استمتعت الجماهير الاميركية بأوقات خاصة في فترة التوقف الدولية الاخيرة من خلال خوض المنتخبات الاميركية اللاتينية العريقة امثال البرازيل والارجنتين والمكسيك مباريات دولية ودية في كرة القدم على أرضها.
كان ذلك دفعة غير متوقعة لدولة ما زالت تعاني من فشلها الذريع في التأهل لنهائيات كأس العالم الاخيرة التي اقيمت في روسيا، حيث أقصيت على يد بنما المتواضعة.
ولكن بإجراء تسع مباريات ودية أطرافها منتخبات أميركا اللاتينية بمعدل مباراتين في اليوم في الولايات المتحدة، تساءل الكثيرون عن سبب حدوث هذا الانتشار بشكل مفاجئ.
وتقول مديرة وكالة التسويق الرياضية الكولومبية "سكور" كارولينا خاراميو لوكالة فرانس برس "انها مسألة تسويق"، مضيفة "الولايات المتحدة سوق تنمو بشكل كبير. إنها سوق ضخمة، مع سوق إسبانية كبيرة جدا".
بعد مرور 24 عاما على استضافتها كأس العالم للمرة الأولى، وعلى الرغم من فوزها إلى جانب جارتيها كندا والمكسيك بحقوق استضافة نسخة 2026، فإن كرة القدم الأميركية تواصل الكفاح من أجل التنافس وفرض نفسها على الساحة في مواجهة رياضات أكثر شعبية في البلاد من قبيل البيسبول وكرة السلة وكرة القدم الأميركية.
في الولايات المتحدة هناك نكتة تقول أن كرة القدم "هي رياضة المستقبل ... وستظل دائما كذلك".
-"تجارة مربحة"-
لكن بقيادة مجموعة هائلة من الجاليات الاميركية اللاتينية التي ينحدر الكثير منها من الأوطان المجنونة بكرة القدم، يظل الأمل هو أن "اللعبة الجميلة" ستنفجر في يوم من الأيام.
وأضافت خاراميو "الآن، ومع اقامة نهائيات كأس العالم في 2026 إلى جانب كندا والمكسيك، فإنهم يدركون ويفهمون أن كرة القدم هي تجارة مربحة".
في استطلاع أجرته مؤسسة "غالوب" مؤخرا، أدرج سبعة بالمئة من الأمريكيين كرة القدم كالرياضة التي يفضلون مشاهدتها. وهذا يضعها في المركز الرابع خلف الرياضات الثلاث الاكثر شعبية في البلاد البيسبول (9%)، كرة السلة (11%) وكرة القدم الأمريكية (37%).
بالارقام المطلقة، فإن ذلك يترجم إلى حوالي 23 مليون أميركي يصفون كرة القدم بأنها أفضل اختيار لهم - أكثر من عدد سكان تشيلي حاملة لقب بطولة كوبا أميركا (18 مليون نسمة) وسبع مرات أكثر من عدد سكان الأوروغواي التي فازت بكأس العالم مرتين.
إلى جانب الدوري الاميركي للمحترفين، فإن كرة القدم أو الـ "سوكر" مثلما يطلق عليها في الولايات المتحدة، هي الرياضة التي تنمو أكثر في البلاد، لاسيما بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاما.
ومجموعة المباريات الودية التي اقيمت في شهر ايلول/سبتمبر هي إحدى طرق محاولة استغلال إمكانات هذا السوق.
يوم الجمعة الماضي، فازت البرازيل على الولايات المتحدة 2-0 في نيوجيرسي، بينها هدف لنجم باريس سان جرمان الفرنسي نيمار من ركلة جزاء.
وفي غياب نجمها ليونيل ميسي، فازت الأرجنتين على غواتيمالا المتواضعة 3-0 في لوس أنجليس، في حين دكت الأوروغواي شباك المكسيك 4-1 في هيوستن.
وتلتقي اليوم الثلاثاء، البرازيل مع السلفادور، والأرجنتين مع كولومبيا، وتختتم المكسيك سلسلة المباريات الدولية الودية بلقاء غريمتها التقليدية جارتها الولايات المتحدة.
