عمر فاروق عبد المطلب |
تستمر حالة الصدمة في المطارات الأميركية والأوروبية إثر محاولة النيجيري عمر فاروق عبد المطلب تفجير الطائرة المتجهة من أمستردام إلى ديترويت، إلا أن هذا الشاب الذي أعلن عن إرتباطه بتنظيم القاعدة فرع اليمن، لم يكن دومًا من متبعي النظرة الراديكالية للإسلام ولم يكن عدوًّا للغرب فيما مضى. فمن هو عمر فاروق عبد المطلب؟ وما الذي دفعه إلى القيام بهذا العمل الإرهابي؟
نشأ الطالب النيجيري عمر فاروق عبد المطلب محاطًا بامتيازات استثنائية، شاب مسلم من شمال نيجيريا درس في لندن، هو ابن مصرفي نيجيري ثري (70 عامًا) الوزير السابق والشخصية المعروفة في نيجيريا، ارسله الى ارقى المدارس الدولية، وزار الولايات المتحدة من قبل، لكن ذويه يقولون ان عمر عبد المطلب اصبح في وقت ما خلال هذا العام عدوًّا للغرب. وتشير صحيفة quot;واشنطن بوستquot; في تقرير لها الى ان الطالب عبد المطلب (23 عامًا) الذي عاش في لندن ودبي اثار قلق عائلته باعتماده نظرة راديكالية الى الاسلام، وقبل اشهر نبذ نمط حياته الغربي وقطع علاقاته مع والديه واختفى عن الانظار، وظن عدد من افراد عائلته انه توجه الى اليمن موطن والدته الأصلي.
يقول عمر عبد المطلب الذي كان رئيس مجلس ادارة مصرف quot;فيرست بنك اوف نيجيرياquot; حتى تقاعده في منتصف كانون الاول/ديسمبر، متحدثًا لوكالة فرانس برس انه والد الشاب الذي وجهت اليه التهمة في الولايات المتحدة بمحاولة تفجير طائرة اميركية قادمة من امستردام قبيل هبوطها في ديترويت شمال الولايات المتحدة، ويشير عبد المطلب الى انه تلقى اتصالات quot;من مختلف انحاء العالم حول ابني الذي اوقف بتهمة محاولة تفجير طائرةquot;، معربًا عن quot;صدمته الشديدةquot;.
يوم الجمعة الماضي ظهر عمر عبد المطلب من جديد عندما اعتقلته السلطات الاميركية للاشتباه بمحاولته تفجير عبوة ناسفة اخفاها في ملابسه على متن طائرة مليئة بالمسافرين، وقال الشاب النيجيري للمحققين انه اراد تفجير الطائرة بإسم الفرع اليمني لتنظيم quot;القاعدةquot; الذي دعا اتباعه قبل شهرين الى قتل quot;المرتدينquot; والغربيين بكل الوسائل، بما في ذلك استخدام متفجرات من صنع يدوي داخل طائرات.
توجيه التهمة إلى شاب نيجيري بمحاولة تفجير طائرة أميركية |
ما زال التحقيق جاريًا لمعرفة عمق العلاقة التي تربط عبد المطلب بالجماعة ولكن مسؤولين في اجهزة مكافحة الارهاب الاميركية قالوا يوم السبت ان المتهم يبدو مهيأ ومندفعا بما فيه الكفاية لتنفيذ هجوم مميت، وكانت لديه افضلية الوصول الى اهداف اميركية واوروبية بسبب ثقافته الغربية واتقانه اللغة الانكليزية، التي يتكلمها بطلاقة، وحصوله على تأشيرة متعددة السفرات الى الولايات المتحدة.
ونقلت quot;واشنطن بوستquot; عن مصدر اميركي ان طريقة المتهم عمر عبد المطلب تفجير بضعة غرامات من مادة quot;بي إي اي انquot; العسكرية القوية أو بنتيريثرينول المخفية على جسمه، شبيهة بالتكتيك الذي استخدمه انتحاري آخر أُجهضت محاولته كان يرتبط بعلاقة مع الفرع اليمني لتنظيم القاعدة. ففي آب/اغسطس حاول عبد الله حسن طالع عسيري اغتيال احد افراد الأسرة المالكة السعودية باستخدام مادة quot;بي إي ان تيquot; اخفاها في ملابسه الداخلية، بحسب الخبير في الارهاب بيتر بيرغن، نقلا عن مصدر سعودي. وكان عسيري دخل الاراضي السعودية قادما من اليمن ومر بنقطتي تفتيش امنيتين قبل ان يفجر نفسه على بعد اقل من متر عن الأمير محمد بن نايف قائد عمليات مكافحة الارهاب في المملكة الذي نجا بإصابات طفيفة.
