دافوس: في الوقت الذي تنتقل فيه أفريقيا من قارة ترزح تحت وطأة عجز مالي كبير يجري تمويله بدرجة كبيرة من أموال المساعدات الى قارة تتمتع بفائض مالي يجري البحث عن اطار عمل لادارة ثروات البلاد من مواردها الطبيعية. وتدرس بعض الدول - مثل نيجيرياوانجولا وتونس - اطلاق صناديق استثمار ثروات سيادية وهو ما من شأنه تسريع النمو المتسارع بالفعل في قطاع صناديق الثروات السيادية الذي يبلغ حجمه نحو ثلاثة تريليونات دولار.

لكن التحديات في أفريقيا جنوب الصحراء والتي تمثلها مثل هذه الخطط كبيرة.. فمن ناحية هناك الحاجة لكيان لاستثمار الفوائض الاستثنائية للاجيال المقبلة وحماية الثروات من جشع الزعماء. ومن ناحية أخرى فان الاستثمار في الخارج - كما تفعل الصناديق السيادية في الدول المتقدمة والناشئة الكبرى- سيكون مثار قلق سياسي في افريقيا. ففي كثير من الدول الافريقية حيث هناك حاجة كبيرة لتطوير البنية الاساسية والحد من الفقر سيكون من المرجح بدرجة كبيرة أن تستثمر الاموال داخل البلاد.

وقال افرايم تشالاميش خبير الصناديق السيادية والزميل بكلية الحقوق بجامعة نيويورك quot;مع الانتقال من العجز الى الفائض وازدهار السلع الذي أثر على العديد من الدول في افريقيا فانهم يواجهون واقعا جديدا يملكون فيه موارد يتعين حفظها للاجيال القادمة.quot; ومن المهم بشكل خاص بالنسبة لافريقيا الافتراض بأن الاستقرار السياسي في مثل هذه الدول سيستمر. وأضاف quot;يتعين التأكد من وجود آليات مختلفة للحكومة التالية وأن الاموال ستحفظ للاجيال القادمة وتدفع معاشات التقاعد والالتزامات الوطنية.. وغيرها.quot;

وتحسن ميزان المعاملات الجارية في افريقيا في السنوات القليلة الماضية بحيث بلغ الفائض الاجمالي 3.3 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي بالمقارنة مع 1.3 بالمئة في 2004 حسب بيانات البنك الافريقي للتنمية. وتحول العجز المالي الى فائض بلغ 2.8 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي من عجز بنسبة 0.1 بالمئة في عام 2000. ويترك ذلك مجالا لتوجيه المزيد من رؤوس الاموال لصناديق الثروات.

ومع اكتشاف بعض الدول الافريقية ثروات نفطية جديدة بدأت الحكومات دراسة طرح نظام لادارة فوائضها الجديدة بكفاءة. ويبحث مجلس الشيوخ في نيجيريا تشريعا لاقامة صندوق سيادي لتخفيف أي أثر قد يحدثه تراجع أسعار النفط على اقتصاد الدولة العضو في منظمة أوبك. وتبلغ احتياطيات نيجيريا -ثاني أكبر اقتصاد في منطقة جنوب الصحراء- بالعملة الاجنبية نحو 41.6 مليار دولار.

وتدرس انجولا التي تتوقع ايرادات نفطية هذا العام تبلغ 16.6 مليار دولار انشاء صندوق على غرار الصندوق النرويجي. وفي تونس التي تبلغ احتياطياتها بالعملة الاجنبية نحو عشرة مليارات دولار يدعو مشرعون لاقامة صندوق وطني لمساعدة العاطلين حسب تقرير على موقع مغاربية على الانترنت الذي ترعاه القيادة الأميركية في افريقيا.

وقد تكون غانا كذلك مرشحة لتأسيس صندوق اذ يبدو انها ستجني باكورة الانتاج النفطي في أواخر عام 2010. لكن تشالاميش قال انه نصح احدى الحكومات التي لجأت اليه في الفترة الاخيرة طالبة توجيهات بشأن ادارة صناديق الثروة السيادية بالانتظار والتفكير مليا في الامر. وقال quot;حقيقة أن الكثير من الدول في اسيا والخليج قامت بذلك لا تعني أنه يتعين عليكم القيام به.quot;

وأضاف quot;انه مثل ناد. انت تريد حقا الانضمام اليه لانه يظهر قوة اقتصادك... حتى الحكومات الضعيفة تشعر أن هذا هو السبيل لتحقيق توسع اقتصادي عالمي ولان يكون لها تأثير عالمي.quot; وفي الدول المتقدمة والنامية الكبرى تعتبر الصناديق السيادية الاستثمار في الداخل من المحرمات الا في حالات التراجع الاقتصادي الكبير لان اعادة تدوير الفوائض محليا يهدد بزيادة التضخم.

وتستثمر الصناديق الاسيوية والشرق أوسطية في حافظة متنوعة تشمل الاسهم والاصول البديلة وشراء حصص في شركات. أما الصناديق السيادية في النرويج وأذربيجان فلا يسمح لها بالاستثمار محليا. وصندوق ليبيا الذي يبلغ حجمه 65 مليار دولار والذي تأسس عام 2006 هو الاكبر في افريقيا ويستثمر أساسا في الدول الاوروبية وبخاصة ايطاليا.

والاستثمار المحلي يزيد التضخم. وبالنسبة لافريقيا حيث تتسارع معدلات النمو -حيث لا تتمتع جميع الدول ببنوك مركزية قوية والية نقدية يعتد بها- فان خروج التضخم عن السيطرة قد يبعد المستثمرين الاجانب. لكن قد لا يكون أمام الحكومات مفر من الاستثمار في الداخل باستخدام أموال الصناديق السيادية لتكملة الانفاق الحكومي على تحسين البنية الاساسية وزيادة الطاقة الانتاجية وتعزيز مكانتها كمنطقة جذب استثماري بين الاسواق المجاورة.

ويقول البنك الدولي ان القارة تحتاج الى نحو 93 مليار دولار سنويا لمعالجة احتياجات البنية الاساسية. ويجري انفاق نصف هذا المبلغ حاليا. وفي انجولا على سبيل المثال مازال ثلثا السكان يعيشون بدولارين أو أقل يوميا على الرغم من ان مليارات الدولارات من احتياطيات النفط والقروض الصينية ساعدت في اعادة بناء البنية الاساسية التي دمرتها حرب أهلية دامت 27 عاما وانتهت في عام 2002.