ازدادضرب القاعدة لاهداف بريطانية بعد تنامي العلاقات بين صنعاء ولندن في مجال مكافحة الارهاب.

صنعاء: بينما كان السفير البريطاني لدى اليمن تيم اولوزرت يستعد لمقابلة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بمناسبة انتهاء فترة عمله سفيرا لبلاده تعرضت نائبته لهجوم صاروخي كاد أن يودي بحياتها لولا أن الصاروخ أخطأ سيارتها بمسافة قصيرة جدا.

وألقى الحادث بظلاله على مسار المقابلة ولم يكن السفير البريطاني ليرغب أن يكون ذلك رسالة وداع تمنح له بعد انتهاء فترة خدمته في اليمن.

وقع الحادث بعد أقل من ستة أشهر لتعرض السفير البريطاني نفسه لهجوم انتحاري استهدف سيارته في 27 ابريل الماضي على يد أحد أعضاء تنظيم القاعدة رمى بجسده باتجاه سيارة السفير المصفحة وتناثرت أشلاء المهاجم في المنطقة ونجا السفير بأعجوبة.

وربما يأتي استهداف القاعدة للدبلوماسيين البريطانيين على خلفية تنامي العلاقات بين البلدين في مجال مكافحة الارهاب بعد تعهد رئيس الوزراء البريطاني السابق غوردن براون مطلع يناير الماضي بدعم جهود الحكومة اليمنية في محاربة القاعدة والاسهام مع الادارة الأميركية في تمويل بناء وحدة خاصة بمكافحة الارهاب.

وتولت الحكومة البريطانية كذلك مهمة الاشراف على تنفيذ تعهدات المانحين منذ مؤتمر لندن في عام 2006 وصولا الى انعقاد مؤتمر لندن للمانحين في نهاية يناير الماضي وسط جهود بذلتها لندن لتوحيد جهود المانحين الدوليين لانقاذ اليمن من خطر الانهيار.

وتزايد الاهتمام البريطاني بملف الارهاب في اليمن بشكل ملحوظ خلال الاعوام القليلة الماضية وهو ما يظهر جليا من خلال زيادة حجم المساعدات الاقتصادية لليمن المقدمة من الحكومة البريطانية الى نحو 110 ملايين دولار.

وعقب الهجوم على نائبة السفير البريطاني قال رئيس جهاز الاستخبارات الداخلية جوناثان ايفانز ان القاعدة في اليمن باتت تشكل تهديدا متزايدا لبريطانيا وان العديد من المؤامرات الارهابية التي حققت فيها اجهزة الاستخبارات البريطانية أخيرا كان لها علاقة بأنشطة القاعدة في اليمن.

ولعل الشاب النيجيري عمر الفاروق عبدالمطلب الذي حاول تفجير طائرة أميركية عشية ليلة الميلاد كان أحد الاسباب التي دفعت الحكومة البريطانية لتعزيز اهتمامها بالتعاون مع اليمن في حربه على الارهاب.

وكان عبدالمطلب الذي درس الهندسة الميكانيكية في لندن في الفترة من عام 2005 و2008 على علاقة بمتطرفين بريطانيين وتوجه لليمن والتقى بقيادات في تنظيم القاعدة وبثت احدى القنوات الاميركية صورا له وهو يوجه رسالة من انتاج مؤسسة (صدى الملاحم) التابعة للقاعدة أثناء وجوده في أحد معسكراتها التدريبية في اليمن.

وتمثل عودة القاعدة لتنفيذ عمليات في العاصمة صنعاء مؤشرا لمحاولة التنظيم اعادة ترتيب أوراقه بعد الضربات التي تعرض لها العديد من عناصره في عدد من المحافظات اليمنية سواء عبر العمليات الاستباقية بالطائرات أو اعتقال عدد من أعضائه وتضييق النطاق الجغرافي على تحركاته.

ولم تتأثر العلاقات اليمنية - البريطانية بعد محاولتي الهجوم على البعثة الدبلوماسية البريطانية بل كانت تصريحات المسؤولين البريطانيين تؤكد استمرار بريطانيا في دعمها لجهود اليمن في حربه ضد تنظيم القاعدة بعكس ما كان يحدث سابقا كما حدث في عام 1998 بعد مقتل اربعة من الرعايا البريطانيين خلال قيام قوات الامن اليمنية بتحرير 16 مواطنا بريطانيا من عملية خطف نفذها (جيش عدن ابين).

