قد يتحدث الكثيرون عن ان اولمبياد ريو 2016 لم يكن على مستوى النسخات السابقة او اقله على مستوى النسختين الاخيرتين في بكين 2008 ولندن 2012، لكن البرازيليين لم يتعهدوا اصلا بتنظيم العاب "تاريخية" بل قاموا ما بمقدورهم القيام به وسط الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.

ما هو مؤكد ان العاب ريو لن تصنف في سجلات الاولمبيادات الكبرى من الناحية التنظيمية على الاقل في ظل المشاكل الكثيرة التي اختبرها الجميع، ان كانوا رياضيين او اعلاميين او سياح، والتي تراوحت بين مواصلات كارثية، وضع امني مزر، مدرجات نصف فارغة او خدمات متواضعة على كافة الاصعدة.

- الملاعب -

لم يكن الحضور الجماهيري يليق بحدث من هذا النوع، فأهل البلد لم يتقاطروا لمشاهدة الالعاب بل اقيمت معظم المسابقات بمدرجات نصف فارغة.

عندما قرر الجمهور البرازيلي التهافت لمتابعة مسابقة معينة كان حضوره خارجا عن المألوف في الالعاب الاولمبية لانه وجه صفرات الاستهجان للرياضيين الذين كانوا يواجهون المحليين وفي رياضات لم تعتد على هذا النوع من التصرف وعلى رأسها العاب القوى.

وحتى ان العداء الجامايكي الاسطوري اوساين بولت ناشد الجمهور ان يأتي لمشاهدته وهو قال قبل ان يدخل التاريخ باحرازه ثلاثية سباقات 100 م و200 م و4 مرات 100 م للمرة الثالثة على التوالي: "5 ايام تفصلنا عن بداية مسابقات المضمار والميدان، احصلوا على تذاكركم" وارفق التغريدة بمقطع فيديو قال فيه: "انا هنا في ريو استعد لصناعة التاريخ، احصلوا على تذاكركم وتعالوا لمشاهدتي اصنع التاريخ. سيكون الامر رائعا".

ورأت بعض وسائل الاعلام بينها صحيفة "ذي صن" البريطانية، ان بولت هدف من مناشدة الجمهور الى تفادي احراج ان تقام مسابقات ام الالعاب امام مدرجات شبه خالية في ظل الحضور الجماهيري الخجول.

وتعددت الاسباب التي وقفت خلف الحضور الجماهيري المتواضع، فمعظم البرازيليين يرون بان اسعار التذاكر مرتفعة ويفضلون انفاق المال على اشياء اهم، كما ان الرياضيين المحليين لم يقدموا شيئا يذكر في هذا الالقاب لاستقطاب الجمهور والاستثناء الوحيد كان في كرة القدم، اللعبة التي "يتنفسها" البرازيليون لان نيمار ورفاقه قادوا "سيليساو" الى اللقب الوحيد الغائب عن خزائنه وتحقق ذلك امام حوالي 80 الف متفرج احتشدوا السبت في ملعب "ماراكانا" الاسطوري.

والمقلق هو كيف سيكون الوضع في الالعاب البارالمبية التي تقام بين 7 و18 ايلول/سبتمبر.

- الشعلة -

لم تكن رحلة الشعلة الاولمبية "روتينية" على الاطلاق في البرازيل بسبب التظاهرات التي رافقتها احتجاجا على التكلفة المرتفعة للالعاب في حين ان البلد يعاني من ازمة اقتصادية واجتماعية الى جانب المشاكل السياسية التي ادت الى اقصاء الرئيسة ديلما روسيف في ايار/مايو الماضي بقرار من مجلس الشيوخ واستبدالها موقتا بنائبها ميشال تامر.

ووصلت الشعلة الاولمبية في اوائل ايار/مايو الى العاصمة برازيليا بالطائرة قادمة من جنيف في اول محطة لها في مشوار طاف بها في مختلف انحاء البرازيل حتى حفل الافتتاح.

وتم ايقاد الشعلة الاولمبية في قصر الرئاسة بحضور روسيف قبل ان تبدأ جولتها في 329 مدينة برازيلية على ايدي حوالي 12 الف شخص وذلك حتى وصولها الى الملعب الاسطوري ايذانا بانطلاق الالعاب الاولمبية.

وقد استغل البرازيليون رحلة الشعلة للتعبير عن موافقهم حيث رافقتها تظاهرات في برازيليا للمطالبة باستقالة روسيف، وحاول رجل اخمادها بدلو من الماء خلال جولتها في ولاية ماتو غروسو دو سول (وسط غرب البلاد) دون ان ينجح.

وقبلها افلت فهد نادر من حراسه خلال عرضه امام الجمهور اثناء جولة الشعلة في ماناوس (الامازون) ما اضطر رجال الامن الى التدخل وقتلوه على الفوز من اجل تجنب اي كارثة.

ووصل الامر الى حد اطفاء الشعلة لفترة وجيزة بعد دخول الشرطة في "معركة" مع متظاهرين في انغرا دوس رييس، وهو منتجع ساحلي جنوب ريو.

