أثارت حزمة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة المصريّة ضد وسائل الإعلام تزامناً مع عقد الإنتخابات البرلمانية في نهاية شهر نوفمبر المقبل، استياء المعارضة وغضبها. وبادرت المعارضات المصريّة إلى التنديد بالرقابة واتهمت الحكومة بالسعي إلى إجراء الانتخابات وتزويرها بعيدا عن كلّ رقابة.

القاهرة: انتقدت التيارات السياسية المختلفة في مصر سواء اليسار أو الليبرالي أو الإسلاميحزمة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة ضد وسائل الإعلام تزامناً مع عقد الإنتخابات البرلمانية في نهاية شهر نوفمبر المقبل.

وتمثلت هذه الإجراءات فيإغلاق 4 قنوات فضائية وتوجيه إنذارات بإيقاف التراخيص لعدد آخر، و فرض رقابة على الرسائل الإخبارية التي تقدمها الصحف والمواقع الإخبارية إلي المواطنين عبر الموبايل.

وإعتبرت أن ما حدث اعتداء على حرية الرأي والتعبير، ومحاولة من النظام الحاكم لتكميم الأفواه، والتعتيم على المشهد السياسي خلال الفترة المقبلة، لتمرير ما أسمته ب quot;تزوير الإنتخابات القادمةquot;التي ينوي النظام الحاكم القيام به، تمهيداً لتنفيذ أحد السيناريوهين، إما التمديد أو التوريث.

فيما ردت الحكومة والحزب الوطني الحاكم بنفي هذه الإتهامات، مؤكدين أن quot;التوريثquot; كذبة كبرى صنعتها المعارضة وصدّقتها.

ووفقاً لأبو العز الحريري نائب رئيس حزب التجمع اليساري المعارض، فإن هذه الإجراءات في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب، وأوضح لـ quot;إيلافquot; : quot;الإجراءات قيل إنها تأتي في إطار تنظيم قطاع الإعلام، وإن إغلاق هذه القنوات جاء لمخالفتها شروط التراخيص الممنوحة لها، ولترويج البعض منها للخرافات والدجل والشعوذة، ومحاولة إشعال الفتنة الطائفية. وهي أسباب تبدو ظاهرياً قانونية و مقنعة، ولكنها باطنياً تخفي أغراضا سياسية خبيثة، الهدف منها إرهاب الإعلام وتقليم أظافره، من أجل غض الطرف عن عمليات التزوير الواسعة خلال انتخابات مجلس الشعب في نهاية الشهر المقبل، والتي سيكون لها دور كبير في تحديد هوية رئيس الجمهورية القادم.

وأضاف أن هذه الإجراءات تمثل رسائل إلي جميع وسائل الإعلام quot;المربط منها والسايبquot;، حتى تتحول من نقد النظام الحاكم إلى الترويج للرئيس مبارك ونجله جمال، على اعتبار أن أحدهما سيتولى الحكم في 2011quot;.

وهل النظام الحاكم يرهبه مقال في جريدة أو برنامج تلفزيوني أو رسالة على موبايل؟ والإجابة تأتي على لسان الحريري قائلاً: quot;بالطبع نعم، خاصة أن الصحافة المستقلة وبعض برامج التوك شو استطاعت خلال السنوات القليلة الماضية تشكيل رأي عام داخلي رافض له، بالإضافة إلى المصريين المقيمين في الخارج، بحيث كشفت العديد من قضايا الفساد الكبرى التي تورط فيها المقربون منه، وكشفت عددا كبيرا من إنتهاكات حقوق الإنسان وخاصة التعذيب.

فضلاً عن كشفها لما حدث من تزوير فاضح في الإنتخابات الماضية سواء مجلس الشعب أو الشورى أو المحليات. كما تسبب هذا الإعلام في تشكيل رأي عام خارجي مناهض للنظام الذي يخشى الخارج أكثر من خشيته من الداخل. ولذلك يسعى حالياً إلى سد بعض هذه المنافذ الإعلامية وإرهاب البعض الآخر حتى لا تفضح التزوير الذي يجهز له، ولو كانت هناك نية لإجراء إنتخابات نزيهة، لما أقدم على هذه الإجراءاتquot;.

وحول ما يجب على المعارضة القيام به لمواجهة هذه الإجراءات، قال الحريريquot; إن النظام سوف يستمر في تعسفه وتجبّره ما دامت المعارضة غير قادرة على التوحد خلف مرشح للإنتخابات الرئاسية المقبلة، وزاد في القول:quot; لابد أن تحسم القوى الوطنية أمرها وتقف وراء مرشح واحد إما الدكتور محمد البرادعي أو أي شخص آخر، حتى يراه الناس ويعرفون أنه البديل للنظام، حتى يبدأ المواطنون في المقارنة بينه وبين مبارك الأب أو الابن.

