يزداد اتجاه أنظار تركيا يومًا بعد يوم نحو الشرق الأوسط في نهج دبلوماسي يعزز وضعها الأقليمي ويشجع تنمية مبادلاتها التجارية لكنه يثير تساؤلات بشأن توجهات هذا العضو المسلم الرئيس في حلف شمال الأطلسي على المدى البعيد.

أنقرة: توجه رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان الى سوريا للمرة الثانية في غضون ستة أشهر. فيما استقبل الرئيس عبد الله غول مؤخرا نظيره المصري حسني مبارك بعد زيارة للاردن. وتعكس هذه الزيارات المتعددة لدول منطقة الشرق الاوسط رغبة الحكومة التركية المحافظة المنبثقة عن التيار الاسلامي في فرض نفسها كقوة مؤثرة في منطقة خضعت طويلاً للهيمنة العثمانية معززة خاصة العلاقات مع إيران وسوريا بعد سنوات من العداء.

ويترافق الاهتمام بهذه المنطقة مع شعور باحباط متزايد لدى انقرة من معارضة اعضاء رئيسيين في الاتحاد الاوروبي لانضمام تركيا اليه. واثار التعاطف الذي ابداه اردوغان وخاصة حيال الرئيس الإيراني في الملف النووي او الرئيس السوداني دهشة الكثيرين في الغرب. وفي ما يتعلق بالرئيس السوداني عمر البشير، المتهم بارتكاب جرائم حرب في دارفور، قال اردوغان quot;لا يمكن لاي مسلم ارتكاب جريمة ابادةquot;.

الا ان تركيا اكدت ان سياسة اليد الممدودة في الشرق الاوسط ليس من شانها سوى زيادة اهميتها الاستراتيجية في نظر الاوروبيين. ونفت ان تكون مهتمة فقط بالدول الاسلامية مذكرة بانها دخلت عملية مصالحة مع ارمينيا. وقال سيدات لاتشينر الخبير في مركز الدراسات quot;ثينك-تانكquot; ان quot;تركيا توسع دبلوماسيتها، لكنها لم تغير اتجاه الدفةquot;.

واضاف ساخرًا quot;ربما يجب عليها تحسين علاقاتها مع دول اكثر قبولا لكن جيرانها هم سوريا وإيران وليس فرنسا او المانياquot;. ويشعر وزير الخارجية احمد داود اوغلو، مهندس استراتيجية انهاء كل المشاكل مع جيران تركيا التي يطلق عليها quot;صفر مشاكلquot; وصفه بدبلوماسي quot;العثمانية الجديدةquot; الذي يطلقه عليه البعض. ويقول ان تركيا ليس لها اطماع مهيمنة لكنها تسعى الى الثقة المتبادلة وتشجيع المبادلات وتسهم في تحقيق الاستقرار في منطقة تمزقها النزاعات.

هذا ما تؤكده الارقام حيث ارتفع حجم الصادرات التركية الى الدول الاسلامية من 24% من اجمالي صادراتها عام 2006 الى 28% عام 2008. كما وقعت انقرة اتفاقات لالغاء تاشيرات الدخول مع بعض هذه الدول. وتقوم تركيا بوساطة في الخلافات القائمة بين سوريا وبين العراق والمملكة العربية السعودية كما ساعدت الغرب في نزاعه مع إيران ونظمت مفاوضات غير مباشرة بين اسرائيل وسوريا.

الا ان الهجوم العسكري الاسرائيلي على قطاع غزة الشتاء الماضي وضع حدا لدورها كوسيط بين سوريا واسرائيل والقى بظلاله على التحالف الاسرائيلي التركي. ففي تشرين الاول/اكتوبر الماضي استبعدت انقرة بصورة مفاجئة الطيران الاسرائيلي من مناورات في تركيا. كما قلل اردوغان من شان تهديد نووي إيراني محتمل موجها اصبع الاتهام الى اسرائيل البلد الوحيد في المنطقة الذي يملك، وفقا للخبراء، ترسانة نووية.

واعطى هذا الطرح ذرائع للذين يؤكدون ان الوفاء للقضية الاسلامية يشكل رؤية اردوغان وحزبه العدالة والتنمية المنبثق عن التيار الاسلامي. وقال سونر جغبتاي الباحث في مركز واشنطن انستيتيوت في مقال نشر مؤخرًا ان quot;الابتعاد عن الغرب هو اكبر تغير في سياسة تركيا الخارجية منذ الحرب الباردةquot;. واضاف quot;من الطبيعي ان يكون لحزب العدالة والتنمية شعور بالتعاطف مع المسلمين لكن لدينا انطباعًا بانه ينحاز الى صف انظمة اسلامية معادية بشدة للغربquot;.