يدخل محمد صلاح بطولة كأس الأمم الإفريقية 2019 في كرة القدم على أرض بلاده، متوجا بلقب دوري أبطال أوروبا مع فريقه ليفربول الإنكليزي، ونجما يحمل آمال منتخب الفراعنة ونحو 100 مليون مصري باللقب.

المهاجم الذي أتم في 15 حزيران/يونيو السابعة والعشرين من العمر، المتواضع إبن قرية نجريج في عمق الريف، والفخور بمسيرة ملأتها التحديات والصعاب وصولا الى قمة الكرة الأوروبية بعد أعوام الكفاح، هو نجم متوج في عيون الملايين من عشاقه، وحتى لاعبين تنافسوا ضده.

ويقول الدولي التونسي نعيم السليتي لوكالة فرانس برس "تشعر أن صلاح يشكل خطرا بمجرد أن يلمس الكرة. لا يجب تركه (منفردا). بمجرد أن يلمس الكرة، يحصل أمر ما".

راكم الجناح السريع، "الملك المصري" المتوج بأهازيج ملعب أنفيلد في ليفربول، جوائز فردية في عاميه في الدوري الإنكليزي الممتاز: أفضل لاعب وهداف موسم 2017-2018، وهداف موسم 2018-2019 تشاركا مع زميله في الفريق السنغالي ساديو مانيه ومهجم أرسنال الغابوني بيار-إيمريك أوباميانغ.

قبل نهائي دوري الأبطال أمام توتنهام، حيث سجل ركلة جزاء مبكرة ساهمت في فوز فريقه 2-صفر، أبدى صلاح رغبته في منح بلاده لقب البطولة القارية للمرة الثامنة في تاريخها. وتستضيف مصر الموعد القاري بعد نحو عام من خيبة مونديال روسيا 2018، حيث أثرت الإصابة على أداء صلاح وحدت من مشاركته، ليخرج الفراعنة من الدور الأول بثلاث هزائم في مشاركتهم الأولى في النهائيات منذ 28 عاما.

يشكل صلاح رمزا لتشكيلة من جيل شاب، وموهبة لامعة ضمن أسماء مثل محمد النني وعمرو وردة ومحمود حسن "تريزيغيه". وسيكون هو محور تشكيلة المكسيكي خافيير أغيري بدءا من المباراة الافتتاحية ضد زيمبابوي الجمعة، في استاد القاهرة الدولي الذي يتسع لنحو 75 ألف متفرج.

- تضحيات -

ويقول المحلل الرياضي كريم سعيد إن مدربي المنتخب المصري "يضعون خططهم وتكتيكاتهم على أساس وجود صلاح في الفريق".

قبل أيام، التحق صلاح بمعسكر المنتخب بعد إجازة تلت نهائي دوري الأبطال، حيث تمكن من تعويض خيبة نهائي العام الماضي حينما تعرض لإصابة قاسية اثر عرقلة من مدافع ريال مدريد الإسباني سيرخيو راموس، أدت الى خروجه من أرض الملعب في الشوط الأول وخسارة فريقه 1-3.

كانت العودة الى اللقب هذا العام تجسيدا مثاليا للدرب الوعر الذي خاضه أفضل لاعب إفريقي لعامي 2017 و2018، لبلوغ عرش الكرة الأوروبية.

بعد رفعه الكأس ذات الأذنين الكبيرتين في الأول من حزيران/يونيو، قال "ضحيت بالكثير من أجل مسيرتي، أن آتي من قرية وأنتقل الى القاهرة، وأنا أصبح مصريا على هذا المستوى هو أمر لا يصدق بالنسبة إلي".

وأضاف "أنا سعيد جدا لأن هذا أمر لا يحصل كثيرا في الحياة (...) هذا حلم طفل صغير كان في السابعة أو الثامنة من عمره".

بدأت رحلة نجوميته من قريته الصغيرة في دلتا النيل (على بعد 120 كيلومترا من القاهرة)، حيث زاول كرة القدم طفلا قبل أن ينتقل الى مدينة بسيون المجاورة، ومنها الى العاصمة القاهرة، فالقارة العجوز، متنقلا بين بازل السويسري، فيورنتينا وروما الإيطاليين، وصولا الى ليفربول، في رحلة تضمنت تجربة للنسيان مع تشلسي الإنكليزي.

