لم تفلح محاولات نتنياهو وزوجته، في ضمان ابتعاد سارة نتنياهو عن دائرة اهتمام الصحافة الإسرائيلية، أو محاولة تتبع خطواتها وزلاتها، ونشرت صحيفة يديعوت أحرنوت تقريرًا حول الطريقة التي تتعامل فيها سارة نتنياهو مع مدبري المنزل، وإجبار المدبرة الرئيسة على الاستحمام عدة مرات يوميًّا.

تل أبيب: بمعزل عن القضايا الإقليمية وبموازاة الكارثة الإنسانية في هايتي، تنشغل الأوساط الصحافية والسياسية في إسرائيل في حرب عشواء تدور رحاها هول سلوكيات عقيلة رئيس الحكومة الإسرائيلية، سارة نتنياهو، وتصرفاتها ومعاملتها للمساعدات ومدبرات شؤون منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. إذ حظيت سارة نتنياهو في الصحف الإسرائيلية في اليومين الماضيين باهتمام إعلامي لم يتوقف فقط عند أسلوبها في quot;إدارة شؤون بيتهاquot;، بل طالت القضية زوجها ومدى استقلاليته في اتخاذ القرار من جهة، وأشعل حربًا بين أقدم صحيفتين في إسرائيلي؛ يديعوت أحرونوت ومعاريف من جهة، وبين صحيفة الثري الأميركي، شلدون إيدلسون، المعروف بمواقفه اليمينيّة المتطرفة وتأييده المطلق لنتنياهو لدرجة دفعته إلى تأسيس صحيفة quot;يسرائيل هيومquot; وإدارتها من خارج إسرائيل، وهو ما جرّ مؤخرًا إلى انتقادات داخل الكنيست الإسرائيلي، ومبادرة عدد من أعضاء الكنيست إلى طرح مشروع قانون يحظر على من ليس مواطنًا في إسرائيل، أن يتملك صحيفة في إسرائيل.

ومع أن القضية أو العاصفة الجديدة كان يفترض فيها أن تنحصر في سارة نتنياهو وتعاملها quot;المهين والمذلquot; مع مدبرة بيت عائلة نتنياهو السابقة ليليان بيرتس، إلا أن التطورات كانت متسارعة لدرجة دعت صحيفة quot;يسرائيل هيومquot; إلى الطعن في دوافع صحيفة يديعوت أحرونوت في الكشف عن سلوك سارة نتنياهو والقول إن الهدف هو ضرب زوجها، من جهة، وضرب الصحيفة المنافسة quot;يسرائيل هيومquot; لأنها باتت تهدد هيمنة الصحيفتين الأخريين.

يديعوت أحرونوت تكشف عن ملف سارة ومدبرة البيت ليليان بيرتس

لم تفلح محاولات نتنياهو وزوجته، في ضمان ابتعاد سارة نتنياهو عن دائرة اهتمام الصحافة الإسرائيلية، أو محاولة تتبع خطواتها وزلاتها، بعد أن كان الاثنان ذاقا المر في ولاية نتنياهو الأولى (عام 1996-1998) بسبب هفوات زوجة نتنياهو لدرجة بدا فيها أن رئيس الحكومة الشاب وزوجته الشابة لا يقدران ولا يدركان حجم المسؤولية ولا المسؤوليات المترتبة على منصب رئيس حكومة في إسرائيل.

وقد فوجئ نتنياهو وزوجته في نهاية الأسبوع الماضي، بعد أن اعتقدا أنهما تمكنا في هذه الولاية من استخلاص العبر من الدورة السابقة، بصحيفة يديعوت أحرونوت تصدر في عدد الجمعة بعنوان صارخ يتهم زوجة نتنياهو بالتنكيل بمدبرة البيت، ليليان بيرتس، وبأن ليليان رفعت دعوى قضائية تطالب بتعويضات مالية عما وصفته بالدعوى quot;بتنكيل زوجة رئيس الحكومة بها، وبتوظيفها في شروط غير إنسانية ومهينةquot;.

