بوينوس ايرس: في بوينوس أيريس، يرتسم الحزن الخميس على وجوه المارة، فيما تسيطر أجواء الصدمة والذهول وعدم التصديق على الأرجنتينيين الذين فقدوا نجمهم المتوفي بنوبة قلبية في سن الستين بعد مسيرة أثارت شغفا بلغ حد العبادة.

ولخص الرئيس الارجنتيني البرتو فرناندز المزاج العام بقوله "سيبقى مارادونا جزءا لا يمحى من ذاكرة الارجنتين الجماعية" معلنا حدادا وطنيا مدة ثلاثة أيام.

في أحد شوارع العاصمة، يقول فرانسيسكو سالافيري (28 عاما) لوكالة فرانس برس"لا يسعني أن أصدق. أشعر وكأني أرى كابوسا. أحاول إقناع نفسي أن الأمر مجرد مزحة".

ويؤكد غابرييل أوتوري (68 عاما) أنه يواجه صعوبة في الحديث عن هذا الموضوع "لأنني مصدوم ومجروح".

ويقول نيكولاس لونا "الكلام يخونني. لدي صعوبة في المشي وصوتي يرتجف. عندما أتكلم أخشى أن أنفجر بالبكاء".

عند أقدام المسلة في وسط بوينوس أيريس حيث تجرى عادة الاحتفالات بالانجازات الرياضية الرئيسية، تجمع أكثر من ألف من المعجبين بأسطورة كرة القدم الأرجنتينية مساء الأربعاء لتكريم أخير لمارادونا.

ويروي غوستافو كاباييرو الذي أتى من جنوب العاصمة "عندما تبلغت نبأ وفاته تجمد جسمي وشعرت بثقل كبير ينهال علي".

ووجهت النداء إلى التجمع "الكنيسة المارادونية" المشكلة من معجبين "يعبدون الإله" مارادونا. ولفّ بعض المشاركين أكتافهم بالعلم الأرجنتيني.

وتجمّع معجبون آخرون قرب الملعب الذي يحمل اسم مارادونا في العاصمة الأرجنتينية، أمام رسم جداري لوجه نجم كرة القدم زيّن بالورود والشموع وبقمصان تحمل الرقم 10 الذي اشتهر به مارادونا.

وكتب أحدهم على لافتة "شكرا لكل هذا السحر ..ماذا عسانا نفعل من دونك الان؟".

"أكثر الآلهة قربا من البشر"

في حي بوكا حيث لعب مارادونا في صفوف نادي بوكا جونيورز، تؤكد باتريسيا أن وفاة مارادونا "بمثابة فقدان أب لي لأن مارادونا كان كل شيء بالنسبة لنا".

ويقول غييرمو رودريغيس (42 عاما) الذي دقّ في 30 تشرين الأول/أكتوبر وشما عاشرا مكرسا لمارادونا بمناسبة بلوغه الستين، وهو يبكي "أفضل عدم الكلام".

ولن يحقق غييرمو حلم حياته وهو أن "أضم بين ذراعي" بطل العالم السابق الذي غطى جسمه بصورته.

وسيتم دفن مارادونا الخميس في مدفن عند أطراف العاصمة الأرجنتيننية. ويبقى حتى ذلك الوقت جثمان النجم الكبير مسجى في كاسا روسادا، القصر الرئاسي الأرجنتيني. وتتوافد الجموع لإلقاء النظرة الأخيرة على النعش المغطى بالعلم الأرجنتيني وبقميص يحمل الرقم 10.

ورغم كل الجدل الذي أثاره في حياته، يبقى مارادونا لأجيال عدة من الأرجنتينيين أحد رموز هويتهم.

فبعد أربع سنوات على حرب المالوين (1982)، سجل هدف الفوز في مواجهة منتخب إنكلترا الذي يعتبر من أجمل إن لم يكن أجمل هدف في تاريخ كرة القدم، بعد ذلك الذي سجله مستعينا بيده.

وقد أوصل الشعب الأرجنتيني إلى الذروة عندما رفع عاليا كأس العالم لكرة القدم في مكسيكو العام 1986.

وفي إشارة الى تلك المباراة التاريخية، يقول ماوريسيو باسادوره، أحد المعجبين بمارداونا، "نادرا ما شعرت بحياتي بالألم الذي يجتاحني اليوم، نادرا ما شعرت بفرح كالذي شعرت به في 29 حزيران/يونيو عندما لامسنا السماء بأيدينا، هذه السماء نفسها الملبدة اليوم والتي تدفعنا إلى البكاء".

وعبّر الأرجنتينيون عن ألمهم الكبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي أيضا. فقد لفت كثيرون إلى أنه "مات في اليوم نفسه الذي مات فيه فيدل كاسترو"، الزعيم الكوبي الذي توفي في 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2016. وكان مارادونا وكاسترو يتبادلان الإعجاب الكبير.

وسيكون لوفاة مارادونا في بلد شغوف بكرة القدم تأثير كبير على مزاج الأرجنتينيين الذين يعانون اليوم من جائحة كوفيد-19 ومن أزمة اقتصادية.

وكتبت إيزابيل بوينتي (70 عاما) "وجع جديد في العام 2020 المقيت".

وكتب معجب كبير تم تناقل نصه على حسابات لا تحصى، أن مارادونا كان "إلها ضالا قذرا وخاطئا. كان أكثر الآلهة قربا من البشر".