تساؤلات حول المشهد اللبناني الداخلي بعد زيارة أحمدي نجاد

سعى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى إبداء أكبر قدر من الدبلوماسية والمرونة خلال زيارته لبنان، وعمل جاهداً كي يظهر حرصه على بناء علاقة إيجابية مع جميع اللبنانيين، وتعزيز دور الدولة اللبنانية عبر التوقيع على ست عشرة إتفاقية تعاون في المجالات الاقتصادية والثقافية والتربوية والصحية وغيرها.

طرابلس (شمال لبنان): ينهي الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد اليوم زيارة إلى لبنان شملت محادثات مع شخصيات سياسية بالإضافة إلى شعبية بدعوة من حزب الله وحركة أمل في الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت وجولة في الجنوب على الحدود اللبنانية الإسرائيلية.

أحمدي نجاد من بنت جبيل: إسرائيل إلى زوال

ويبقى السؤال حول مدى إنعكاس زيارة نجاد على الوضع السياسي الداخلي إما إنفراجاً أو تأزماً، والذي يطرح بقوة منذ ما قبل الزيارة ودون أن يخفف من وطأته، مدى اللياقة والتهذيب اللذين طبعا سلوك الرئيس الايراني خلال ظهوره الاعلامي واستقبال الشخصيات التي زارته في مقر اقامته.

وأظهرت ردود الفعل الشعبية على الزيارة في المناطق المختلفة، مدى الانقسام الشعبي الذي يسود صفوف اللبنانيين حول مجمل القضايا السياسية التي تواجه البلاد وعلى رأسها دور حزب الله وسلاحه، امتدادا الى الموقف من ايران التي تدعم الحزب بكل الامكانيات المتوفرة لديها، وهو الذي أبدى الترحيب الحار بقدوم الرئيس الايراني الذي انتشرت صوره في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت ومناطق البقاع والجنوب وكل مكان تقطنه غالبية من الطائفة الشيعية التي تحتفظ بعلاقة تاريخية مع ايران، وخصوصا مراجعها الدينية في قم، والتحالف السياسي معها بعد بروز حزب الله، وتألق دوره في تحرير الجنوب والصمود في مواجهة الجيش الاسرائيلي خلال حرب تموز.

وظهرت المناطق الاخرى وخصوصا تلك التي تقطنها الغالبية السنية كمدينة طرابلس وكأنها غير معنية بالزيارة ، وكانت اللافتات الرافضة للزيارة قد رفعت فيها قبل ايام من وصول نجاد، وسرعان ما أزيلت بتدخل من تيار المستقبل، ولكن ذلك لم يغير موقف القلق والترقب تجاه ايران ودورها في لبنان من قبل الكتلة السنية الاكبر لبنانيا التي تقطن مدينة طرابلس، حيث بدت الحركة فيها بطيئة صبيحة اليوم الثاني لزيارة نجاد على ايقاع الاناشيد الاسلامية التي كانت تصدح في بعض ارجائها، عبر مكبرات الصوت الخاصة بمحلات بيع أشرطة التسجيل والمنشورات الدينية، وانتشار صور الزعماء السياسيين في المدينة يعد ان طغت عليها صورة كبيرة لرئيس الحكومة سعد الحريري، وانتشار وحدات الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي بدءا بساحة النور، ووصولا الى منطقة التل حيث نقطة التجمع الرئيسة للسيارات والمسافرين من والى المدينة.

بدا التحفظ في الاجابة من قبل ابناء المدينة الذين كانوا يتجمعون في محطات نقل الركاب في ساحة النور، حول رأيهم في الزيارة سيد الموقف كعبارات quot;لا اتابع الاخبار نهائياquot; وquot;طلقت الاهتمام بالسياسةquot;.