وتقام المباراة الأخيرة في ناشفيل، وهي مدينة تشتهر بموسيقاها الريفية أكثر من كرة القدم، ويبلغ عدد سكانها من أصل لاتيني 10 في المائة.
-"سوق الحنين"-
لكن هذا هو عدد المكسيكيين الذين يعيشون في الولايات المتحدة، وتقول خاراميو "المكسيك هي الفريق الوحيد في العالم الذي يملك سوقين كبيرين"، مضيفة "مع المكسيكيين الذين يعيشون في الولايات المتحدة، يتم دائما استغلال سوق الحنين".
ويقول نائب الرئيس التجاري في نادي بويبلا المكسيكي روجيليو روا أن اللعب في الولايات المتحدة أمر رائع ومربح للغاية بالنسبة للمكسيك حيث تبلغ قيمة كل مباراة مليون دولار.
بالنسبة لماريزابيل مونيوز، ممثلة شركة "يونايتد سوكر ماركيتينغ"، إحدى الشركات الراعية للمنتخب المكسيكي والتي تتخذ من نيويورك مقرا لها، فالأمر يتعلق بـ"فرصة" للمشجعين القاطنين في الولايات المتحدة لرؤية منتخباتهم، في الوقت الذي يحظى فيه اللاعبون بفرصة اللعب على ارضية "أفضل الملاعب" واستخدام أحدث مرافق التدريب.
ويقول المدير الرياضي للمنتخب المكسيكي جيراردو تورادو أن القرب الجغرافي ربح آخر كون "ملاعب النخبة" للجارة الشمالية لديها "عشب طبيعي" يساعد على تقديم مباريات جيدة.
من ناحية البنية التحتية، القدرات اللوجستية والتنظيم والترويج، تقدم الولايات المتحدة تسهيلات فائقة لبقية المنتخبات الاميركية اللاتينية وهذا أمر جذاب حتى بالنسبة لقوة عظمى مثل البرازيل.
ويبرز مستشار التسويق الرياضي في البرازيل ايريش بيتينغ أن "الاهتمام (بكرة القدم) يتزايد في الولايات المتحدة وهناك صناعة ضخمة لترويج الأحداث بما في ذلك الرعاة المحليون".
-"العادة القديمة"-
وأضاف "هناك ثقافة ترفيهية أكبر بكثير من العديد من بلدان أميركا اللاتينية"، مشيرا الى أن المنتخبات الاميركية اللاتينية تميل الى الحد من عبء العمل لدى اتحاداتها المحلية. وهكذا، فإن "البرازيل والأرجنتين تفضلان تنظيم مبارياتهما في الخارج. إنها عادة قديمة جدا وأصل فضائح الفساد في كرة القدم في أميركا الجنوبية".
ويقدر هذا الأخصائي أن الاتحاد البرازيلي باع الحقوق التجارية لمباراة في الولايات المتحدة بمبلغ 5 ملايين دولار، حيث أوكل إلى وكالة وسيطة كل المراحل من البحث عن الخصم إلى بيع تذاكر الدخول.
لكن العديد من مسؤولي كرة القدم في أميركا اللاتينية عانوا من فضيحة فساد واسعة النطاق في الفيفا شملت أخذ رشى من بلدان التسويق الرياضي مقابل عقود البث في البطولات الكبرى.
في الشهر الماضي فقط، تم سجن اثنين من كبار المسؤولين السابقين هما البرازيلي جوزيه ماريا مارين والبارغوياني خوان انخل نابوت في نيويورك لقبولهما رشى. وهما من بين 42 شخصا صدرت بحقهم لوائح اتهام من قبل المحاكم الأميركية.
وسواء استمرت هذه الممارسات غير القانونية أم لا، فإن المنتخبات الأميركية اللاتينية تواصل السفر حول العالم للعب مباريات ودية مربحة.
البرازيل التي استضافت كأس العالم عام 2014 وتستعد لتنظيم كوبا أمريكا 2019، لم تلعب على ارضها منذ عام تقريبا، حيث خاضت مباريات ودية في إنكلترا وفرنسا وألمانيا وروسيا والنمسا- رغم أن ذلك يمكن ان يبرر بكون معظم لاعبيها يدافعون عن الوان اندية أوروبية.
التعليقات