بفضل مثابرته ودأبه، تحول الى نجم دولي ملء السمع والبصر.

نشأ في بيت بسيط يطل مثل معظم مباني قرية نجريج على شارع ترابي ضيق، ويروي عارفوه أنه بذل مجهودا كبيرا في صباه.

ويقول غمري عبد الحميد السعدني، مدرب أشبال نادي شباب نجريح عندما بدأ صلاح التردد على المركز وهو في الثامنة، "كانت موهبته واضحة منذ الصغر"، وأضاف الى موهبته "عزيمة فولاذية ومجهودا وإصرارا".

وبحسب عمدة القرية ماهر شتية، انضم صلاح في الرابعة عشرة الى نادي المقاولون العرب في القاهرة، وكان يمضي ساعات يوميا للمواظبة على التمارين، مستقلا أربع وسائل نقل: من نجريج الى بسيون، ومنها الى مدينة طنطا (عاصمة محافظة الغربية) حيث يستقل حافلة أخرى الى وسط القاهرة، قبل البحث عن وسيلة تقله الى حي مدينة نصر في شرق العاصمة المصرية حيث مقر ناديه.

- "قدوة لكل الأجيال" -

نشأ في أسرة محافظة وتأثر باحتكاكه ببعض جوانب الثقافة الغربية. اختارته مجلة "تايم" الأميركية في نيسان/أبريل الماضي ضمن لائحة المئة شخصية الأكثر تأثيرا في العالم، وتحدث إليها عن مواقفه تجاه المساواة بين الجنسين، قائلا "أعتقد أننا بحاجة الى تغيير الطريقة التي نعامل بها المرأة في ثقافتنا".

جانبه العائلي يحضر بخفر في حياة نجم اختار، بعكس أقرانه في اللعبة الشعبية الأولى، الحفاظ على جانب كبير من الخصوصية. زوجته ماغي، زميلة المدرسة التي اقترن بها وهو في سن العشرين، نادرا ما تظهر معه في المناسبات، لكنها دأبت مع ابنتهما مكة على الاحتفال الى جانبه لدى تتويجه هدافا للدوري الإنكليزي.

لا زال صلاح يمضي جزءا من عطلته السنوية مع أسرته في نجريج.

مطلع الشهر الحالي، أثار جدلا على مواقع التواصل عندما عاد الى قريته لتمضية عيد الفطر، وأبدى استياءه من التزاحم أمام منزل أسرته. وكتب على تويتر "اللي بيحصل من بعض الصحفيين وبعض الناس أن الواحد مش عارف يخرج من البيت علشان يصلي العيد. دا ملوش علاقة بالحب. دا بيتقال عليه عدم احترام خصوصية وعدم احترافية".

وفي حين اعتبر البعض صلاح "متكبرا"، تعاطف آخرون مع رغبته في الاحتفاظ بخصوصيته. ويوضح كريم سعيد لفرانس برس "عندما يتعلق الأمر بنجوم ومشاهير يتابعهم عشرات الملايين فإنه شيء طبيعي أن تجد من مختلف معهم في بعض المواقف ولكن هذا لا يؤثر على شعبيتهم".

كل نقاط الجدل ستوضع جانبا بدءا من مساء الجمعة، حينما سيتطلع المصريون الى صلاح لتحقيق لقب نالوه للمرة الأخيرة في 2010.

وبحسب النجم المصري السابق محمد أبو تريكة المتوج بلقب بطولة إفريقيا عامي 2006 و2008، فأهم ميزة عند صلاح هي "التواضع، وما زال يتعلم في الملعب. لديه تحديات كبيرة هو قادر على تحقيقها".

وأضاف عبر قنوات "بي إن سبورتس" القطرية التي يعمل لصالحها كمحلل، "هو واجهة مشرقة ليس لمصر فقط ولكن للعرب ككل. الآن هو قدوة في كافة المجالات، قدوة لكل الأجيال".