وأسهبت الصحيفة في ذكر quot;مثالبquot; السيدة نتنياهو في بيتها، مثل إصرارها على أن تنادي عليها مدبرة البيت بلقب السيدة سارة نتنياهو، واتهام المدبرة بدفع راتب دون الحد الأدنى من الأجور الذي ينص عليه القانون. وادعت بيرتس في الدعوى المقدمة أن سارة نتنياهو كانت تلزمها بالاستحمام أكثر من مرة في اليوم الواحد. وبحسب لائحة الدعوى المقدمة لمحكمة العمل اللوائية، فإنّ سارة نتنياهو ألزمت المدعية بشراء أربعة أطقم من الملابس للعمل: طقم خاص لتنظيف الغرف، وطقم لتنظيف المراحيض، وطقم لأعمال المطبخ وآخر لغسيل وكي الملابس.

وتدعي ليليان بيرتس أن أي خطأ أو خروج عن المقاييس التي حددتها سارة نتنياهو كان يجر عليها سيلا من الصراخ والنظرات الغاضبة من السيدة نتنياهو. وتحكي ليليان في كتاب الدعوى، أن زوجة نتنياهو ألزمتها العمل لساعات طويلة، وأنها في إحدى المرات استدعتها عشية عيد الفصح اليهودي، بحجة غسل ملابس نجلها أفنير وكي قمصان لنتنياهو استعداد لمناسبة مهمّة.

عائلة نتنياهو تتهم أوساط سياسية وصحافية في الوقوف وراء القضية

في المقابل وردًّا على ما نشرته يديعوت أحرونوت، ثم تناقلته باقي الصحف الأخرى، التي استذكر بعضها قصص من الماضي، ردت أسرة نتنياهو ومكتب رئيس الحكومة، بنفي كل التهم والادعاءات. وقال مقربون من نتنياهو إن القضية كلها مزيفة وعارية عن الصحة. وزادت الصحف على هذا الرد بالنقل عن أن الجو السائد في محيط نتنياهو بأن quot;هناك جهات وعناصر قوية وقاسية تتحرك وراء الكواليس وتحرك هذه القضية، وهي جهات تمسك بالخيوط كلها، وتحاول استغلال طيبة وسذاجة مدبرة شؤون منزل نتنياهو السابقة لتحقيق غايات سياسية .

وقال بيان رسمي صدر عن ديوان نتنياهو: quot; يؤسفنا أن أن هناك جهات ولأسباب سياسية وذات مصالح تنكل بعقيلة رئيس الوزراء، وهي أخصائية نفسية تعمل مع الأطفال في سلك خدمات الدولة وأم لأبناء شبان، كل ما يهمها هو أن تواصل حياتها الأسرية والمهنية بهدوء وتواضعquot;.

وأكدت أسرة نتنياهو في سعيها لدحض الاتهامات ضد سارة نتنياهو أن مديرة البيت، ليليان بيرتس كانت مسؤولة عن شؤون بيت الأسرة في قيساريا، حيث لم يصل أفراد العائلة إلى هذا البيت إلا في نهايات الأسبوع. وبالتالي فإن الاحتكاك مع بيرتس كان قليلاً. وزيادة على ذلك تحدثت أسرة نتنياهو عن علاقة طيبة بل وممتازة مع مدبرة البيت واستشهدوا بقيام نتنياهو وزوجته بحضور طقوس quot;البلوغquot; لابنة ليليان بيرتس وتعزيتها في بيتها، بل ودعوتها كضيفة وليس كعاملة في مناسبات اجتماعية مختلفة، عدا عن قيام ليليان بيرتس بشراء هدايا للسيدة نتنياهو. وادعى الزوجان نتنياهو أن بيرتس كانت تظهر محبة خاصة للسيدة نتنياهو وأنها دأبت على تسميتها بأمي الحبيبةquot; ونشر ديوان نتنياهو صورة عائلية تظهر نتنياهو وزوجته مع مدبرة المنزل في إحدى المناسبات الاجتماعية.

