دفع المنتخب الجزائري ضريبة باهظة نتيجة تراجع أدائه&ونتائجه منذ عام 2015 تمثلت في& فشله في بلوغ نهائيات كأس العالم 2018 بروسيا، بعدما كان المحاربون يمنون أنفسهم بتحقيق خامس تأهل في تاريخ الكرة الجزائرية والثالث على التوالي بعدما بلغوا نهائيات 2010 و 2014 وقبلهما نهائيات 1982 و1986.

وتحولت الأماني والأحلام إلى كابوس منذ التعادل المخيب للآمال الذي سجله "الخضر" في افتتاح مشوار التصفيات ضد منتخب الكاميرون على أرضه وأمام جماهيره في شهر أكتوبر من العام المنصرم قبل أن يخسر المباريات التي أعقبت الجولة الأولى أمام نيجيريا وزامبيا ذهاباً و إياباً.

والحقيقة أن تراجع المنتخب الجزائري وانهياره لم يكونا مفاجئين&للمتابعين طالما أن إقصاءه المبكر من سباق مونديال روسيا كان مجرد تحصيل حاصل ارتبط بأسباب فنية وأخرى غير فنية كان لها دور كبير في النكسة التي تعرض لها .

صحيفة "إيلاف" من خلال هذا التقرير تستعرض تلك الأسباب التي جعلت منتخب "الخضر" يفشل في الحفاظ على مظهره كأحد أفضل المنتخبات في القارة السمراء وتصدره لسنوات ترتيب المنتخبات العربية والإفريقية بحسب تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا).

غياب الاستقرار الفني وسوء اختيار المدرب

السبب الأول والذي يعتبره جل الخبراء والمتابعين لشأن المنتخب الجزائري يتعلق بعدم استقرار الجهاز الفني الذي تعاقب على تدريب المنتخب الوطني، بعدما تناوب عليه أربعة مدربين منذ رحيل البوسني وحيد خليلوزيتش في أعقاب نهائيات كأس العالم 2014 بالبرازيل ، في وقت أن احد أسباب نجاحه في الفترة من 2011 وحتى عام 2014 كان استقرار طاقمه الفني.&

وبعد المونديال البرازيلي تم التعاقد مع الفرنسي كريستيان غوركوف الذي بقي مع المنتخب لغاية شهر يونيو من عام 2016 ليأتي الصربي ميلوفان راييفاتش الذي عمل لأشهر قليلة، قبل ان يغادر منصبه في شهر ديسمبر من نفس العام ليحل محله البلجيكي جورج ليكنز لغاية شهر يناير من العام الجاري، قبل أن يتم التعاقد مع الإسباني لوكاس ألكاراز الذي لا يزال يتولى رئاسة الجهاز الفني لـ"الخضر".

وفضلا عن تأثير هذه التغييرات، فإن اختيار المدراء الفنيين كان سيئاً،&حيث لم يكن المدربون الأربعة في قيمة وقامة المدرب البوسني وحيد خليلوزيتش سواء من حيث قوة الشخصية التي كان يتمتع بها وسهلت عليه مهمة السيطرة على غرف ملابس اللاعبين، أو من حيث الكفاءة الفنية التي جعلت له بصمة واضحة على أداء المنتخب بشكل عام.

ومن اللافت للنظر أن الاتحاد الجزائري كانت لديه فرصة ليتعاقد مع احد الأسماء الكبيرة لخلافة الفني البوسني بعدما حقق عائدات مالية ضخمة من نتائجه الجيدة في كأس العالم، إلا انه اختار الاستعانة بأسماء مغمورة أو لم يعد لديها ما تقدمه خاصة البلجيكي و الصربي .

سوء استغلال الإنجاز المونديالي

السبب الآخر يرتبط بفشل الاتحاد المحلي في الاستغلال الإيجابي والجيد للنجاح الذي حققه المنتخب الوطني في مونديال 2014 ، فبدلا من أن يكون بلوغه النهائيات والدور الثاني منطلقا له يفرض عليه رسم إستراتيجية على المديين&المتوسط والبعيد للحفاظ على المكاسب التي تم تحقيقها،&تم اعتبار انه بلغ الهدف لتعقبه بذلك مرحلة التراجع، تماماً مثلما حدث بعد مونديال 1982 و 1986 .&

و الواقع أن الاتحاد لم يتخذ تدابير وإجراءات سليمة من شأنها الحفاظ على مكانة "الخضر" سواء بتغيير مدرب يتمتع بالكفاءة العالية أو بضخ دماء جديدة لإثراء التركيبة البشرية للفريق مقابل إبعاد العناصر التي لم يعد بإمكانها تقديم الإضافة الفنية، فاستمر المنتخب يلعب بنفس اللاعبين الذين صنعوا إنجاز المونديال رغم أن أداء العديد منهم تراجع كثيراً فيما أصبح البعض منهم لا يلعب إلا نادراً مع أنديتهم.

وعلى الرغم من بروز بوادر واضحة جداً على تراجع المنتخب الجزائري بعدما فشل في كأس أمم افريقيا 2017 بالغابون ، إلا أن إجراءات العلاج بقيت غائبة، ليستمر التراجع حتى بلغ درجة الإنهيار.

