الرباط: كان السقاؤون في المغرب يمتهنون سقاية مياه الشرب وكل ما يتطلبه استعمال الماء قبل أن تحكم عليهم شبكات تعميم التوزيع واستعمال الصنابير بالانقراض أو ما أشبهه ويصبحوا طوع يد سائح يعشق جمع الصور.


كان السقاؤون ويسمون في المغرب quot;الكرابةquot; نسبة الى القربة التي يتأبّطونها لا يتقاضون أجرة أو راتبا بل كان الناس يكرمونهم كل بقدر ما استطاع وكانوا بذلك راضين مرددين عبارة أن quot;الماء لله ومن أعطى شيئا فهو للهquot;.


لم يكن بمقدور أي شخص ممارسة حرفة سقاية الماء في المغرب اذ كان يشترط في مهنة السقاء أن يكون من ذوي المروءة والأخلاق الرفيعة وأن يكون مضمونا وكان الضامن وهو عادة أحد أعيان المنطقة لا يضمن من طلب ضمانته الا اذا وثق أخلاقه وسلوكه وخبر ظروفه وأحواله.

ويعد الضامن بطاقة الهوية ولأن الضمانة تعتبر جواز مرور السقاء الى داخل البيت حيث يسكن النساء وحيث الحاجة الى الماء في المطبخ والحمام.
قام السقاؤون الى جانب ذلك بأعمال quot;الكلفةquot; وهي بناء الرياض والقصور والبيوت الكبيرة لرجال السلطة والأعيان دون أجر، مقابل اقامة ولائم للسقائين تحوي لذيذ الشرب والطعام.


يذكر محمد أبو الدين سقاء (82 سنة) من الزمن القديم في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) كيف كان أعيان المدن يجمعون السقائين بمناسبة أو من غير مناسبة لإكرامهم تبركا بدعواتهم للخير والبركة واليسر وتميز الملوك المغاربة بهذه العادة وقد عاشها هو نفسه مع الملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني.
ويقول أبو الدين quot;ان السقائين كانوا يأكلون حتى في المطاعم الشعبية ولا يؤدون عرفانا بأدوارهم وبقناعتهمquot; مشيرا الى أن أحوال الدنيا تغيرت وتبدلت فيها القناعة بالطمع والجشع وأصبح لكل شيء ثمن ولم يعد من حق quot;الكرابquot; إرواء عطش الناس بماء الله مجانا.

- وكان السقاؤون في المغرب ينتعلون quot;بومنتلquot; وهو خف مصنوع من المطاط الأسود ويرتدون quot;الحنديرةquot; وهي دشداشة يستقدمونها من منطقة زايان في الأطلس المتوسط تصنع من الصوف ويضعون على رؤوسهم قبعة شمالية (من شمال المغرب) تدعى quot;ترازةquot; ويحملون ناقوسا مربوطا الى أحزمتهم بسلسلة نحاس وطاسات أي جفنات من نحاس quot;حياتيquot; وهو نوع من صفحات النحاس الخالص المقوى الأصفر الصقيل.


وكانوا يتأبطون قربة من جلد الماعز تصنع بمهارة بعد أن يكون القصاب سلخ ذبيحة الماعز سلخا متقنا محكما ثم يتم دبغها بالملح ومادة الدباغ ونشرها للشمس ورتقها من جهة الكراع الأمامية وجهة البطن وكذلك يتأبطون من جهة الكتف الأيسر محفظة quot;اشكارةquot; تزيّنت بمسكوكات النقود المغربية القديمة أو مسكوكات النحاس الأحمر من العملات الأجنبية.


أما اليوم فقد حافظ السقاؤون على اللباس والزي الذي أصبح في متحف الزمان كساء فلكلوريا وفقدوا الوظيفة.
وصارت تلتقطهم عدسات السياح وزوار المدن يطوفون بقرابهم فارغة يدقون نواقيسهم يلفتون الى هيئاتهم الأنيقة بالألوان الفاقعة الزاهية علهم يظفرون بصورة تدر عليهم بعض الدريهمات.


غير أن السقائين يسترجعون أدوارهم في الأعراس التي تبدي البذخ وتقام بمناسبة عقد القران أو العقيقة أو الختان حيث يقومون بسقاية المدعوين الى الحفل بالماء المعدني والثلج البارد المنسم بحضور متميز وسط القاعات التي يكون كل شيء فيها حديثا وعصريا سوى منظر quot;الكرابةquot; وهم يجولون بين الموائد يدندنون بالنواقيس التي تستثير الظمأ.
وقال السقاء عبد الرحيم أراوي الذي كان يعمل سقاء في (ساحة جامع الفنا) في مدينة مراكش في تصريح ل(كونا) ان حرفة السقاية ليست في انقراض بل فقط غيرت جلبابها ولبست لبوسا سياحيا مؤكدا أن الناس ما زالوا يروون عطشهم من ماء quot;الكرابquot; لاسيما في مواسم القيظ غير أن أهمية السقائين في المجتمع لم تعد كما كانت في الماضي.
وأوضح أن مداخيل السقائين ارتفعت لأن أدوارهم تعددت ضمن حاجة السياحة اليهم لافتا الى وجودهم المكثف في البطاقات السياحية والمجلات الدولية والصحف العالمية التي تعنى بالسياحة في المغرب وكذلك في السينما والتلفزيون.

وقال ان الناس يطفئون لظى أجوافهم بالماء في كل حين ولا يتلذذون وقد يشربون الماء من كل نبع وعين ولكنهم quot;عندما يشربون من قربة الكراب يكتشفون أن الماء ليس مثل الماء وأن ما تبلله جفنة ترويه من يدنا جرعةquot;.

وأكد تهافت الكثير من السياح الأجانب على منتوج سقائي الماء في المواقع السياحية للمدن المغربية لأنهم يدركون أنهم يشربون من التاريخ ويعبون من الحضارة.