حرب بين النخب السياسية والثقافية

لكن اللافت في القضية الجدية، لسارة نتياهو ومدبرة شؤون منزلها، أنها لم تقف عند حد نزاع بين مشغل ومدبرة بيت، فكما هو الحال في إسرائيل، فقد امتد النقاش حول القضية ولم يتوقف عن نشر التفاصيل الخاصة بالملف بل تعدى ذلك إلى تساؤلات حول أهلية نتنياهو للحكم، وإلى الخوض في حرب النخب المعادية لنتنياهو لأنه quot;سرقquot; من النخب التقليدية ( اليسار الإسرائيلي) الدولة بعد فوزه في تشكيل الحكومة.

فقد أنشأ الصحافي والمحلل السياسي في معاريف بن كاسبيت، الأحد مقالا تحت عنوان quot; quot;الحقيقة المقلقة عن نتنياهوquot; ذهب فيه على القول إن نتنياهو وزوجته لم يتغيرا ولم يغيرا شيئا من سلوكهما وتصرفاتهما التي ميزت حكومة نتنياهو الأولى. وقال بن كاسبيت في مستهل مقالته : quot;يقف على رأس حكومة إسرائيل شخص لا يملك أهلية المنصب الذي يشغل. ويعرف هذه الحقيقة كل المحيطين به. كما يعرف ذلك غالبية وزرائه، ويعرف ذلك كل من اطلع على نمط عمله وأسلوب اتخاذه للقرار، يعرفون ويصمتون، ويشمل هذا عدد ليس بقليل من الصحافيين، والذين يخونون رسالتهم خيانة كبيرة.

ويسارع بن كاسبيت إلى ربط القضية بزوجة نتنياهو فيقول: نتنياهو ليس أهلاً لمنصبه بسبب الظروف المحيطة به، وفي مقدمتها السيدة التي تصر على أن تنادى باسم quot; السيدة سارة نتنياهوquot;، وحقيقة أنه يسمح لهذه السيدة بأن تقرر، تعين وتفصل، وأن تملي ما تريد، وأن تدخل أجهزة بأكملها في حالة ضغط تجعل منه شخصًا غير أهل للمنصب. فالمسؤولية تقع في نهاية المطاف عليه فقطquot;.


في المقابل، فإن صحافيين وكتّاب في صحيفة quot;يسرائيل هيومquot;، التي هبت للدفاع عن سارة نتنياهو واتهمت يديعوت أحرونوت ومعاريف بأنهما خاضا في القضية لمصالح ذاتية واقتصادية، أهمها الخوف من انتشار الصحيفة ( التي يملكها الأمريكي شلدسون إيدلسون) والمعروفة بمواقفها اليمينية المتطرفة ودفاعها المعلن عن كل خطوات نتنياهو.
وفي هذا السياق ذهبت الكاتبة المتدينة، أمونا أيلون إلى التساؤل في مقال نشرته في quot;يسرائيل هيومquot; عن سر هوس الصحافة الإسرائيلية بعقيلة نتنياهو . وقالت أيلون quot; إن النخب القديمة في إسرائيل لم تغفر لنتنياهو بعد أنه ليس منها، وأنه quot;سرق الدولة منهاquot; وهي تدعي أن هذه النخب quot;تسعى لتلطيخ سمعة نتنياهو ولا يهمها لأي درك تنحط في سبيل ذلك. وهي ترى أن استهزاء الصحف بنتنياهو هو أيضًا استهزاء بجمهور ناخبيه واستهزاء بالدولة كلها.
ويلتقط درور إيدار، وفي الصحيفة نفسها فإن الخيط من إيمونا ألون يصل في مقالة دافع فيها عن نتنياهو إلى حد اتهام يديعوت أحرونوت بالتصرف على غرار تصرف المافيا ويقول في مقالته: إن تصرف المافيا لصحيفة يديعوت أحرونوت، يشير إلى أن الصحيفة quot;قررت أنه لو احترق العالم فليس ذلك مهما، المهم هو quot;اغتيالquot; نتنياهو عبر المس بزوجته... لقد حاولت الصحيفة تنفيذ تصفية عينية ضد رئيس الحكومة، وإشغاله عن أمور الدولة والشعب، وعن القضايا السياسية والأمنية والإستراتيجية، حتى يتفرغ للدفاع عن أعز ما يملك عن زوجته وعائلتهquot;.
ولا تخفي صحيفة يسرائيل هيوم اتهامها لمحرر وصاحب يديعوت أحرونوت نوني موزيس بأن كل همه هو التخلص من المنافسة التي تمثلها صحيفة يسرائيل هيوم ليديعوت أحرونوت، وهي تدعي أن قلق يديعوت من هذه المنافسة دفع الصحيفة على نشر وكشف الدعوى المقامة ضد زوجة نتنياهو.

