قبل نحو أربعة أعوام وفي مثل هذا التاريخ الخامس والعشرين من يناير 2006، اختار الفلسطينيون ممثلوهم من نواب المجلس التشريعي في أجواء انتخابية ديمقراطية، حسدهم العالم على شفافيتها ونزاهتها، لكن نتائجها كانت صادمة، إذ سمحت لحركة quot;حماسquot; بدخول الحياة السياسية الفلسطينية من أوسع أبوابها، بعدما فازت بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي، مقابل تراجع حركة quot;فتحquot; التي تسيدت عرش هذا المجلس دون منافس مدة 10 أعوام، وذلك في ثاني انتخابات برلمانية تشهدها الأراضي الفلسطينية منذ إقامة السلطة الوطنية عام 1994.

غزة:اليوم من المفترض أن يجري الاستحقاق القانوني والدستوري وفق للقانون الأساسي وقانون الانتخابات الفلسطيني، لكن الفلسطينيون يديرون ظهورهم لهذا الاستحقاق في عملية واضحة على انتهاك الدستور لمصالح خاصة بكل فصيل بعد أن باتت الانتخابات تشكل مطلبا هاما لحل قضاياهم الداخلية التي ازدادت تعقيداً، وأيضا، لنظامهم السياسي الذي شوهت ملامحه بنفسياتهم المتقلبة وإجراءاتهم المقيتة بسبب انقسامهم.

وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي انتهت ولايته أيضا أصدر مرسوما رئاسيا في 24 تشرين الأول / أوكتوبر2009، لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية الثالثة وفق نظام التمثيل النسبي الشامل باعتبار الضفة الغربية وقطاع غزة كدائرة انتخابية واحدة، ولكن جلسات الحوار الوطني الفلسطيني المتعددة في القاهرة برعاية مصرية، كانت تتداول إجراء الانتخابات التشريعية وفق النظام الانتخابي المزدوج، واقترح أن يكون الموعد المستقبلي في 28 حزيران عام 2010 الحالي، وفق الورقة المصرية للمصالحة.

وتعرضت الهيئة التشريعية الفلسطينية خلال الأربعة أعوام المنصرمة وحتى الآن إلى العديد من العقبات التي حالت دون قيامها بمهامها وباتت شبه معطلة بسبب الخلاف الداخلي، ومحاولات فصل غزة عن الضفة جراء هذا الخلاف، والاحتراب الداخلي الإعلامي والعسكري والاقتصادي والسياسي والاجتماعي. فمنذ ذلك الوقت لم يستطع الفلسطينيون عقد جلسة موحدة للمجلس التشريعي، فضلا عن حصار النواب واعتقال عدد كبير منهم في السجون الإسرائيلية وأخيرا الحرب التي شنت على قطاع غزة ودمرت مبنى المجلس التشريعي بغزة ومقتل د.سعيد صيام النائب عن كتلة حماس البرلمانية ووفاة نواب آخرين.

وبشأن قانونية المجلس التشريعي بعد 25 من يناير الجاري، أكد د. عزيز الدويك رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني استمرارية عمل المجلس، مستندا إلى القانون وخصوصاً المادة 47 منه وذلك حتى تأدية المجلس الجديد لليمين الدستوريquot;، فور إجراء الانتخابات بالطبع. معربا عن عدم معارضتهم لإجراء انتخابات بشرط التوافق الوطني، وطالب دويك كتلتي حماس وفتح بالجلوس تحت قبة البرلمان لوضع حد لحالة الانقسام الحاصل.

وفي مشهد بدا عاديا لردود فعل الفلسطينيين المتشنجة حيال صراعهم المرير، فان كتلة فتح البرلمانية التي يرأسها عزام الأحمد أكدت على أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحده المخول بدعوة المجلس التشريعي للانعقاد، وفق القانون داعين الدويك إلى احترام المرسوم الرئاسي بدعوة المجلس التشريعي للانعقاد في إطار الالتزام بالقانون والشرعية الواحدة ورفض كل مظاهر ما اسماه بquot;الانقلاب ونتائجهquot;، للاستعداد لدورة جديدة بالمجلس التشريعي على حد قوله.