واضطرت الشرطة لدى وصول الشعلة الى ريو للتدخل من اجل ابعاد المتظاهرين. وكان هناك رجل يحمل يافطة كتبت عليها عبارات يهين بها الشعلة، واخر كان من بين حاملي الشعلة عندما انزل سرواله القصير ليظهر عبارة معارضة للرئيس الحالي تامر.

- انتهت الالعاب والاعمال لم تنته -

يشعر المرء عندما يدخل الى منشآت ريو 2016 او عندما يمر في الطرقات المؤدية اليها كأن الالعاب باغتت البرازيليين فاضطروا الى استضافتها بما اتيح لديهم. مرت الالعاب بالحديقة الاولمبية وانتهت الالعاب والاعمال هناك لم تنته. الكثير من الامور اتخذت "صفة" الموقت فالواجهات والجسور المخصصة للمشاة حول المنشآت كانت "آنية" وكأن المرء يمر داخل او بجوار ورشة بناء.

كما ان الملعب الاولمبي كان بعيدا عن الحديقة الاولمبية وهذا ما تذمر منه رئيس الاتحاد الدولي لالعاب القوى البريطاني سيباستيان كو وان كان بطريقة دبلوماسية.

لكن الاسوأ كان موقع ديودورو الذي اقيمت فيه مسابقات منافسات الفروسية، الركبي 7، الكانوي المتعرج او الدراجات "في تي تي". فالمنشأة بدت وكأنها مهجورة في صحراء ما، المواصلات كانت شبه معدومة كما ظهرت وكأنها حقل رماية للجيش البرازيلي الذي كان متمركزا هناك بكامل اسلحته الثقيلة ومن بينها دبابة.

وكل هذه الاجراءات الامنية "الثقيلة" لم تحل دون وصول رصاصة طائشة الى المركز الاعلامي في المنشأة.

- المواصلات -

النقطة السوداء الاكبر في الالعاب كانت للمواصلات. الحافلات كانت قليلة جدا مقارنة مع عدد الاعلاميين القادمين من شتى انحاء العالم لتغطية هذا الحدث. المسافات كانت بعيدة بين المنشآت. زحمة السير كانت لا تحتمل في الكثير من الاحيان. سائقون لم يتدربوا بما فيه الكفاية من اجل التعامل مع الحافلات او معرفة الطرقات المؤدية الى منشآت الالعاب ما ادى الى "ضياع" بعض الرياضيين. الضحية الكبرى في هذه الناحية: الاعلاميون الذين بلغ عددهم حوالي 25000، اذ اضطروا للانتظار طويلا بعد منتصف الليل من اجل ان تصل الحافلة المفترض ان تقلهم الى مكان اقامتهم.

- الامن -

الامن كانت النقطة السوداء الكبيرة الاخرى في العاب ريو، فالسرقات كانت كثيرة وطالت الرياضيين في القرية الاولمبية والاعلاميين في مكاتبهم في المركز الاعلامي وعلى الطرقات وحتى في المنشآت خلال تغطيتهم المسابقات او في الحافلات الرسمية المعتمدة التي تعرضت احداها لهجوم بالقرب من حي عشوائي ما ادى الى اصابة صحافيين، وذلك اضافة الى الاشياء المشبوهة التي فجرتها الشرطة بالقرب من المنشآت.

- النسخة البرازيلية من "القصة" -

وبطبيعة الحال، كان التقييم البرازيلي للالعاب اكثر تفاؤلا و"انا اعترف انه في البداية... كان هناك الكثير من الشكوك حول المسائل الاساسية المتعلقة بالالعاب الاولمبية مثل الامن، التنظيم، الهدوء المؤسساتي"، بحسب ما قاله الرئيس البرازيلي تامر يوم الخميس، مضيفا: "وماذا نتابع منذ افتتاح الالعاب الاولمبية، (نتابع) هذا الاستعراض الرائع الذي رأيناه جميعا، هذه الطمأنينة المطلقة في ريو دي جانيرو".

وأجرت وزارة السياحة استطلاعا شمل 4150 شخصا، ونتيجته تليق بنتيجة استطلاع في كوريا الشمالية لان 7ر98% من البرازيليين و1ر83 من الاجانب قالوا بان تجربتهم في ريو كانت مرضية تماما وحتى تجاوزت توقعاتهم و"هذا دليل على اننا نستضيف العابا ستبقى عالقة في الاذهان" بحسب وزير السياحة البرتو الفيش.

وبالنسبة للمطارات، 6ر94% من الاجانب الذين شملهم الاستطلاع كانوا سعداء بالتجربة، اما بالنسبة للامن فنال 4ر88% والمواصلات العامة 6ر86%...

والتذمر الوحيد بحسب سلطات السياحة كان من اسعار التذاكر المخصصة لحضور المسابقات لأن 50% فقط من البرازيليين و42% فقط من الاجانب اعتبروا ان الاسعار كانت مقبولة.