تيبو كورتوا، إدين هازار، روميليو لوكاكو، كيفن دي بروين... وغيرهم. لاعبون بلجيكيون يتوزعون بين كبرى أندية كرة القدم الأوروبية، ويجمعهم قميص منتخب "الشياطين الحمر". أمام فرنسا الثلاثاء في نصف نهائي كأس العالم، سيكون هذا "الجيل الذهبي" أمام فرصة لمعان قد لا تتكرر.

في سبعينات القرن الماضي، وضع إدي ميركس بلجيكا على خريطة الرياضة العالمية بتفوقه في الدراجات الهوائية. بعد الفوز على البرازيل 2-1 في الدور ربع النهائي للمونديال الروسي، يأمل لاعبو المنتخب في ان يكرروا الأمر نفسه، وهذه المرة في اللعبة الشعبية الأولى عالميا.

بات اللاعبون البلجيكيون عملة ناجحة في الأندية. هازار، لوكاكو، دي بروين، وكورتوا، ومعهم درايس مرتنز، فنسان كومباني، اكسل فيتسل، توما مونييه، وميتشي باتشواي... اللائحة تطول، وتثير حسد المنتخبات الأخرى، وحتى الدول التي كانت ذات يوم معروفة بتصدير المواهب.

في تشرين الأول/اكتوبر الماضي، قال اللاعب والمدرب السابق للمنتخب الهولندي رود غوليت لوكالة فرانس برس "اذا نظرتم الى كل الدول حولنا، نحن بلد صغير قام بعمل جيد. الآن، لدى بلجيكا أيضا جيل جميل".

ليست الجغرافيا الجامع الوحيد بين البلدين. هولندا حظيت مرارا بـ "جيل ذهبي" في كرة القدم، الا انها لم تتمكن يوما من التتويج باللقب العالمي على رغم بلوغها النهائي أكثر من مرة. تريد بلجيكا ان تتفادى المصير نفسه، ومع التشكيلة الحالية، تبلغ نصف النهائي للمرة الثانية في تاريخها، بعد محاولة أولى في مونديال المكسيك 1986.

قال مدربها الاسباني روبرتو مارتينيز في المونديال الروسي، بعد عبور الدول الأول بالعلامة الكاملة من ثلاثة انتصارات في ثلاث مباريات "نعرف كل المواهب التي نتمتع بها، جيل يمكننا ان نفخر به بشكل كبير"، مضيفا "في بلاد تعدادها السكاني 11 مليون شخص، ظهر أفراد خارج المألوف".

- نقطة الانطلاق: أولمبياد 2008 -

لكن كيف تمكن البلد الصغير الواقع جغرافيا بين قوتين كرويتين هما ألمانيا وفرنسا، من تحقيق معجزة انجاب لاعبين على هذا القدر من الموهبة، بعد غياب عن البطولات التي أقيمت في الفترة بين 2002 و2014، بما يشمل ثلاثة كؤوس أوروبية وكأسين للعالم؟

أوضح مارتينيز في كانون الأول/ديسمبر الماضي ان الاتحاد المحلي "قام بعمل جدي جدا لمحاولة ان يضع موضع التنفيذ، مسارا واضحا لطريقة تطوير لاعبي كرة القدم في بلجيكا. رسمنا بشكل واضح كيف يجب تطوير لاعب كرة القدم البلجيكي، مع انخراط من قبل أكاديميات اللعبة والأندية المحترفة، اضافة الى الطريقة التي نرغب ان نلعب بها".

وأضاف في مقابلة مع شبكة "تي واي سي سبورتس" الارجنتينية "كان عملا معقدا جدا، الا انه أثمر".

بدأت الاشارات الأولى للعودة البلجيكية تظهر في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية 2008 في بكين، مع تقديم المنتخب أداء جيدا أوصله الى نصف النهائي. بعد غيابه عن شاشات البطولات بعد مونديال كوريا الجنوبية واليابان 2002، وبلوغ القعر في حزيران/يونيو 2007 بتراجعه في تصنيف الاتحاد الدولي (فيفا) الى المركز 71 عالميا (الأسوأ في تاريخه)، بدأ المنتخب البلجيكي يعطي إشارات أمل ان "الشياطين" قد بعثوا من جديد.

أولى الأسماء التي بدأ نجمها يسطع لا تزال ركيزة في الفريق، من مروان فلايني الى فنسان كومباني وموسى ديمبيلي ويان فيرتونغن.

- الآن أو أبدا؟ -

حل المنتخب البلجيكي رابعا في بكين 2008 بعدما خسر أمام نيجيريا في نصف النهائي والبرازيل في مباراة المركز الثالث.

مدربه في حينها كان جان-فرنسوا دو سارت الذي يشدد على ان دورة الألعاب كهذه، شكلت منعطفا في تاريخ كرة القدم البلجيكية. وقال في تصريحات سابقة "ربما يكون في الأمر بعض المبالغة، الا انني كنت فخورا بما حققناه. برأيي، سنتحدث في المستقبل عن مرحلة ما قبل الألعاب الأولمبية ومرحلة ما بعد الألعاب الأولمبية. عدنا لأجواء ايجابية ومتفائلة".

بعد عشرة أعوام، حان موعد قطاف ثمار العمل المضني الذي تم بذله. تبقى بلجيكا حذرة مما علمتها اياه التجارب: بعد العودة الى الساحة العالمية في 2014 وبلوغ الدور ربع النهائي للمونديال البرازيلي (خسرت صفر-1 أمام الأرجنتين التي وصلت الى المباراة النهائية)، كانت المفاجأة في كأس أوروبا 2016، مع الخسارة المفاجئة في ربع النهائي أمام ويلز 1-3.

هل كانت الآمال المعقودة أكبر من قدرة الجيل الشاب؟ قال كومباني قبل مباراة البرازيل "لم يقل أحد لنفسه +سنطلق على أنفسنا اسم الجيل الذهبي+. نحن لا نهتم. لكن هذه المباراة ضد البرازيل ستحدد من نحن".

في موازاة النجوم والمواهب الفردية التي يتميز بها المنتخب، بقيت في المونديال الحالي بعض علامات الاستفهام التي تكبر مع تقدم الأدوار: هل توازي الجودة الدفاعية البلجيكية، مواهب الوسط والهجوم؟ المنتخب هو الأكثر تهديفا حتى الآن في المونديال (14 هدفا)، الا ان شباكه تلقت خمسة أهداف، أكثر بهدف مما تلقته منتخبات نصف النهائي حتى الآن.

بالنسبة الى مارتينيز "كأس العالم لا تحترم الفرديات، أو المواهب الكبيرة، فقط المنتخبات التي تعمل بجد كمجموعة ولديها ذهنية الفوز".

يبدو المونديال الروسي بمثابة الفرصة الأخيرة لبلجيكا، لاسيما وان عددا من نجومها تخطوا عتبة الثلاثين من العمر، وقد يندر ان تعيد بلادهم إنجاب مجموعة مماثلة في فترة زمنية واحدة.