تتظافر عوامل عدّة في عراق اليوم لتجعل الزواج أمرا صعبا ومضنيا. ولعلّ الحروب المتتالية والأوضاع الأمنية غير المستقرة والعادات والتقاليد الاجتماعية والعشائريّة القاسية والأوضاع المادية الصعبة، من أبرز تلك العوامل التي تدفع بشباب العراق الراغب في الزواج إلى البحث عن حلول استثنائيّة تلبي رغباته الجنسيّة والعاطفيّة.


بغداد: كشفت حروب العراق المتتالية النقاب عن نسبة عنوسة عالية بين الرجال والنساء على حد سواء، يرى البعض أن مستوياتها تجاوزت الخمسين بالمائة بين النساء.

وبينما يرجع البعض أسباب أخرى للعزوف عن الزواج منها الهجرة والبطالة والظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتقاليد العشائرية، فان الحرب شكلت منعطفا اجتماعيا ازدادت فيه أعداد النساء مقارنة بالرجال، وهذا يطرح إشكالية من ناحية الموازنة البشرية، ومدى قدرة المجتمع على الوقوف بوجه التحديات التي تواجهه.

لكن حوار أصحاب الشأن يضع تفاسير أخرى، تبتعد كثيرا عن التنظير والدراسات لتمس الواقع بقدر كبير من المصداقية.

غلاء المهور

ومن هؤلاء quot; صبا quot; الفتاة المتعلمة وربة البيت في نفس الوقت، التي ترى في غلاء quot;المهورquot; واشتراطات quot; النيشان المتكامل quot; من غرفة وملابس وحلى ذهبية، عاملا محوريا يكرس الصدود على الزواج.

وترى صبا أنّ ارتفاع القدرة الشرائية للمواطنين والدخل الجيّد للموظف ساهم في هذه الظاهرة وليس العكس لاسيما بين فئات المجتمع التي لا تتمتع بدخل شهري ثابت.

ويبلغ سعر غرف النوم quot;الصينيةquot; وquot;الاندونيسيةquot; في العراق مليوني دينار عراقي على أقل تقدير، إما الذهب فوصل مثقاله إلى 275 ألف دينار، وكلها متطلبات أساسية لمن يريد أن يتزوج.

واشترطت سمية سهيل على خطيبها مهرا عند العقد يصل إلى خمسين مليون دينارا quot;كغائبquot; أما quot;الحاضرquot; فيبلغ عشرين مليون دينار.

ورغم شكوى خطيبها من الثمن الباهض إلا أنه وأهله قبلوا الشروط على مضض.

ظاهرة غير مقبولة

ويجمع عراقيون على أن ظاهرة quot;العنوسةquot; غير مقبولة اجتماعيا ودينيا، ويجد quot;احمد العراقيquot; وهو طالب جامعي في العنوسة للرجال سببا في الإقبال علي إدمان المخدرات والتحرش الجنسي أيضا.وتعاني المرأة العانس مثلما الرجل من متغيرات هرمونية في مراحل حياتها، تؤدي إلى اضطرابات نفسية مثل الكآبة.

أغراض خاصة

ويروي عامر وهو موظف في بنك كيف أن أهل فتاته أخروا زواجه منها طمعا في راتبها.

ولعل المواقف الميدانية هذه من قضية العنوسة ومدى الإقبال على الزواج يوضح حقائق تغفل عنها الكثير من الدراسات والاستطلاعات.

ومن ذلك ما يعتقده الشاب حسن وهو صاحب دكان من انه على رغم عقده الثلاثيني فانه يسعى للزواج من فتاة في الخامسة عشر أو دون العشرين مرجعا ذلك إلى رغبته في فتاة تستمع له وتعينه حين يتقدم في العمر إضافة إلى أن فرصة إنجاب الأطفال تظل اكبر مع تقدم الزمن.

نتائج الحروب

ويرى رائد الزبيدي وهو أخصائي اجتماعي أن الحروب التي راح ضحيتها شباب العراق سببا في زيادة أعداد النساء غير المتزوجات.

ويضيف: الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات تشكل منعطفا كسر نسق الحياة الاجتماعية العراقية، وبحسب رأيه فان هذا فاقم الدعارة السرية في مختلف مدن العراق.

