حملت نتائج استفتاء إيلاف حول توقعات القراء للعلاقة بين النظام المصري وجماعة quot;الإخوانquot; بعد اختيار مرشدهم الجديد، نتائج مثيرة للدهشة، فقد رأت نسبة قوامها 26.17% أن العلاقة ستشهد تصعيدًا، بينما رأت نسبة أخرى وبلغت 24.43% أن التهدئة ستكون الاحتمال الأقرب.

القاهرة:quot;بعد تسمية مرشد جديد للإخوان في مصر.. كيف تتوقع علاقة الجماعة بالنظام ؟quot;.. كان هذا هو السؤال الذي طرحته (إيلاف) على قرائها في استفتائها الأخير، وهو سؤال يأتي في موضعه الصحيح وتوقيته المناسب، إذ أثارت الانتخابات الداخلية في جماعة quot;الإخوان المسلمينquot; كثيرًا من الغيوم كما طرحت العديد التساؤلات حول مستقبلها، سواء على صعيد الأوضاع وموازين القوى داخل هذه الجماعة الكبيرة التي يصل عدد أعضائها إلى ملايين، ناهيك عن أضعافهم من المتعاطفين معها، وأيضًا على صعيد التعامل الذي يكتنفه الغموض والتجاذب بين الجماعة ـ التي يشغل أعضاؤها نحو خمس مقاعد البرلمان المصري ـ ونظام الحكم ممثلاً في جهاز الأمن المخول بمتابعة أنشطتها ورصدها والتعاطي معها وفق حسابات بالغة التعقيد والحساسية، وربما تستعصي على الفهم في كثير من الأحيان.

يأتي هذا بعد تسمية رجل يصنف باعتباره من quot;صقور الإخوانquot; وحرسها الحديدي، وهو الدكتور محمد بديع سامي مرشدًا عامًا جديدًا خلفًا لمهدي عاكف الذي طالما أثار زوابع داخل الجماعة ومع قوى سياسية مختلفة بآرائه وتصريحاته التي اتسمت بالاندفاع العاطفي غير المحسوب وربما المنفلت من عقاله أحيانًا، مما سبب للجماعة الكثير من الحرج والأزمات، وبالتالي جاء خروجه من منصبه كسابقة لم تشهدها الجماعة من قبل منذ تأسيسها على يد المصري حسن البنا العام 1928، حتى أصبحت كبرى الجماعات الإسلامية المنظمة في العالم، حتى أن بعض المتخصصين يطلقون عليها quot;أم الجماعاتquot;، لأن معظم تنظيمات الإسلام السياسي (الدعوية منها والجهادية) خرجت من عباءتها، وتماست معها في مرحلة من المراحل، مؤسس حركة quot;حماسquot; الفلسطينية هو الشيخ أحمد ياسين، وهو إخواني عتيد، والأب الروحي لمؤسس تنظيم quot;القاعدةquot; هو عبد الله عزام، وكان أيضًا ممن تربوا في جماعة الإخوان زمنًا طويلاً.

وفي هذا السياق تلزم الإشارة إلى مبادرة طرحها نواب بكتلة الإخوان في البرلمان، وتضمنت اقتراحات سياسية، أهمها إعلان الجماعة التزامها بعدم طرح أو دعم أي مرشح لانتخابات الرئاسة المقرر لها العام المقبل 2011، وكذا الالتزام بمشاركة محدودة في الانتخابات البرلمانية المقررة هذا العام، لا تسعى للحصول على أغلبية، لكن لا تتجاوز نسبة 20% من عدد مقاعد البرلمان، كي لا تثير حفيظة النظام.

ويرى هؤلاء أن الهدف من هذه الأطروحة هو إتاحة فترة انتقالية لكي يقوى المجتمع ككل، في مناخ صحي، بما فيه من أحزاب وقوى سياسية، ومجتمع مدني، وشخصيات عامة، بعيدا عن الاحتقان والاستقطاب الذي أضر بالجميع ، وفي صدارتهم الإخوان أنفسهم.

غير أنه في مقابل الخيار السياسي المنفتح صراحة على ساحة العمل العام، فهناك خيار دعوي أيضًا، يطالب فيها البعض بمراجعة الإخوان لبرامجهم، وإعلان استعدادهم للعمل الدعوي والخيري والاجتماعي والتربوي من خلال جمعية رسمية تشهر بموافقة الدولة، كما تقر الجماعة صراحة ومن دون أي تحفظات على القبول الكامل لآليات العملية الديمقراطية والتسليم بنتائجها مهما كانت، مع الالتزام الواضح بحقوق المواطنة من دون إقصاء الآخر وخاصة الأقباط والمرأة.