أما الفصائل الفلسطينية التي تبقى على مسافة بعيدة في الظل فإنها تطالب بإجراء الانتخابات في موعدها وفق اتفاق المصالحة الذي ترعاه مصر منذ 3 سنوات وترفض حماس التوقيع عليه بعد إحراز توافق كبير على جزء كبير من القضايا الخلافية العالقة، وحذرت الفصائل من أن تشوهات ستلحق بالحياة السياسية الفلسطينية إذا بقي الوضع على حاله مشترطة إنهاء الانقسام وتوقيع اتفاق المصالحة للشروع بالإعداد للانتخابات في حزيران من هذا العام وفق الورقة المصرية.

اعتبر د. ذو الفقار سويرجو، عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية، أن الفلسطينيين يقتلون التجربة الديمقراطية الفلسطينية التي تراكمت خلال 50 عاماً من النضال وذلك بعدم إجرائهم الانتخابات بموعدهاquot;. مؤكدا أن إجراءها سيبقى مطلبا وطنيا لن يسقطquot;.

وقال سويرجو:quot; يجب تثبيت الحق الدستوري والديمقراطي والوطني بالخروج من حالة الانقسام، لا إدارة الظهر لها ومحاولة التعايش معها، ففلسطين ليست عزبة لا لحماس ولا لفتحquot;. داعيا quot;التيمن بالتجربة اللبنانيةquot;؛ وأضاف quot;الخيار الآخر هو استمرار حالة الانقسام والاستفراد بالشعب الفلسطيني، وزيادة الانتهاكات بحق الفلسطينيين من قبل الاحتلال الاسرائيلي وغيرهم بالتدخلات في شؤونهمquot;.

وشدد حزب الشعب الفلسطيني على أن عدم أجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في موعدها يمثل انتكاسة خطيرة للمسيرة الديمقراطية الفلسطينية واعتداء على حقوق المواطنين الدستورية وفي مقدمتها حقهم في اختيار ممثليهم عبر صندوق الاقتراع مطالبا بالإسراع في إنهاء الانقسام السياسي واستعادة الوحدة وضمان إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية للمجلس الوطني في أقرب وقت.

ويسود القلق في الأوساط الحقوقية الفلسطينية ولدى عامة الفلسطينيين في أن العام الرابع على ولاية المجلس التشريعي والرئاسة الفلسطينية يسدل عليها الستار دون أن تجري الانتخابات في موعدها المقرر في الخامس والعشرين من يناير الذي يصادف اليوم، وبذلك يدخل الفلسطينيون مرحلة جديدة من التخبط والفراغ الدستوري الذي يشكل انتهاكا كبيرا لحقوق الشعب الفلسطيني المدنية وللقانون الأساسي الفلسطيني.

وأكد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن عدم إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في موعدها المقرر لها وفقا للقانون لا يعني وجود فراغ قانوني في السلطة الفلسطينية، لكن هناك انتقاص للعملية الديمقراطية، إذ أن التفويض الشعبي الذي منحه الشعب في الانتخابات الرئاسية عام 2005 وفي الانتخابات التشريعية عام 2006 ليس مفتوحاً بلا سقف، بل ينتهي في موعد أقصاه 24 يناير 2010. مشددا في الوقت على أن لا انتخابات قبل تحقيق المصالحة الوطنية وتهيئة الأجواء المناسبة واتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة كافة لضمان عقد انتخابات حرة ونزيهة.

وأكد مركز مرصد العالم العربي للديمقراطية والانتخابات على أهمية إجراء الانتخابات في أسرع وقت بعد انتهاء ولاية المجلس التشريعي الفلسطيني القانونية والشعبية اليوم، وقال المرصد في بيان:quot; المجلس التشريعي يتحول إلى تسيير أعمال مع صلاحيات محدودة رغم انه أصلا وفي أفضل الأحوال لم يستطع الالتئام منذ شهر تموز من عام 2007، ولم يستطيع ممارسة دوره بالتشريع والرقابة منذ انتخابه.

ودعا المرصد إلى ضرورة الإسراع في التوقيع على الورقة المصرية من قبل حركة حماس وطالب الرئيس بإصدار مرسوم رئاسي جديد يحدد فيه موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 28/6/2010 حسب ما جاء في الورقة المصرية.

وعلى الأرجح أن يبقى المجلس التشريعي الفلسطيني يزاول أعماله كمجلس تسيير أعمال بصلاحيات تشريعية وقانونية وإدارية محددة، محصورة في بعض القضايا الأساسية، ريثما يتم إجراء انتخابات برلمانية قادمة والقيام بمهام التسليم والاستلام، قد تكون في 28 حزيران ndash; يونيو 2010 كما حددتها ورقة المصالحة الفلسطينية الشاملة برعاية مصرية في القاهرة.