وبحسب دراسة أعدها الزبيدي فان سنوات الحصار شكلت عبئا جديا على المجتمع،وأزاحت النقاب عن ظاهرة مقلقة مازالت إلى الآن باقية بنتائجها وهي ظاهرة هجرة الشباب إلى البلدان المجاورة والأوربية للحصول على عمل في تلك البلدان مما اخل بمعادلة الرجل ndash; المرأة في المجتمع.

والملاحظ كذلك أن بعض الشباب فقدوا ارتباطهم بالوطن الأم وتزوجوا من نساء أجنبيات في البلدان التي يقيمون فيها.

اعتبارات عشائرية وعائلية

على أن الأسباب الاجتماعية المرتبطة بالاعتبارات العشائرية والعائلية لها دور في تعقيد الزيجات، ومثال ذلك احمد الطالب الجامعي الذي لم يختر زوجته بمحض إرادته بحسب قوله ، بل إنّ الأهل بإصرارهم على بنت معينه هي ابنة عمه، جعل حياته الزوجية غير سعيدة، ولهذا قرر الانفصال عن زوجته العام الماضي بسبب عدم الانسجام معها.

ووسط مجتمع محافظ ومنغلق فان مساحه الحرية للمرأة ضيقة، لكن التقنيات الحديثة من موبايل وانترنت فتح لها مجال الاتصال بالآخر وهو الرجل، مما أتاح لها إقامة علاقات عاطفية بعيدة عن أنظار الأهل والعائلة.

أحمد وهو عازب في عقده الأربعيني وجد له عبر التشات شريكة عاطفية، وهي أرمل دائمة الاتصال به.
ويضيف أحمد: نحن على وشك الاتفاق على لقاء يحسم العلاقة بيننا،بالنسبة لها فإنها مبدئيا موافقة على علاقة جسدية quot;شرط السترquot; وتحمل تكاليف معيشتها من دون زواج تقليدي.

زواج المتعة

وبينما يلجأ بعض شباب وفتيات العراق إلى العلاقة العاطفية السرية، فان البعض وجد في زواج المتعة سبيلا لإشباع حاجته الجنسية والعاطفية.

وتلجا بعض العوانس والأرامل إلى طريقة الزواج هذه لأنها مقبولة اجتماعيا إلى حد ما. إضافة إلى أنها توفر للمرأة مردودا ماديا معينا وتشبع غزيزتها الجنسية.

النساء المتعلمات والجامعيات

وترتفع ظاهرة العنوسة بشكل ملحوظ بين النساء المتعلمات والجامعيات ممن قضين سنينا في الدراسة، ويفسر كريم السيد الأمر على انه غرور وترفع، وبعض النساء يفرضن شروطا صعبة للزواج نظرا لرواتبهن الجيّدة.

بل إن منهن من يعتقد أنهنّ جميلات إلى حد لا يمكن لهن إلا الزواج من فارس الأحلام، ولكن الزمن وتقدم الأيام يجعلهن يرضخن للآمر الواقع.

وتفسّر يمامة عدم زواجها إلى الآن برغبة أهلها، وتضيف: سبب عدم زواجي هو رفض استجابة الشاب المتقدم لخطوبتي لشروط الأهل، فالشاب لا يقوى على ما يفرضه أهلي وبهذا خسرت الكثير.

ويشترط الأهل على الشاب الذي يتقدم للزواج من ابنتهم بيتا مؤثثا، بثلاجة والطباخ والتلفزيون والستلايت وغرفة النوم والفراش، يضاف إلى ذلك أسعار البيوت المرتفعة.

ويبلغ راتب quot;صديقquot; خمسمائة ألف دينار عراقي، و ما أشترطه عليه أهل فتاته لا يقوى على تسديده بمرتبه هذا.

quot;النهوةquot;

أما سبب عزوف رغد عن الزواج فيعود إلى أولاد عمومتها، فكل شاب يتقدم لخطبتها يرفض تحت عادة ما يسمى (النهوة).

ولهذا السبب فاتها قطار الزواج ولم يعد يتجرأ احد على التقدم للزواج منها.

ويصبح تدخل الدولة والمؤسسات الاجتماعية والدينية أمرا ملحا لبلورة برنامج عمل يفضي إلى انسيابية اجتماعية تعطل ما يعيق الزواج، عن طريق قبول فكرة تعدد الزوجات اجتماعيا وتشجيع الحكومة للمتزوجين ودعم غير القادرين علي مصروفات الزواج وزيادة التكافل الاجتماعي.