إيلاف من الرياض: تطمح لاعبة التايكواندو دنيا أبو طالب التي تعد أول سعودية على الإطلاق تتأهل للأولمبياد عبر التصفيات، إلى الظفر بالميدالية الذهبية في ألعاب باريس.

دنيا أصبحت حديث وسائل الإعلام الفرنسية، التي خصصت لها تقريراً يتحدث عن مشوارها الجدير بالتوقف أمامه، فهي فتاة قادمة من بعيد، ولكن طموحها بلا حدود، وهي تقف أمام عتبات التاريخ في حال حققت للسعودية ميدالية أولمبية، سوف تكون الأولى في تاريخ المملكة في عالم رياضة النساء.

ووفقاً لموقع "فرانس 24" و وكالة الأنباء الفرنسية فإن هذه البطلة التي تحظى بدعم واهتمام حكومي والتي بدأت مشوارها الرياضي مع الصبيان متنكرة حتى لا تظهر أنها فتاة، تجسد انفتاح المملكة وإفساحها الباب أمام النساء في عدة مجالات بما فيها الرياضة.

كانت السعودية دنيا أبو طالب مضطرة في بداياتها لممارسة التايكواندو مع الصبيان بسبب عدم السماح للنساء في هذا البلد المحافظ بممارسة الرياضة آنذاك.

أول بطلة تتأهل عبر التصفيات
إلا أن بطلة آسيا وأول سعودية على الإطلاق تتأهل للأولمبياد عبر التصفيات تحلم راهنا بالحصول على ذهبية أولمبية في باريس. ولو حققت الفتاة المحجبة السمراء هدفها، ستكون بذلك أول رياضية سعودية تحرز ميدالية على الإطلاق في الأولمبياد، بل ستبصم على الذهبية الأولى لبلادها.

إلا أن مشوار الفتاة صاحبة الابتسامة الواسعة التي تحظى حاليا بدعم واهتمام حكومي كبيرين وتنتشر صورها على اللافتات في الشوارع، بدأ مع الصبيان، في ظل عدم السماح للسعوديات بممارسة الرياضة حتى سنوات قليلة مضت.

البداية مع "الصبيان"
وقالت ابنة السابعة والعشرين بعد أن انتهت من حصة تدريبية مسائية في أبها في جنوب غرب المملكة: "بدأت التايكواندو حين كنت في الثامنة من عمري ولم يكن هناك دعم مثل الآن". واسترجعت البدايات الصعبة بابتسامة كبيرة: "كنت دائما ألعب مع الصبيان في مركز أولاد أصلا دون بنات. كنت ألبس ايسكاب (غطاء للرأس) لأغطي شعري حتى لا أظهر أنني بنت". وقالت الفتاة التي تنحدر من مدينة جدة الساحلية بتحد إن معاركة الرجال "ميّزتني وجعلتني قوية. أنا أحب التحدي".

البداية مع "وجدان"
جاءت أول مشاركة لرياضية سعودية في الأولمبياد عبر لاعبة الجودو وجدان شهرخاني خلال دورة لندن 2012 وعبر دعوة خاصة، لكنها خسرت بعد 82 ثانية فقط، فيما حلت سارة عطار أخيرة في تصفياتها ضمن سباق 800 م.

واستفادت أبو طالب الإصلاحات الاجتماعية فنالت دعما كبيرا من الاتحاد المحلي للعبة. وانطلقت اللاعبة الحائزة على إجازة في الحقوق والتي لم تمارس مهنة المحاماة بعد، لتحصد أول ذهبية على الإطلاق للاعبات السعوديات في البطولة العربية بالإمارات في شباط (فبراير) 2020.

ورغم إخفاقها في التأهل لأولمبياد طوكيو صيف 2021، تمكنت من تحقيق برونزية وزن 53 كلغ في بطولة آسيا 2022، وبرونزية وزن 49 كلغ ببطولة العالم في المكسيك في العام ذاته. وفي آذار (مارس) الفائت، باتت أبو طالب أول سعودية على الإطلاق تتأهل للأولمبياد عبر التصفيات، قبل أن تتوج بذهبية بطولة آسيا 2024، الأولى للتايكواندو السعودي على الإطلاق. نتائج سمحت لها بالصعود إلى المركز الرابع عالميا في وزن -53 كلغ.

وقرب لافتة كبير تحمل صورتها داخل صالة التايكواندو في أبها، قالت أبو طالب: "منذ البداية كنت أحلم بأن أكون بطلة للعالم وأشارك في الأولمبياد وأفوز بالذهب".

كلهم رجال
تاريخيا، اكتفى الرياضيون السعوديون بأربع ميداليات أولمبية: فضيتان وبرونزيتان، وكلّهم للرجال.

ورغم ممارستها لعبة فردية غير شعبية، نالت أبو طالب اهتماما حكوميا كبيرا يتوافق مع الاهتمام بالنساء أخيرا في المملكة. حيث استقطبت السعودية المدرب الروسي قربان بوغداييف، الذي قاد التونسي محمد الجندوبي لفضية أولمبياد طوكيو، للإشراف عليها منذ نهاية 2021.

أتت من بعيد
وأفاد بوغداييف: "المرّة الأولى التي رأيت فيها دنيا كان مستواها منخفضا ولكني رأيتها متحمسة للنمو وتحقيق إنجاز"، وبالطبع لم يكن يتوقع حينها تأهلها للأولمبياد. مشيدا بأنها "تتدرب بقوّة وتؤمن بنفسها دائما وتثق بما يمكنها فعله".

ونظم الاتحاد السعودي للتايكواندو في بداية حزيران (يونيو) دورة تدريبية في أبها استمرت 10 أيام وضمّت 24 لاعبا من 6 دول بينهم لاعبان تأهلا للأولمبياد من الغابون وفلسطين. ولنحو ساعتين أدّت أبو طالب تدريبات للياقة وأخرى قتالية، مرتدية خوذة رأس زرقاء ووسادة ركل متفادية برشاقة لافتة ضربات لاعبة روسية وأخرى من أوزبكستان.

البطل الأولمبي مشروع دولة
وقال رئيس اتحاد التايكواندو السعودي شداد العمري إن "إعداد بطل أولمبي يحتاج سنوات طويلة وهو مشروع دولة"، مشيرا إلى أن أبو طالب تطورت خلال فترة قصيرة من "لاعبة غير مصنّفة للاعبة قرب قمة التصنيف".

وبالنسبة لمدربها الروسي فإن أهم شيء قبل الأولمبياد هو "إعداد الصحة الذهنية والنفسية والسيطرة على الضغوطات"، مشيدا بـ"القوّة الذهنية" للاعبته.

وتدرك أبو طالب تماما هذه الضغوطات لكنها تصمم: "أنا مرتاحة" و"كل تركيزي في التدريب". كما قالت: "كأول امرأة سعودية تتأهل للأولمبياد وصلت لمرحلة قاتل أو مقتول. وصلت إلى مكان يجب أن أحقق فيه إنجازا". مضيفة بإصرار: "أدرك أن كل آمال السعوديين عليّ ... هذا شيء يُحفّز لكن يضغط على اللاعب. أعتقد أني بإذن الله سأحقق شيئا كبيرا".