ستمتد التحقيقات في قضية عمر عبد المطلب لتشمل اصدقاءه واقاربه في نيجيريا ولندن. وتحدث بعض افراد عائلته علنا معبرين عن حزنهم لاعتقال عبد المطلب لكنهم اوضحوا ان اعتقاله لم يفاجئهم.
يؤكد والد عمر عبد المطلب في مقابلات صحافية انه نبه مسؤولين نيجيريين وآخرين في السفارة الاميركية منذ ستة أشهر الى آراء ابنه المتطرفة بصورة متزايدة وسلوكه الغريب، وانه استغرب عندما علم بالسماح لولده الشاب بالسفر الى الولايات المتحدة.
وقال الحاج عبد المطلب في مقابلة مع quot;اسوشيتد برسquot; انه اعرب عن اعتقاده بأن ابنه ربما زار اليمن في الأشهر التي اعقبت قطع علاقاته بالعائلة، ونقلت صحيفة quot;ذيس دايquot; النيجيرية عن اقارب ان العائلة كانت تنظر بعدم ارتياح الى آراء الفتى الدينية المتطرفة، الأمر الذي دفعها الى تنبيه المسؤولين في الأجهزة الأمنية.
إلا ان عمر الفاروق عبد المطلب حصل على تأشيرة الدخول الى الولايات المتحدة في حزيران/يونيو 2008 في وقت quot;لم تكن هناك معلومات محددةquot; بشأنه، وكان مدرجًا منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2009 على قاعدة بيانات رسمية كبيرة تضم 550 الف شخص يمكن ان يكونوا على ارتباط ما بالارهاب، غير انه لم يكن على قائمة من اربعة الاف شخص يحظر سفرهم الى الولايات المتحدة.
ويؤكد مسؤول اميركي ان تحذير الأب لم يقع على آذان صماء، واضاف المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه quot;اننا لم نكتف بتلقي المعلومة بل جرى تداولها عبر الدوائر ذات العلاقةquot;، في اشارة الى مجموعة الأجهزة الأمنية المكلفة بمنع الهجمات الارهابية.
انتقل عمر عبد المطلب الى دبي لمواصلة دراسته فيها واعلن خلال وجوده في الامارة قطع علاقته مع العائلة والانتقال الى مكان حيث لا يمكن الاتصال به، بحسب اقوال افراد من العائلة. ولا يمكن التوثق من مصادر مستقلة بشأن الطريقة التي اتصل بها عبد المطلب مع عناصر تنظيم quot;القاعدةquot; أو ما إذا حدث مثل هذا الاتصال. ولكن عضو لجنة شؤون الاستخبارات في مجلس النواب الاميركي عن الحزب الجمهوري بيتر هوكسترا قال ان مصادر موثوقة ابلغته ان الحكومة الاميركية كانت تعرف ان عمر عبد المطلب quot;له علاقة بتنظيم القاعدةquot; منذ شهرين على الأقل، وربما quot;حتى منذ عامينquot;.
واضاف عضو الكونغرس هوكسترا ان المصادر نقلت اليه ان للمتهم علاقات مع اليمن وتربطه quot;على الارجحquot; صلات مع انور العولقي، رجل الدين المتطرف الذي كان امام مساجد في الولايات المتحدة والتقى عددا من خاطفي الطائرات التي استخدمت في هجمات 11 ايلول/سبتمبر 2001 قبل تنفيذها. وانتقل العولقي وهو مواطن اميركي، الى اليمن بعد اشهر قليلة على الهجمات ولعله قُتل في ضربة جوية نفذتها قوات الحكومة اليمنية الاسبوع الماضي بمساعدة اميركية.
قال هوكسترا انه جرى التعرف على عمر عبد المطلب بوصفه quot;ارهابيا محتملا فوُضع على قائمة الخاضعين للمراقبةquot;. وكان هوكسترا ترأس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الاميركي من 2004 الى 2006 وترشح الآن لمنصب حاكم ولاية مشيغان.