معاريف استلهمت رسمًا من حادثة السفير التركي

صحيفة معاريف التي اثنت على منافستها التاريخية، يديعوت أحرونوت، وأكدت حق الجمهور بالمعرفة، خرجت اليوم عن عادتها وعن مألوف منتاجها الفني فوضعت على الصفحة الأولى، رسمًا كاريكاتوريًّا، يظهر سارة نتنياهو وهي تجلس على مقعد عال يقابلها زوجها وهو يحاول ضم جسده على مقعد منخفض، ولسان حال سارة نتنياهو تقول لزوجها: لعمرك هل تعتقد أنني قادرة على إهانة شخص ما والتنكيل به؟

أما صحيفة يديعوت أحرونوت فنشرت على صفحتها الأولى مقالة للصحافي المخضرم والمعروف بميوله الاشتراكية واليسارية، سيفر بلوتسكر، تحت عنوان quot; عن السادة والخدمquot; في إشارة إلى المسلسل البريطاني العريق الذي كان يبث في ثمانينات القرن الماضي. وقال بلوتسكر في مقالته إن وفقا للوثائق ولادعاءات السيدة ليليان بيرتس، فقد تم تشغيلها من قبل عائلة نتنياهو بواسطة شركة ب.ش ( بيبي وسارة نتنياهو) بشروط مذلة، وأنه لا مجال للتخبط أو للالتباس. يوجد هنا طرفان، صاحب فيلا في قيساريا ( مدينة ترمز إلى أغنياء إسرائيل وعلية القوم فيها)، وعاملة تنظيف الفيلا. طرف قوي، وطرف ضعيف، طرف تناول الطعام وترك مخلفات الطعام وطرف أعد الطعام وطهاه ونظف المخلفات. طرف صرخ وطرف امتص الصرخات وعض على شفتيه لأن مبلغ 2500 شيقل (الدولار يساوي 3.70 شيقل) شهريًّا يعني له مبلغًا كبيرًا من المال. طرف تم ظلمه وطرف قام بالظلم، يوجد هنا ضحية والضحية ليست السيدة سارة نتنياهو.

ويحتج بلوتسكر على اتفاقية quot;السريةquot; التي ألزمت بها ليليان بيرتس بعدم الحديث عن شروط عملها، فيقول أين يمكن لمثل هذا الأمر أن يحدث، أن تلزم عاملة بدفع مبلغ يساوي راتب 80 شهرًا من العمل المضني إذا ما تجرأت على خرق اتفاقية العمل المهينة؟ لقد عدنا إلى الأيام التي سبقت الحرب الأهلية الأميركية.
ويخلص بلوتسكر إلى القول إن طرفًا واحدًا من طرفي النزاع يستحق أن تدافع عنه الصحافة في إسرائيل وهو مدبرة المنزل السيدة ليليان بيرتس. فأحد الوظائف الرئيسة للصحافة هو أن تكون الصوت والمدافع عن الضعفاء والمستَغَلين، من لا صوت لهم، حتى ولو كان ذلك على حساب الامتيازات التي يتمتع بها الأقوياء، فلن يصيب الأقوياء شيء. وسيعرفون كيف يدافعون عن أنفسهم، ومعهم أصحاب المصالح. لقد فتح طاقة الشرور، وهذا أمر حسن، كفى للتستر.