لكن quot;ليالquot; المعلمة في التعليم الرسمي تخترق التحفظ الذي كان يسيطر على زميلات لها تحلقن حولها، وتجيب قائلة: quot;نرحب بالزيارة شرط ان تكون لمصلحة لبنان، خصوصا وان اتفاق المسؤولين هو الاساس الذي يجعل اي شيء يحصل في لبنان يوظف لمصلحة البلادquot; وتتشجع زميلتها quot;ميرفتquot; التي تبدي قلقها للاجواء المذهبية المشحونة في لبنان، وتدلي برأيها قائلة quot; لقد عشت بعض الحروب التي دمرت بلدنا واتمنى ان لا يعملوا مرة اخرى على إشعالها، لان من واجب الجميع منع حصول الفتنةquot; وتتسع دائرة المشاركة من قبل المعلمات الاخريات، فتؤكد داليدا محمد ان السياسة اذا دخلت شيئا في لبنان افسدته، لان السياسيين فيه اصبحوا فاسدين وquot;حان الوقت الذي على المواطنين من كل الطوائف والمذاهب ان يعوا بان كل ما يحصل هدفه تدمير البلادquot;.

ويقف عمر سعدي في الشارع المؤدي الى منطقة التل، غير بعيد عن ساحة النور عن توضيب محتويات محله، ويبدي رأيا سلبيا بزيارة نجاد، لان ايران تلعب دورا سياسيا يساعد في تشجيع القوى الداخلية اللبنانية على مواجهة بعضها بعضًا، ويلفت احد زبائن سعدي مشاركا بالمناقشة، ومؤكدا ان السؤال المطروح هو ماذا سيحصل بعد مغادرة نجاد لبنان؟

تبدو الحركة في منطقة التل حيث الساحة الاخرى للمدينة اقل ضوضاء، وهو ما ساعد الشيخ عبد الرحمن الرفاعي على التوسع في رده حول أبعاد زيارة الرئيس الايراني قائلا: quot;عندما يكون الخيار بين المشروع الاميركي والصهيوني وبين ايران، وعلى الرغم من ان ايران تؤيد وتساعد حزب الله وابناء الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت فقط، فإننا نختار ايران التي نأمل ان لا تؤيد وتدعم جهة واحدة فقط، لان كل الناس في لبنان ومن كل المذاهب هم بحاجة للمساعدة، خصوصا وان الجميع في لبنان ضد اسرائيل ومع المقاومة شرط ان لا توجه سلاحها للداخلquot;.

تتكرر مواقف المواطنين التي تتراوح بين رفض التحدث بالسياسة، او التعبير عن القلق وعدم الارتياح لنتائج الزيارة، باستثناء زهير قسوم الذي قرر التوسع في الاجابة، واعتبر ان حصول الزيارة امر طبيعي، لان لايران نفوذا في لبنان وتريد ان تثبت موقعها فيه كباقي الدول الاخرى، ويعتبر ان الطائفية والمذهبية تشوه صراع العرب مع اسرائيل، ويقدم مثالا على ذلك كيف ان ايران التي تخوض المواجهة مع اسرائيل منذ سنين طويلة، لم يرفع علمها، بينما مجرد حصول اشتباك بين الناشطين الاتراك على بواخر المساعدات الانسانية المتوجهة الى غزة والجيش الاسرائيلي دفع الكثير من الناس الى رفع الاعلام التركية ، ويساهم الجميع في تأجيج الصراع الطائفي والمذهبي حيث كل شيء في لبنان طائفي، ولن ينتهي الا بإلغاء الطائفية من النفوس والنصوص، ويستغرب قسوم كيف ان كبار المسؤولين في لبنان يلتقون عندما تقتضي مصالحهم، بينما الفقراء يتحولون الى وقود مجاني للصراع المتواصل بين كبار المسؤولين.

وتأخذ المواقف المتناقضة من زيارة الرئيس الايراني الى لبنان طابعا اكثر حدة في المنطقتين الاكثر فقرا في لبنان وهما التبانة وجبل محسن حيث المواقف واضحة ومحسومة تبعا للانتماء المذهبي لكل منها وحيث الرفض القاطع من قبل ابناء التبانة ذات الغالبية السنية لزيارة الرئيس الايراني quot;الذي جاء لدعم الشيعة على حساب العرب والسنةquot;، وquot;القائد الثوري المتواضعquot; لدى العلويين في جبل محسن وصاحب الايادي البيضاء في الوقوف الى جانب لبنان ودعم quot;المقاومةquot; في مواجهة اسرائيل.