لكن ما يحدث الآن للأسف، هي معركة يخوضها النظام من دون خصم حقيقي، بل هو من يختار خصمه، ولذلك أدعو القوى الوطنية المختلفة للتعجيل بطرح اسم مرشحها لإنتخابات الرئاسة والتوحد خلفهquot;.

ورغم التشاؤم الذي يسوء المشهد السياسي العام، إلا أن الحريري يرى أن النظام الحاكم محاصر.

ويقول:quot; نظام مبارك محاصر بفلاشات الكاميرات وأقلام الصحافيين، ولذلك يحاول قذف الكلوبات التي تضيء الحياة السياسية بالحجارة، أملاً منه في أن يطفئ الأنوار، ويعم الظلام ليستمر في السلطة، لكنه لن يستطيع إطفاءها، وسوف يأتي التغيير رغماً عنه.

من جهته يشير الدكتور سعد الكتاتني رئيس الكتلة البرلمانية للإخوان لـ quot;إيلاف quot; إلى أن القنوات الفضائية والصحف المستقلة أحدث توازناً كبيراً مع التلفزيون الرسمي والصحف الحكومية التي تسبح بحمد النظام الحاكم quot;آناء الليل وأطراف النهارquot;.

وأضاف:quot; استطاعت وسائل الإعلام المستقلة كشف عورات ومساوئ النظام أمام المجتمعين المصري والعالمي، ومن ثم شكلت رقابة حقيقية على أدائه. وصار يخشاها بشدة، رغم أنها تعمل في إطار هامش حرية محدودquot;.

و تابع: وجد الحزب الوطني الحاكم نفسه في مأزق شديد مع إقتراب الإنتخابات البرلمانية في نهاية نوفمبر المقبل، حيث لم يقدم أي إنجازات حقيقية تجعل المواطنين يلتفون حوله، وبالتالي فإن إحتمالات خسارته كبيرة جداً، ولذلك سوف يمارس عادته في التزوير على نطاق واسع. وها هو يعود إلى سيرته القديمة في تكميم أفواه الإعلام الحر وتقليم أظافره، حتى لا يفضحه أمام العالمquot;.

لكن ألا يخشي النظام الغضب الشعبي وزيادة رفضه لسيناريو التوريث؟ ويجيب الكتاتني قائلاً: quot;الأنظمة القمعية لا تخشي شعوبها، ولا تسعى إلى كسب رضاها، لأنها تحتمي بقوات الأمن، وتستخدم البطش والتنكيل لفرض سلطتها على مواطنيها، وعادة لا يتم تغييرها بقوة صناديق الإنتخاب، ولكنها تخلع خلعاًquot;.

مشيراً إلى أن quot;التزويرquot; وquot;التوريثquot; ملفان مرتبطان ببعضهما البعض بقوة. وأن الأول يؤدي إلى الثاني بالضرورة ويمهد له.واستطرد قائلاً: لكن يبدو أن النظام يتعامل مع ملف التوريث بشيء من القلق، ويبدو أنه مهزوز جداً ويخشى ردود الفعل، فتارة يطفو إلى السطح، وتارة أخرى يهوى إلى القاع. إلا أن أحداً لا يستطيع التنبؤ بما يمكن أن يقدم عليه النظام خلال الفترة المقبلةquot;.

اما أيمن نور زعيم حزب الغد فوصف الإجراءات بأنها quot;استبدادية قمعيةquot;، وأضاف: quot;الإجراءات الأخيرة تشي بأن النظام يصر على التشبث بالسلطة حتى آخر نبض في القلب، وليست لديه النية لتنظيم انتخابات نزيهة، بل لديه نية مبيتة للتزوير، خاصة في ظل رفضه المراقبة الدولية وتعسفه في منح التراخيص اللازمة لمنظمات المجتمع المدني، وغياب الإشراف القضائيquot;. وتوقع نور المزيد من التضييق الإعلامي على الصحف والقنوات الفضائية، بل والإنترنت خلال الفترة المقبلة، بهدف تغييب الرأي العام الخارجي عما سيحدث من تجاوزات سياسية وحقوقيةquot;.

وحول علاقة هذه الإجراءات بملف التوريث، أوضح نور الذي قاد مجموعة من الحملات المناهضة له مثل quot;الحملة المصرية ضد التوريثquot;، quot;ما يحكمشquot;، quot;لا للتوريثquot;، وquot;مصر كبيرة عليك يا جمالquot;، أن quot; سيناريو التوريث يسير حسبما خطط له النظام بدءاً من التعديلات الدستورية التي جرت في العام 2007، وإنتهاء بمحاولة تكميم الأفواه من خلال إغلاق عدة قنوات والرقابة علي رسائل التلفون المحمول، لكنها لن تكلل بالنجاح، فالجميع سوف يتصدى لها، لأن مصر كبيرة على جمال مبارك وأي إنسان لا يسعى إلى حكمها من خلال صناديق الإنتخاباتquot;.

وعلى الجانب الآخر، تنفي الحكومة أن تكون للإجراءات الأخيرة أي أبعاد سياسية.

