حسن اباد (Pakistan): مع بزوغ الفجر فوق قرية حسن اباد الجبلية الباكستانية، يكسر صوت انهيار مدوّ الصمت السائد في المنطقة وتتدفق سيول من النهر الجليدي الذائب المجاور تليها سحابة كثيفة.

وأدى الفيضان الذي حصل في أيار/مايو نتيجة موجة حرّ اجتاحت جنوب آسيا، إلى جرف تسعة منازل في القرية وألحق أضراراً بستة بيوت أخرى. وجرفت المياه كذلك محطتين صغيرتين للطاقة المائية وجسراً يربط القرية النائية بالمناطق الأخرى.

وتضم باكستان أكثر من سبعة آلاف نهر جليدي، ما يجعلها أكثر بلد يحوي هذه الكتل الجليدية الضخمة، باستثناء القطبين الشمالي والجنوبي.

الأنهر الجليدية

ويتسبب ارتفاع درجات الحرارة في العالم المرتبط بظاهرة التغير المناخي في ذوبان الأنهر الجليدية بسرعة، ما يؤدي إلى تكوين آلاف البحيرات الجليدية.

وكانت الحكومة حذّرت من أنّ 33 من البحيرات التي تكونت في سلاسل جبال الهيمالايا وهندوكوش وقراقرم، معرضة لخطر انفجار كتلات جليدية وتدفق ملايين أمتار مكعبة من المياه والأنقاض في غضون ساعات قليلة، على غرار ما حصل في حسن اباد.

وكانت الحكومة الباكستانية أوضحت أنّ ما لا يقل عن 16 فيضاناً جليدياً مماثلاً سُجّل حتى الآن هذه السنة بسبب موجات الحر التي طالت البلاد، بينما يُسجّل سنوياً بين خمسة إلى ستة فيضانات في المتوسط.

وتتسبب هذه الفيضانات بأضرار يعصب على السكان التعافي منها.

وتُعتبر باكستان ثامن أكثر الدول عرضة للظواهر المناخية الشديدة الناجمة عن التغير المناخي، بحسب مؤشر المخاطر المناخية الذي أعدته المنظمة البيئية غير الحكومية "جيرمن ووتش".

وكانت باكستان شهدت بشكل متزايد موجات حر أكثر سخونة من سابقاتها، إذ وصلت درجات الحرارة هذه السنة فيها إلى 50 درجة مئوية.

وأدت الفيضانات وفترات الجفاف اللتان سُجلتا خلال السنوات الأخيرة إلى نزوح أو مقتل آلاف الأشخاص، بالإضافة إلى تدميرهما موارد رزق السكان وإلحاقهما أضراراً في البنية التحتية للمنطقة.

ويشير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أنّ النقص في المعلومات حول التغيرات الحاصلة في الأنهر الجليدية الباكستانية يجعل التنبؤ بالكوارث الناجمة عنها مهمة صعبة.

ورغم أن قرية حسن اباد مجهزة بنظام إنذار يشمل كاميرات تراقب تدفق المياه في البحيرات الجليدية، إلا أن القرويين اعتقدوا أنهم يعيشون على ارتفاع يجعلهم بمنأى عن الكوارث، على ما يؤكد مسؤولون محليون.

وتعتمد المجتمعات الجبلية على المواشي والمزارع والسياحة لكسب لقمة عيشها، إلا أن التغير المناخي يهدد هذه الوسائل كلها.

وتقول زاهدة شير، وهي باحثة في منظمة محلية غير حكومية متخصصة في التنمية إنّ "اقتصادنا يعتمد على الزراعة ولا قدرة للسكان على الرحيل من القرية".

ويشير صديق الله بيغ، وهو خبير في إدارة مخاطر الكوارث في المنطقة الشمالية، لوكالة فرانس برس إلى أن نحو سبعة ملايين شخص معرضون لكوارث مماثلة، لكن كثيرين منهم لا يدركون خطورة التهديد، إذ لا يزالون يبنون منازل في مناطق صُنّفت خطرة.

وتقع شمال حسن آباد قرية باسو الصغيرة التي خسرت حتى اليوم 70% من سكانها ومساحتها بعد تعرضها للفيضانات والتآكل الطبيعي لنهرها.

وتقع القرية بين النهر الجليدي الأبيض في الجنوب ونهر باتورا الجليدي في الشمال ونهر هنزه في الشرق. وأُطلق على هذه العناصر الطبيعية الثلاثة اسم "التنانين" بسبب قوتها التدميرية.

ويقول الباحث المحلي علي قربان موغاني إن "قرية باسو تقع في أفواه هذه التنانين الثلاثة".

وتتولى مجموعة من العمال أثناء تحدث موغاني بناء جدار خرساني وقائي على ضفة النهر، في محاولة لحماية القرية من خطر انجراف المياه.

واقترض كامران إقبال 500 الف روبية (نحو 2400 دولار) من منظمة غير حكومية محلية ليستثمرها في إنشاء مكان مخصص للسياح، إذ أصبحت المنطقة بفضل جمال الأنهار الجليدية إحدى أفضل الوجهات السياحية في باكستان.

وكان عمل إقبال يشهد ازدهاراً حتى جرف فيضان مفاجئ سُجّل السنة الفائتة استثماره.

الغازات الدفيئة

وتؤكد باكستان التي تضم أكثر من 220 مليون شخص أنها مسؤولة عن أقل من 1% من غازات الدفيئة المنبعثة في العالم.

ورغم ذلك، يتأثر هذا البلد بشكل كبير بآثار التغير المناخي لاعتماده على الزراعة والموارد الطبيعية اللتين تتأثران بالظواهر المناخية.

ويقول أمان الله خان (60 سنة) المقيم في باسو "لا مصانع أو مؤسسات في هذه المنطقة تتسبب بالتلوث... لدينا بيئة نظيفة"، مضيفاً "لكننا الأكثر تأثراً بالتهديدات الناجمة عن التغير المناخي".