وقال مسؤولون اميركيون يوم السبت ان عمر عبد المطلب أُضيف الى القاعدة البيانية العامة ضد الارهاب ولكنه لم يُدرج في القوائم الأكثر تخصّصًا التي كانت ستمنعه من الحصول على تأشيرة دخول أو ركوب طائرة مدنية الى الولايات المتحدة.
وقال هوكسترا ان عبد المطالب على ما يبدو سافر الى اليمن وربما اتصل بالعولقي، واضاف ان هاتين الواقعتين كان ينبغي ان تكونا ناقوس انذار quot;والظاهر ان العملية تعطلت في مكان ما على الطريقquot;. وقال مسؤولون اميركيون في مجال مكافحة الارهاب انهم لا يستطيعون ان يؤكدوا وجود علاقات تربط بين عبد المطلب والعولقي.
وكانت قدأعلنت وزيرة الاعلام النيجيرية دورا اكونييلي الاحد ان النيجيري الذي حاول تفجير الطائرة الاميركية وصل الى نيجيريا وغادرها في 24 كانون الاول/ديسمبر. وقالت الوزيرة في مؤتمر صحافي ان quot;الرجل المشار اليه يعيش خارج البلاد منذ وقت. وقد دخل نيجيريا في 24 كانون الاول/ديسمبر وغادرها في اليوم نفسهquot;، واضافت quot;تعمل الاجهزة الامنية يدا بيد مع الاجهزة الامنية الدولية حول هذا الموضوعquot;، من دون مزيد من الايضاح حول هذه الاجهزة الدولية.
مسؤولون في كلية لندن الجامعية أعلنوا في بيان يوم السبت ان طالبا اسمه عمر فاروق عبد المطلب سجل في قسم الهندسة الميكانيكية خلال الفترة الواقعة بين ايلول/سبتمبر 2005 وحزيران/يونيو 2008. وشوهد في اليوم نفسه افراد من الشرطة البريطانية وخبراء عدليون يدخلون ويخرجون من قصر عبد المطلب ذي الطوابق السبعة حيث عاش المتهم خلال ايام دراسته في بريطانيا. ويقع القصر شمالي شارع اوكسفورد المزدحم بالمتاجر والمتسوقين وسط لندن، وقيل ان سعر المبنى قُدر بأكثر من اربعة ملايين دولار، بحسب واشنطن بوست.
وبحسب مايكل ريمر احد اساتذة المتهم السابقين في المدرسة البريطانية الدولية في لوميه بتوغو، فإنَّ الشاب كان يؤيد نظام طالبان الحاكم في كابول قبيل اجتياح الجيش الاميركي افغانستان عام 2001 في وقت كان فتى. لكنه قال رغم ذلك للـquot;بي بي سيquot; ان عبد المطلب كان quot;ما يحلم به اي استاذ، كان مواظبًا على العمل، متحمّسًا، لامعًا جدًّا وشديد التهذيبquot;. ودرس الشاب بعدها الهندسة في جامعة quot;يونيفرسيتي كولدجquot; في لندن بين 2005 و2008.
في المقابل، كانت بريطانيا رفضت منح الشاب الذي اكد لمكتب التحقيقات الفدرالي الاميركي (اف بي اي) ارتباطه بتنظيم القاعدة، تاشيرة دخول طلابية في ايار/مايو نظرا الى الطابع المريب للمؤسسة التي اعلن انه يعتزم الالتحاق بها، وفق ما افاد مصدر حكومي في لندن.
ويقيم والده الذي سبق وتولى وزارة التنمية الاقتصادية واعادة الاعمار، بين مدينة فونتوا مسقط راسه في ولاية كاتسينا (شمال) وكادونا عاصمة الولاية التي تحمل الاسم نفسه في شمال البلاد، بحسب جيران له في كادونا إلتقتهم وكالة فرانس برس.
وقال الجيران ان عمر الفاروق عبد المطلب كان احد اولاد المصرفي الستة عشر من زوجته الثانية. وبحسب صحيفة quot;ذيس دايquot;، فإنَّ عائلة عبد المطلب تملك مسكنا في وسط لندن حيث درس الشاب الهندسة في جامعة يونيفرسيتي كولدج قبل الانتقال بحسب الصحيفة الى مصر ثم دبي من حيث ابلغ عائلته بانه يريد قطع روابطه معها.
