أدى تألّق منتخب كرة القدم الجزائري إلى الإنخراط النسائي بمختلف فئاته العمرية في منظومة الكرة. ففي حين إعتبر بعضهم أن الظاهرة ليست إلا موضة رأى بعضهم الآخر أنها تحول اجتماعي.

الجزائر: ساهم التألق الكبير لمنتخب كرة القدم الجزائري في الأشهر الأخيرة، وتأهله المزدوج إلى كأسي إفريقيا والعالم، في بروز هوس واضح بالكرة بين بنات حواء في الجزائر، وتجلى هذا عبر اشتراك الصبايا كما السيدات وحتى العجزة في مختلف محافل الفرح والأسفار التي خاضها مقاتلو الصحراء خلال الفترة القليلة الماضية.

في حي باب الوادي الشهير وسط العاصمة الجزائرية، ووسط جمهرة من السيدات والآنسات، كانت السيدة ربيعة (52 عامًا) منهمكة في كيّ مجموعة من القمصان الخضراء والبيضاء، قالت إنّها أعدتها خصيصًا لتوزيعها مجانًا على صديقاتها وجاراتها، وتعلق هذه السيدة ذات الخمسة أبناء لـquot;إيلافquot;:quot;منذ انتصار الخضر بالجزائر ولوساكا وأم درمان، صرنا نتنفس الكرة وحسبquot;، وتنضم إليها جارتها نفيسة (49 عامًا) وهي تدير ورشة للخياطة: quot;انتصارات منتخب بلدي أعادتني إلى عشرينيات عمري، تذكرت عندما كنت في الـ25 أطلق الزغاريد ابتهاجًا بوصولنا إلى مونديال المكسيك سنة 1986quot;.

ليس بعيدًا وفي حي العقيد عميروش، لم تخفِ زهية (33 سنة) العاملة في مصرف عمومي، لـquot;إيلافquot; بأنّها صارت متتبّعة جيدة لكل ما يخص المنتخب الجزائري، وتقول ضاحكة: quot;أقتني كل صباح عددًا مهمًّا من الصحف المحلية، وأغتنم ساعات الراحة لأشبع نهمي مما يدور في فلك منتخبنا الوطنيquot;، وتضيف زهية أنّ اهتمامها الجديد بالكرة أتى ليلغي المسلسلات من أجندتها.

وعلى الرغم من النكسة التي مُني بها المنتخب الجزائري في أولى مقابلاته بكأس إفريقيا المُقامة حاليًّا بأنغولا، إلاّ أنّ صبيحة (27 سنة) التي ستزف بعد أسابيع، وصديقاتها كريمة، سعاد ولامية يصررن في تصريحات لـ quot;إيلافquot; على أنّ ذلك لا يعدو سوى quot;هفوةquot; سرعان ما سيتجاوزها زملاء النجم quot;كريم زيانيquot;، وتعلّق فريدة العاملة بمركز تكوين:quot;هل الخسارة ممنوعة علينا؟ أكبر المنتخبات العالمية تتكبد هزائم ثقيلةquot;.

من جانبهنّ، تشدّد كل من سليمة، منى، آمال وليندة وهنّ طالبات في كلية الحقوق، على أنّ أسعد مناسبة في حياتهنّ، يوم اقتطع محاربو الصحراء تذكرة العبور إلى العرس العالمي بجنوب إفريقيا، وتجمع الفتيات الثلاثة لـquot;إيلافquot; على أنّ الحي الجامعي الذي يسكنّ فيه أصبح أخضر وأحمر وأبيض على طول الخط، في إشارة إلى اكتساح ألوان العلم الجزائري لمحيطهنّ.

العجوزات حاضرات بقوة

بعدما شهدت مقابلة 18 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بين المنتخبين الجزائري والمصري حضورًا لافتًا لعدد من النساء المسنّات ممن لم تجدن حرجًا في التضحية وقطع آلاف الأميال لتشجيع أحفادهنّ، لم تنقطع هذه الطفرة بل اتسع مداها، حتى أنّ عبد الحق، سليمان وسعيد الذين التقيناهم في حي تليملي أعالي العاصمة، أكّدوا لـ quot;إيلافquot; أنّ جداتهم يعايشن بكل جوارحهنّ مقابلات الجزائر، ولا يكف حماسهنّ عن الإكثار من الدعوات بالنصر للمنتخب.

وتبرز كل من الحاجة زهور (66 سنة) والحاجة فطّة (75 عاما)، أنّ المنتخب الجزائري صار يسيطر على أحاديث الأعراس والمنتديات والمجالس النسائية، معتبرة أنّ الرياضة الأكثر شعبية في العالم لم ولن تستثني أي فئة، ومثلما تابعت مقابلات الكرة قبل ربع قرن، فإنّها مستمرة في ذلك لكن بحافز إضافي هو هذا الفرح الذي يصنعه الخضر منذ خريف العام 2008.
موضة أم تحوّل؟

برأي كثيرات، فإنّ هذا الانخراط النسائي المُعلن في منظومة الكرة صار quot;موضةquot;، فيما تذهب الأستاذة نورة جومان إلى أنّه يمثّل أكثر من ذلك، فهو علامة على تحوّل اجتماعي في بلد ظلّ من المستحيل رؤية فتاة واحدة تجلس في ملعب لكرة القدم، والآن صار التنافس محتدمًا بين جميلات الجزائر في من تشجّع منتخبها الوطني بطريقة أبهى وأحلى.

تقول شاهيناز وهي صاحبة محل مختص ببيع الألبسة النسائية، إنّ الظاهرة إجابية ولا يمكن حصرها في الجانب الظرفي، مشيرة إلى أنّ المجتمع الجزائري الذي طالما حُرم من الفرح خلال سنوات طويلة، وجد في انتصارات المنتخب الجزائري ضالته ومتنفسه.

بدورهنّ، تلاحظ فتيحة وزينب وجهيدة الموظفات بمؤسسة خاصة، أنّ النساء شقيقات الرجال، وما يهمّ هؤلاء يهمهنّ، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بأحداث عظيمة يصنعها جزائريون، في حين ترفض نزيهة وعبلة وابتسام حكاية الموضة، وتعلقنّ: quot;إن كانت موضة كما يقولون.. فما أحلاها من موضةquot;، وتشير الفتيات الثلاثة إلى أنّ التحوّل الحاصل قد يساعد على إنتاج تحولات من طراز أرقى وأكثر إنتعاشًا.