ولم يشفع للحكومة اليمنية حينها تقديم دلائل وقرائن توضح تورط أبوحمزة المصري المقيم في بريطانيا في ارسال مجموعة من البريطانيين المتحدرين من أصول آسيوية وعربية الى اليمن أواخر عام 1998 بينهم نجله محمد لتنفيذ مخططين تخريبيين في عدن لضرب المصالح الغربية.

وتصاعدت الخلافات بين البلدين بعد رفض بريطانيا في 2001 تسليمها ابوحمزة مقابل خمسة بريطانيين مسجونين في عدن بعد ادانتهم بالتخطيط لتنفيذ تفجيرات. وكان القضاء اليمني حكم في أغسطس 1999 على ثمانية بريطانيين واثنين جزائريين بالسجن لمدد تتراوح بين سبعة أشهر وسبعة أعوام بعد ادانتهم بتشكيل عصابة مسلحة لتنفيذ عمليات ارهابية في عدن.
وغادر ثلاثة من البريطانيين اليمن في أكتوبر 1999 بعد انتهاء فترات عقوباتهم.

الا أنه يمكن القول ان العلاقات البريطانية - اليمنية شهدت محاولات كثيرة لترميمها أسفرت عن زيادة المساعدات البريطانية لليمن بالاضافة لقيام الرئيس اليمني وعدد من كبار المسؤولين اليمنيين بالعديد من الزيارات للعاصمة البريطانية نجم عنها تبني بريطانيا مؤتمر لندن للمانحين عام 2006 ومؤتمر أصدقاء اليمن عام 2010 بالاضافة لقيام الحكومة البريطانية بدعوة الاطراف الدولية المانحة لتعزيز وتكثيف جهودها لدعم ملف الاصلاحات الاقتصادية والسياسية في اليمن ومنع وقوع انهيار للوضع الحالي في اليمن.

ولعل تقارير الاستخبارات البريطانية من احتمال قيام عناصر من تنظيم القاعدة في الصومال واليمن بتنفيذ عمليات ارهابية في العاصمة البريطانية هي احد أسباب تنامي الدعم البريطاني لليمن في حربه مع الارهاب بالاضافة الى أن الرغبة البريطانية المتنامية في استعادة نفوذها في المنطقة تعد حافزا لتلك التحركات.

كما يأتي ذلك في ظل التنسيق المشترك بين بريطانيا والولايات المتحدة في الحرب على الارهاب ومحاصرة النفوذ المتنامي للوجود الايراني في البحر الأحمر والمحيط الهندي ومنطقة الخليج لما يمثله من تهديد للمصالح الاقتصادية الغربية ويشكل خطرا على حلفائها في المنطقة.

ويبدو واضحا تقاسم المهام في دعم القدرات اليمنية الأمنية والعسكرية بين بريطانيا والولايات المتحدة اذ تتولى الأولى تدريب ودعم الأجهزة الأمنية ووحدات مكافحة الارهاب في الأمن المركزي والأمن القومي بينما تتولى الثانية تدريب وتعزيز ودعم قدرات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة وقوات مكافحة الارهاب فيها.

وباتت الحكومة اليمنية تراهن على قدرة بريطانيا على حث المانحين الدوليين وفي مقدمهم دول الجوار الخليجي والاتحاد الأوروبي على المضي قدما في دعم اليمن اقتصاديا وسياسيا لمواجهة تحدياته الأمنية وحربه على القاعدة ومساعدة الحكومة اليمنية على الخروج من دوامة الاحتقان السياسي ودعم جهود الحوار السياسي مع أحزاب المعارضة اليمنية والحراك الجنوبي والحوثيين بالاضافة الى دعم الحكومة اليمنية اقتصاديا لمواجهة التحديات التنموية.

وتراهن الحكومة البريطانية بدورها على دور دول الخليج في مساعدة اليمن اقتصاديا وفتحت الباب منذ اجتماع اصدقاء اليمن في لندن أمام المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج للمشاركة في تنفيذ عملية الدعم الاقتصادي والاصلاحات السياسية في اليمن وتقييم جهود الحكومة اليمنية في استجاباتها للشروط البريطانية والأميركية والمؤسسات الدولية المالية الكبرى الداعية لتعزيز اجراءات الشفافية والحد من الفساد المالي والاداري.