النتائج ودلالاتها
وهكذا في الأشهر الأخيرة شهدت الجماعة أزمة حقيقية، لم تبدأ بإجراء انتخابات مكتب الإرشاد، التي سبقت اختيار المرشد العام، بل سبقت ذلك ملابسات أسفرت عن حالة نادرة من السجالات وتبادل الاتهامات والصراعات المكتومة التي خرجت إلى العلن في سابقة لم تعرفها الجماعة التي طالما اتسمت إدارتها بالالتزام الصارم في مبدأ quot;السمع والطاعةquot; لأعضائها وقياداتها على حد سواء.

وأسفرت المعركة الداخلية في صفوف أعلى مستويات جماعة الإخوان المسلمين عن تشكيل مكتب جديد للإرشاد وهو الهيئة التنفيذية أو حكومة الجماعة، يعبر عما أصبح يوصف بالتوجه quot;المحافظ الدعويquot;، أكثر من كونه يطمح لدور سياسي بالمعنى الاحترافي للعمل السياسي، كما يرى فريق من المراقبين والمحللين السياسيين، وحتى من هؤلاء المحسوبين على الجماعة أو المتعاطفين مع دورها السياسي.

غير أن مراقبين آخرين يرون أن صعود هذا الفريق المحافظ الذي أفنى زهرة عمره في السجون الناصرية ومنهم المرشد الجديد الذي سجن مع سيد قطب في القضية الشهيرة التي حكم فيها بإعدام قطب، بينما أمضى بديع أجمل أيام شبابه خلف القضبان، وبالتالي فإن quot;الكود النفسيquot; لهذا الفصيل الذي يطلق عليه quot;القطبيون الجددquot; يحمل مرارات داخلية متجذرة في وجدانهم، وبالتالي فإن خصومتهم مع النظام يصعب أن تكون موضوعاً لتقديم تنازلات والانخراط في العمل العام المعلن، بعد عقود من العمل السري والسجون.

كما أن الانحياز لخيار العمل السياسي المباشر والرسمي، تعني ضرورة أن تتقدم الجماعة خلال هذه الفترة بطلب للحصول على المشروعية السياسية من خلال تأسيس حزب سياسي يعلنون بياناته وتشكيلاته، والسؤال هو هل تحسم الدولة المصرية الأمر، وتوافق على ذلك التحول، أم أن الإخوان أنفسهم لن يقدموا على هذه الخطوة لأسباب شتى، يمكن أن يسوقها عرابو الجماعة في هذا المضمار، ويمكن أن يخوض فيها منظرو النظام الحاكم ورموزه أيضاً.

ومن هنا فقد جاء سؤال استفتاء (إيلاف) الأخير قائلاً: بعد تسمية مرشد جديد للإخوان في مصر، كيف تتوقع علاقة الجماعة بالنظام الحاكم ؟.
وجاءت النتائج مثيرة للدهشة فأظهرت حالة غير مسبوقة من الاستقطاب الحاد، في نتائج الاستفتاءات التي تجريها (إيلاف) ، فلم تحسم الأمور بين القراء حول مستقبل علاقة الجماعة بالنظام، فقد توقعت خيار التصعيد نسبة قوامها 26.17%، عبر عنه 1489 مشاركاً، بينما رأت نسبة أخرى مقاربة وبلغت 24.43% أن التهدئة ستكون الاحتمال الأقرب هذا السياق، وهو ما عبر عنه 1390 مشاركاً في استفتاء إيلاف الأخير حول مستقبل العلاقة بين الإخوان المسلمين والنظام الحاكم في مصر.

أما الأكثر إثارة في نتائج الاستفتاء الذي أجرته (إيلاف) فهو أن نسبة الذين اختاروا الإجابة بـ (لا أهتم) كانت هي الأكبر والأكثر حسماً إذ بلغت 49.39% بما يساوي 2810 مشاركاً، من مجمل الذين شاركوا في الاستفتاء والذين بلغ عددهم 5689 قارئاً، وهو ما يعني أحد أمرين: فإما أن هؤلاء غير معنيين بالفعل بما يجري لهذه الجماعة، أو أنهم عبروا عن رفضهم لوجودها بالأساس، معتبرين ذلك التجاهل موقفاً، وهو ما يعني ضرورة مراجعة تلك القناعة.

