ربما كنت تعلم أن شريحة المتقدمين في السن في عموم العالم تزيد حجماً عن شريحة صغاره. ولكن ربما كان ما لا تعلمه هو السرعة التي يزيد بها حجم الفئة الأولى (العواجيز) عن الثانية (الشباب).


سكان العالم ينقسمون في الوقت الحالي إلى نصفين متساويين هما من هم فوق سن 28 ومن هم دونه. وبحلول العام 2050 سيكون هذا الخط الوسط بين النصفين قد ارتفع الى سن الأربعين. ويستخدم خبراء الدراسات السكانية (أو الديموغرافيون) معيارا آخر الى جانب ذلك الخط لتحديد ما إن كانسكان العالم يتقادمون. ويسمى هذا المعيار quot;نسبة الأكبر عمراquot;. فإذا كانت نسبة من هم في الستين فما فوق تتزايد فهذا يعني أن السكان يتقادمون.

وبهذا المعيار فإن العالم نفسه يتقادم. وخذ أي شريحة عمرية معينة فوق سن 28 (خط الوسط الحالي) وستجد أن معدل نموها يفوق أي شريحة عمرية أخرى في فئة ما دون 28. وبحلول العام 2018 سيكون عدد من هم في سن 65، على سبيل المثال، أكبر من عدد من هم في سن الخامسة وهذه سابقة تاريخية.

هذا هو موضوع تقرير أعده الكاتب تيد فيشمان تلخيصا لكتابه ذي العنوان الطويل quot;صدمة المشيب: تقادم سكان العالم وكيف يستعدي الصغير على الكبير والطفل على الأبوين والعامل على الموظِف والشركة على منافستها والأمة على الأخرىquot;. وهو تقرير نُشر على الموقع الإلكتروني لصحيفة quot;نيويورك تايمزquot; وستنشره مطبوعا في مجلتها - الملحق أواخر الشهر الحالي. ويستخدم التقرير هذه الحقائق ليظهر كيفية تأثير هذه الظاهرة على أداء الأمم الاقتصادي في العالم.

تشابك ديناميكي

بحلول 2050 ستكون الدول النامية في طريقها لأن يكون تعداد سكانها من الأطفال والصبية دون سن 15 نصف عدد سكانها الذين تزيد أعمارهم عن 60 سنة. وبعبارة أخرى فإن تركيبة العالم العُمرية تنقلب رأسا على عقب وبمعدلات غير مسبوقة.

وستكون لهذه الحقيقة مضامين هائلة تعني تغيّرا في كل علاقاتنا سواء على مستوى الأسرة أو المجتمع أو الأمة أو العالم. وتقادم السكان سيغير ايضا أساليب العمل التجاري في كل مكان. فالعولمة الاقتصادية تتسارع وتيرة الآن لأن العالم نفسه يتقادم بوتيرة سريعة. وفي الوقت نفسه فإن العالم يتقادم لأن وتيرة العولمة الاقتصادية تتسارع.

وهذا التشابك الديناميكي هو أحد العوامل المهمة المؤثرةفي التنافس الدولي من أجل الثروة والسلطة. فالتكاليف العالية التي تستدعيها رعاية المتقدمين في السن في الدول الغربية الغنية تسببت في إضعافها اقتصاديا وسياسيا. وفي المقابل فإن الدول الأخرى تجمع المزيد من الثروة الآن لأنها ترفض تحمل تكاليف رعاية المسنين. الدول quot;المسنّةquot; تخسر إذن لصالح الدول quot;الشابةquot;.

أبارتيد السن

ربما كانت الصين، في مسيرتها الحالية السريعة نحو الازدهار، هي أفضل مثال لفهم ما تقدم ذكره. وبسبب هذا الازدهار وجد مئات الملايين من صغار الصينيين المبرر للانتقال الى المدن. وتشير الإحصاءات إلى أن شركة quot;فاكسكونquot; العملاقة، التي تصنّع مكونات أجهزة الكمبيوتر لكل من شركات quot;أبلquot; وquot;ديلquot; وquot;هيوليت باكاردquot; الضخمة في مدينة شينزين وغيرها من المدن الصينية، ستوظف في المستقبل القريب عددا من الشباب الصيني يكفي لملء 60 في المائة من إجمالي عدد الوظائف في مانهاتن، نيويورك.

وتوفر فاكسكون حاليا وظائف لقرابة 920 ألف شاب كلهم تقريبا دون سن 25. وقد أعلنت أنها ستستوعب 400 ألف شاب آخرين خلال العام المقبل. لكن كل هذا يخبئ وراءه حقيقة أخرى، وهي أن السحنة الشبابية التي تبدو عليها هوية الصين العالمية لا تتعدى كونها صبغة للشيب على رأسها.

وهذا أمر يتجلى في أن العاملين الأكبر سنا يُحرمون حاليا من الكعكة الاقتصادية العالمية الجديدة. هذه هي الشريحة التي إما تُركت في القرى النائية أو أخرجت من منازلها المدينية ودفع بها للسكن في أبراج على حواشي المدن الكبرى بغرض إفساح المجال لسكان جدد من الشباب الذين تحرص عليهم الشركات حاليا. وعليه يمكن وصف النموذج الصيني بأنه quot;أبارتيد السنquot; إذ لا توجد دولة أخرى تصنف سكانها تبعا لأعمارهم وبهذه القسوة مثلما تفعل الصين.

عجوز قبل الثراء

المشكلة بالنسبة إلى الصين هي انها تنتقل سريعا من كونها دولة شابة الى دولة مسنة. فبحلول 2015 ستبدأ شريحة العاملين دون 65 بالانكماش لصالح ما فوقها بحيث يصبح عدد المسنين 300 مليون عامل في 2050، أي ثلاثة أضعاف العدد الحالي. وسيعني هذا أن الصين ستصبح هي الدولة الأولى التي quot;ستشيخquot; قبل انضمامها الى نادي الدول المتطورة. وبعبارة أخرى فهي ستصبح عجوزا قبل أن تصبح ثرية.

ومن أجل تلافي هذا المصير تجاهد الصين الآن ما استطاعت من أجل اجتذاب صناعات العالم ورأسماله قبل أن ترجح كفة ميزان أيديها العاملة المسنّة على حساب الشبابية. وتبعا للكاتب فهي تفعل هذا بتجاهل الحقوق التقاعدية والصحية لطبقة المسنين.

وفوق ذلك فإن الصين تعلم أن سبيل بقائها قوة مصدّرة للعالم تتمثل في خفض تكاليف الإنتاج. ولذا فهي تعتمد بالكامل على جيل الشباب لأنه الدعامة الكبرى لازدهارها. لكنها لا تقدم أيا من أشكال الوعد لهذا الجيل نفسه بأي حقوق - مثل راتب التقاعد - عندما يصبح quot;مسناquot;.