجزائري إلى احد الغريمين ، فقد سبقهما إلى هناك أسماء كثيرة بعضهم حالفه النجاح و آخرون جانبهم الحظ.

وتعود بداية تسوق الغريمين في الجزائر إلى نهاية الثمانينيات من القرن المنصرم عندما تعاقد الإفريقي مع قلب دفاع المنتخب الجزائري فضيل مغارية الذي كان يلعب وقتها لنادي اولمبيك الشلف سنة 1989 ، حيث استغلت إدارة الإفريقي الخلاف الذي كان بين اللاعب وإدارة ناديه للظفر بخدماته والتوقيع معه لمدة ثلاثة مواسم ، و وقتها لقي مغارية انتقادات لاذعة من قبل الصحافة الجزائرية التي رأت في ذلك تقليلا من قيمته في السوق بعدما كانت تتوقع له الانتقال إلى أوروبا ، لكن الأيام اثبت أن اللاعب أصاب في اختيار وجهته ، فالثلاث سنوات التي قضاها مغارية كانت كلها تألق و تحول معها إلى احد أهم كوادر الفريق في عهد مدربه الروماني ايلي بالاتشي ، إذ ستبقى الثلاثية التاريخية للعام 1991 راسخة في ذاكرة كل محبي الإفريقي عندما جمع مغارية و زملائه بين الدوري و الكأس المحليين و دوري أبطال أفريقيا الوحيد في سجل النادي و الأول في تاريخ تونس ، ومن وقتها عد مغارية واحد من ابرز الصفقات التي أبرمتها الأندية التونسية مع اللاعبين الأجانب، و قبلها كان مغارية قد بلغ نصف نهائي كاس إفريقيا أبطال الكؤوس 1990 ، كما يحسب لمغارية انه ساهم في نيل الخضر لقبهم القاري الوحيد للأمم عام 1990 و هو على ذمة الإفريقي.

وفي يناير 1996 جدد الإفريقي التجربة مع مدافع دولي آخر هو رزقي عمروش الذي قدم إليه من شبيبة القبائل وهو بطل للجزائر وإفريقيا ، وحقق عمروش نفس النجاح تقريبا الذي حققه موطنه مغارية ، إذ توج مع الإفريقي بكأس عربية عام 1997 وأخرى تونسية و بلغ معه نهائي كاس أبطال كؤوس إفريقيا عام 1999 ، كما اختير و هو في الإفريقي كأحسن لاعب في مركزه على الصعيد العربي من قبل الأهرام الرياضي في نفس العام بعدم أصبح و على مدار الخمس مواسم كأحد أعمدة الإفريقي.

وفي صائفة 2008 كانت إدارة الفريق قاب قوسين أو أدنى من التعاقد مع الثنائي الهجومي لمولودية سعيدة محمد سوقار و الشيخ حميدي غير أنهما فضلا الجانب المالي على الفني فانتقل الأول إلى وفاق سطيف و الثاني إلى اتحاد عنابة و كلاهما فشلا و أضاعا فرصة ذهبية كانت ستغير حتما من مسيرتيهما.

وفي صائفة 2010 تمكن إدارة الإفريقي مجددا من إبرام صفقة من العيار الثقيل بعدما تعاقدت مع المهاجم التشادي صاحب العشرين سنة ندواسيل ازيشال الذي تألق على مدار عدة مواسم مع اتحاد البليدة ، و هو الآن مطلب العديد من الأندية العربية و منها الأهلي المصري بعدما أكد قدراته الفنية العالية في تونس.

وتوجد في مفاوضات مع الظهير الأيسر الدولي عبد الرحمن حشود ليكون إلى جانب مواطنه و زميله في الوفاق جابو.

أما الترجي فقد بدا التعامل مع السوق الجزائرية متأخرا نوعا ما مقارنة بالإفريقي و لو أن مصادر تؤكد بان انتقال الهداف التاريخي للخضر عبد الحفيظ تاسفاوت من مولودية وهران إلى نادي اوكسير الفرنسي كان عبر الترجي عام 1995دون الإعلان عن ذلك.

وتعود أولى صفقات الترجي إلى العام 2003 عندما انتدب كل من مهاجم مولودية وهران داوود أبو عبد الله و متوسط ميدان اتحاد العاصمة كريم غازي في عهد الرئيس سليم شيبوب ، غير أن التجربتين لم تعمرا طويلا و عادا معا للجزائر بعد خلاف مع إدارة الترجي التي حاولت إجبارهما على عدم الصيام في إحدى المباريات الإفريقية و هو الأمر الذي رفضه اللاعبان و فضلا العودة رغم الإمكانيات التي يزخران بها ، كما أن تواجدهما هناك تزان مع فترة الفراغ التي كان يمر بها الترجي و تألق النجم الساحلي و الصفاقصي .

و بعدها بسنوات قرر الترجي استعادة مهاجمه النيجيري مايكل اينرامو المعار لاتحاد العاصمة و الذي معه تألق كثيرا و نال معه عدة ألقاب .

وفي العام 2011 تمكن الترجي من اصطياد عصفورين نادرين من الجزائر بتعاقده مع المهاجم الكمروني يانيك نجونغ من شبيبة بجاية مقابل قرابة المليون دولار ، و المدافع المحوري المالي ادريسا كوليبالي من شبيبة القبائل في صفقة انتقال حر لم يستفد منها الشبيبة حسمها الترجي مع الافريقي عبر الفيفا ، و اللاعبان ساهما في الموسم التاريخي للترجي الذي أعقب ثورة الياسمين عندما توج بالدوري المحلي و دوري أبطال إفريقيا و شاركا معهفي كأس العالم للأندية باليابان ، و ها هو المهاجم الكمروني على بعد خطوات من الانتقال إلى أوروبا و بالتأكيد فان الترجي سيستفيد من بيعه كثيرا ن بينما يتواجد كوليبالي على بعد خطوة من الانتقال الى قطر .

كما امتد تعامل القطبين ليشمل أيضا الفنيين حيث اشرف عبد الحق بن شيخة على تدريب الإفريقي في تجربتين متباينتين من حيث النتائج ، كما درب علي فرقاني الترجي و قاده إلى نصف نهائي دوري أبطال إفريقيا عام 2001.