فالجماعة ـ شئنا أو أبينا ـ لاعب مهم على المسرح السياسي المصري، بل والإقليمي برمته، ومن الأهمية بمكان أن يرصد المرء ما يجري داخل كواليسها، أو صلتها بالسلطة، لأن نتائج تلك السجالات تؤثر في العديد من قضايا أخرى، ولأن الشأن السياسي ـ خاصة في منطقتنا ـ متشابك ومتداخل بالضرورة، ولا يمكن التعامل معه بطريقة quot;الجزر المنفصلةquot;، وبالتالي فإنه ينبغي أن ننظر لأي أزمة سياسية أو حتى خلافات من هذا النوع في سياقها الأشمل والأوسع.

النظام والإخوان
وبالطبع فهذا المشهد السياسي المعقد للغاية من شأنه أن يضع quot;أم الجماعاتquot; ـ الإخوان ـ في مفترق طرق وأمام خيارات حادة، فهي تواجه تحديات ينبغي أن يقرر معها القائمون على أمرها توجهاتهم بشكل حاسم، فإما أن يمضوا في طريق سياسي واضح كحزب يعامل وفق قانون الأحزاب، أو يختاروا السبيل الدعوي الخيري التربوي، بعيداً عن اللعبة السياسية بشكل واضح، كما هو حال جماعات دعوية أخرى كالتبليغ والدعوة مثلاً، غير أن الواقع ينبئ بأن حال الإخوان المسلمين كجماعة سيبقى في quot;المنطقة الرماديةquot; ، وهو ما يعني استمرار الوضعية الخاصة للجماعة داخل المعادلة السياسية المصرية قابعة في منطقة quot;البين بينquot;، كما يرى طيف واسع من المراقبين والمحللين السياسيين في مصر.

وفي جانب آخر، من هذا المشهد المعقد توقعت دوائر جماعة الإخوان المسلمين في مصر أن تشن أجهزة الأمن حملة اعتقالات واسعة في صفوف الجماعة على خلفية الجدل الإعلامي الذي صاحب انتخاباتها الداخلية واختيار الأعضاء الجدد لمكتب الإرشاد وتنصيب محمد بديع سامي مرشدًا عامًا للجماعة، وهو القيادي المحسوب على ما يوصف بتيار الصقور المتشدد داخل الجماعة أو quot;القطبيونquot;، فضلاً عن ربط هذه الحملة المتوقعة بالانتخابات البرلمانية المقبلة والمقررة في وقت لاحق من هذا العام 2010.

ولم يستبعد قادة في جماعة الإخوان أن تشهد الفترة المقبلة حملة ملاحقات واعتقالات واسعة بين أعضاء الجماعة، وهنا فقد اتهموا وسائل الإعلام بإثارة الضجيج الذي صاحب الانتخابات الداخلية لاختيار مرشد جديد لها، وحملت الجماعة أجهزة الأمن المسؤولية عن تسريب الأخبار حول انتخاباتها وخلافاتها الداخلية لوسائل الإعلام ، كما يقول قادة الجماعة إن السلطات المصرية تسعى لإقصائها، للحيلولة دون خوض نشطائها الانتخابات البرلمانية المقبلة.

وبالتزامن مع الأزمة الداخلية للإخوان، والتي بلغت أشدها خلال الانتخابات الأخيرة لأعضاء مكتب الإرشاد، فقد طالب فصيل من شباب الجماعة بإعادة انتخاب أعضاء المكتب بالاقتراع المباشر من جميع أعضاء الجماعة بعد تغيير اللائحة الداخلية، وإعطاء الفرصة للمرأة للمشاركة في التصويت، قائلين في بيان لهم إن شباب الإخوان يرفضون استمرار تفويض quot;مكتب الإرشادquot;، بحيث يتخذ ما يشاء من قرارات دون الرجوع لأي تمثيل ديمقراطيquot;، وفق بيان صدر عن شباب الجماعة وتلقت (إيلاف) نسخة منه.

وعقب الانتخابات البرلمانية التي أجريت عام 2005 برزت الإخوان كأقوى جماعة معارضة في مصر بحصولها على 88 مقعدًا في البرلمان بما يمثل نحو خمس مقاعده، غير أن أيًّا من مرشحيها لم يفز في أي انتخابات لاحقة منذ ذلك الوقت وسط اتهامات للحكومة بأنها تعمل على استبعاد مرشحيها للحيلولة دون اتساع قاعدة نفوذها السياسي بدرجة تهدد الحزب الوطني الحاكم الذي يتزعمه الرئيس حسني مبارك.
[email protected]