واكدت السلطات الهولندية ان الشاب المسلم توجه من لاغوس عاصمة نيجيريا المالية، الى امستردام قبل ان يصعد على متن الطائرة المتوجهة الى ديترويت حاملاً تأشيرة دخول
اميركية صالحة.
وكانت شركة نورثوست ايرلاينز قد أرسلت قبل الاقلاع طبقًا للاجراءات الاعتيادية المتبعة قائمة الركاب وبياناتهم الشخصية ومن ضمنها بيانات المتهم الى السلطات الاميركية التي اعطت موافقتها على الاقلاع، بحسب ما افادت اجهزة المنسق الوطني لمكافحة الارهاب في هولندا. ومثل عمر الفاروق عبد المطلب الذي كان يحمل مادة شديدة الانفجار قد تكون مادة البنتريت، السبت امام قاضٍ اميركي ابلغه رسميًّا باللائحة الاتهامية الموجهة اليه.
إلا أنه وعلى الرغم من الحديث عن إنتماء عبد المطلب إلى تنظيم القاعدة، اعلنت وزيرة الداخلية الاميركية جانيت نابوليتانو الاحد انه ليس من الصواب بعد التكهن بوجود علاقة بين الشاب النيجيري المتهم بمحاولة تفجير طائرة اميركية، وتنظيم القاعدة.
وقالت نابوليتانو انه ليس هناك quot;اي مؤشرquot; على ان محاولة الهجوم الفاشلة التي قام بها الشاب النيجيري الجمعة على متن طائرة اميركية تشكل جزءا من مخطط quot;اوسعquot;. واكت الوزيرة الاميركية في مقابلة مع شبكة سي ان ان انه من المبكر quot;التكهنquot; بوجود علاقة بين عمر الفاروق عبد المطلب (23 عاما) وتنظيم القاعدة.
وردا على سؤال حوال امكانية حصول الشاب على مساندة لتنفيذ العملية اجابت نابوليتانو quot;في الوقت الراهن ليس لدينا اي مؤشر على اي امر اكبر، لكن التحقيق مستمرquot;. وعن علاقة عمر فاروق عبد المطلب بتنظيم القاعدة قالت الوزيرة quot;هذا جزء من التحقيق القضائي المستمر، واعتقد انه من غير المناسب التكهن الان بوجود علاقات كهذهquot;.
وكان مثل المتهم النيجير أمس السبت أمام قاض وجه إليه الاتهام رسميًّا في مستشفى ديترويت إلى حيث نقل المشتبه فيه، وتلا عليه البيان الاتهامي خلال جلسة استمرت عشرين دقيقة. ونقل الشاب النيجيري الى المستشفى لاصابته بحروق في ساقه عندما حاول اشعال مادة البنتريت الشديدة الانفجار التي كان يحملها لتفجير طائرة الايرباص ايه 330 التي كانت تقل 278 راكبًا وطاقمًا من 11 فردًا. وأفاد صحافيون أذن لهم بحضور الجلسة أنَّ الشاب كان مكبلاً بالاصفاد الى كرسي نقال وكان مضمد المعصمين واليدين.
نقل المتهم بمحاولة تفجير الطائرة الاميركية من المستشفى الى السجن
الى ذلك، اعلنت محامية عمر الفاروق عبد المطلب ان موكلها نقل الاحد من المستشفى حيث كان يتعالج الى السجن. وقالت المحامية ميريام سيفير للقناة السابعة في ديترويت ان موكلها الذي اصيب بحروق بالغة اثناء محاولته تفجير خليط من المتفجرات التي كانت بحوزته على متن طائرة ايرباص 330 اثناء رحلة بين امستردام وديترويت، نقل من المستشفى في آن اربور (ميتشيغان) الى السجن الفدرالي في ميلان الواقع على بعد حوالى 25 كلم الى الجنوب.
ومن المقرر ان تعقد محكمة ديترويت الاثنين جلسة استماع، لن يحضرها المتهم، للنظر في طلب تقدمت به السلطات الاميركية لاخضاع عبد المطلب لفحص الحمض النووي (دي ان ايه)، كما اوضحت وكيلة الدفاع. واشارت المحامية الى انه، وعلى ما يبدو، فان موكلها لم يسمح له بالاتصال باي كان، ولا حتى باسرته، منذ اعتقاله الجمعة.
التعليقات