وفي ما يتعلق بإيقاف تراخيص أربع قنوات هيquot;خليجيةquot;، quot;الحافظquot;، quot;الصحة والجمالquot;، وquot; الناسquot;، وتوجيه إنذارات quot;أون تي فيquot;، وquot;الفراعينquot;، يقول المهندس أسامة صالح رئيس الهيئة العامة للإستثمار والمناطق الحرة لـ quot;إيلاف quot;:quot;إن قرار إيقاف تراخيص بعض القنوات وإنذار أخرى جاء نتيجة لمخالفتها شروط التعاقد، و بناء على شكوى وطلب وزارة الصحة بعد أن إرتكبت مخالفات كبيرة، حيث تروج لمواد عشبية غير مصرح بها من الوزارة، وتسمح لبعض منتحلي صفة أطباء بالظهور على الشاشة، فضلاً على ترويجها للدجل و الشعوذة، الأمر الذي يصيب المواطنين بأضرار بالغةquot;، مشيراً إلى أن الهيئة وجهت إنذارات إلى هذه القنوات، لكنها لم تستجب.

وكان يجب التدخل قبل تفاقم الوضع. وأضاف:quot; أن القرار تضمن إيقاف الترخيص بشكل موقت لحين تحسين هذه القنوات أوضاعها، وإلغاء البرامج التي تروج للفتن الطائفية، والدجل والشعوذة، والتعاقد مع معدي ومقدمي برامج معتمدين من وزارة الإعلام. وإذا حدث ذلك سوف تعود للبث من جديدquot;.

وحول ما يقال إن هناك أبعادا سياسية وراء الإجراء، قال صالح: ما علاقة السياسة بإيقاف تراخيص قنوات تروج لأعشاب تتدعي أنها طبية، وتستضيف أشخاصا يزعمون أنهم أطباء، وتروج للدجل والشعوذة؟

وفي ما يتعلق بالرقابة على الرسائل التي ترسلها الصحف والمواقع الإخبارية الإلكترونية، حيث تشترط الحكومة الحصول على موافقة المجلس الأعلى للصحافة، يقول جلال دويدار الأمين العام للمجلس: quot;إن المجلس لا يمارس أي نوع من الرقابة على الصحف، وأن الجميع يشهد بهذا، مشيراً إلى أن:quot; الإجراء مجرد تنظيم لقطاع الإتصالات خاصة أن العديد من الشركات ومكاتب الإتصالات بدأت مزاولة هذا النشاط، رغم أنها لا تصدر صحفاً، ولم تحصل على تراخيص من أية جهة، ومحاولة لضبط العشوائية التي تتم بها تقديم هذه الخدمة، حتى لا نفاجأ بمن يروج شائعات تضر بالأمن القومي للبلاد.

وأضاف دويدار أن الأمر ليس له علاقة بما تتوهم المعارضة بأنه quot;تزوير للإنتخاباتquot; أو quot;توريث للحكمquot;. ولو كان الأمر كما يتوهمون لفرضت الحكومة رقابة على الصحف، ولكن الرقابة على الرسائل التي تبعث بها الشركات والمكاتب العشوائية فقطquot;.

وعلى مستوى الحزب الوطني الحاكم، فإن الإجراءات ليست إلا محاولة لإعادة الإنضباط لقطاع الإعلام الذي شهد عشوائية كبيرة خلال الفترة الماضية، حسبما يقول الدكتور نبيل حلمي عضو لجنة السياسات التي يترأسها جمال مبارك في الحزب: quot;لا شك أن ما حدث مؤخراً كان لابد أن يحدث منذ فترة طويلة، إحتراماً للبيت والعقلية المصرية، حيث كانت هذه القنوات تروج لأفكار مضللة من الناحية الطبية والدينية والسياسية والإجتماعية. نافياً أن تكون لهذه الإجراءات علاقة بالإنتخابات البرلمانية المقبلة، لأنها إنتخابات فردية تتم بين مرشحين بعضهم مستقل والبعض الآخر ينتمي إلى أحزاب سياسية، والدولة لا تتدخل فيها بأي شكل من الأشكال.

وتابع متسائلاً: ما علاقة الحكومة بإغلاق استديوهات قناة رفضت دفع الايجار المستحق عليها؟ وما علاقتها بجريدة خاصة باعها مالكها لمستثمرين آخرين؟ وما علاقتها بإيقاف بث قنوات خالفت شروط التعاقد المبرم بينها وبين هيئة الإستثمار أو إيقاف قنوات كانت تروج لمنتجات طبية ضارة؟ هل هذه القنوات كانت تهاجم النظام الحاكم أو تعارض ما تتوهم المعارضة أنه quot;توريثquot;؟
واتهم حلمي الذي يترأس لجنة حقوق الإنسان في الحزب المعارضة والإعلام بصنع quot;أوهامquot;، والترويج لأمور غير منطقية، مشيراً إلى ذلك لا يصب في صالحها هي، وكان الأجدى لها أن تبحث سبب عزوف المواطنين عنها.