استمرار عقدة المنتخبات الكبيرة

رغم تأهل المنتخب الجزائري إلى نهائيات كأس العالم 2014 بالبرازيل وتقديمه أداء جيدًا، ساهم في وصوله للدور الثمن النهائي من البطولة ،& إلا أن عقدة الخوف من المنتخبات القارية الكبيرة ظلت مستمرة، لتظهر بجلاء في كأس أمم افريقيا خلال دورتي 2015 و 2017 أمام منتخبات ساحل العاج وغانا ثم في تصفيات كأس العالم الحالية عندما أوقعته القرعة في مجموعة واحدة مع الكاميرون ونيجيريا وزامبيا .&

ورغم أن العناصر الفنية التي يمتلكها المنتخب الجزائري ، وتضم أسماء لامعة تلعب لأندية كبيرة على غرار رياض محرز نجم نادي ليستر سيتي وأفضل لاعب في الدوري الإنكليزي ، و ياسين براهيمي نجم نادي بورتو البرتغالي وسفيان فيغولي الذي تنقل بين أندية فالنسيا الإسباني و ويست هام الإنكليزي وغلطة سراي التركي ،& إلا أن عقدة الخوف من المنتخبات الإفريقية العملاقة بقيت تسيطر على نفوس و قلوب "محاربي الصحراء " ، وهو ما تم تفسيره بأنه السبب المباشر لتكرار فشلهم في نهائيات كأس افريقيا وغياب التحضير النفسي والذهني من قبل الجهاز الفني، خاصة أن "الخضر" لم يحققوا الفوز ضد&احد المنتخبات الكبيرة في مواجهة رسمية منذ إحرازه الانتصار على المنتخب المصري في أم درمان و بعدها على ساحل العاج في كأس أمم أفريقيا 2010 ، فيما لم يصادف مجدداً مثل هذه المنتخبات طوال مشواره في التصفيات.

تركيبة بشرية ثرية غير متجانسة

السبب الرابع يتعلق بالتركيبة البشرية للمنتخب الجزائري ، فرغم وجود لاعبين يتمتعون بمؤهلات فنية وبدنية جيدة إلا أنهم فشلوا في تكوين فريق&متجانس&بسبب غياب التفاهم بين اللاعبين خاصة على مستوى خط الدفاع الذي كان اضعف الخطوط منذ رحيل المدرب البوسني بعدما عجز بقية المدربين عن إيجاد توليفة دفاعية مناسبة لتأمين عرين "المحاربين".&

وتضاف إلى ذلك عودة التكتلات داخل غرف الملابس وبروز تأثير الحرس القديم في فرض وجوده والتأثير على قرارات المدرب، وهو الحرس الذي أطاح بالمدرب الفرنسي و بعده الصربي بسبب الحماية التي يجدها هؤلاء اللاعبون من قبل الاتحاد المحلي، والتغطية التي توفرها له بعض وسائل الإعلام المحلية .&

ولم تكن تصريحات الحارس رايس مبولحي سوى فيض من غيض لان ما خفي كان أعظم بكثير مما كشف وفضح، حيث كان آخر حلقاته قضية ياسين براهيمي الذي ادعى الإصابة لإعفائه من مباراة الكاميرون& ليعود إلى فريقه بورتو البرتغالي ويخوض معه التدريبات بشكل عادي، ونفس الأمر بالنسبة لرياض محرز الذي تم إعفاؤه من السفر مع المنتخب إلى زامبيا بحجة إتمام صفقة انتقاله إلى نادٍ آخر ليتضح أن الأمر كان مجرد تضليل لتفادي الانضمام إلى بعثة الخضر المغادرة إلى العاصمة الزامية "لوساكا".

ضعف الاتحاد بعد رحيل روراوة

لا يمكن إغفال الدور الكبير الذي قام به الرئيس الأسبق للاتحاد الجزائري محمد روراوة في الطفرة التي عرفها المنتخب في عهده، خاصة بعدما ركز جهوده على المنتخب الأول وترك الشؤون المحلية للكرة الجزائرية للرابطة الوطنية، مما جعل المنتخب يستفيد من خبرته وكفاءته وحضوره القوي بشخصيته وقراراته في غرف الملابس والتي ساهم في استقرارها .

وعلى الرغم من أن أزمة "الخضر" ظهرت في عهده إلا أن تزامنها مع الأشهر الأخيرة من عهدته جعل الأزمة تتفاقم بعدما عجز خليفته في إيجاد الوصفة العلاجية المناسبة، حيث كثرت القرارات الارتجالية منذ انتخاب الرئيس الجديد للاتحاد خير الدين زطشي، خاصة في تعاقده مع المدرب الإسباني لوكاس ألكاراز المغمور والمتواضع ، وعجزه عن السيطرة على المنتخب من الناحية الإدارية، ليتأكد للجماهير الجزائرية أن رحيل روراوة كان في توقيت غير مناسب لـ "الخضر" و للكرة الجزائرية، والتي كانت تحتاج لاستقرار عبر استمراره لعهدة جديدة في ظل غياب مرشح ومنافس بنفس المواصفات.