وصلت الملكة إليزابيث الثانية إلى أبو ظبي يوم الأربعاء في إطار جولة على دول الخليج تستمر خمسة أيام. واكتسبت الزيارة مغزى أعمق وطابعاً سياسياً وإقتصادياً غير معهود في مثل هذه الفعاليات بالارتباط مع تغير الحكومة في بريطانيا وتصاعد حدة التوتر مع إيران على الضفة الأخرى من الخليج.
صلاح أحمد وعبدالاله مجيد: حقيقة أن الامارات منعت تصوير Sex and the City 2 quot;الجنس والمدينة 2quot; على أراضيها تخبئ وراءها حقيقتين أكثر أهمية. الأولى هي أن ابوظبي ودبي تؤديان دورا أساسيا في دوران عجلة قطاع الأعمال البريطاني (والعالمي)، وفي حياة قطاع كبير من البريطانيين إذ يعيش منهم أكثر من 100 ألف في الامارات. ويعمل العديد من هؤلاء في شركات تصدر المنتجات والخدمات البريطانية الى مختلف أرجاء الشرق الأوسط وما وراءه.
ولئن كان الشرق الأوسط منطقة quot;عسيرةquot;، فإن الامارات، ، تبعا لصحيفة quot;ديلي تليغرافquot; البريطانية، تشكل واحة من quot;الطبيعية النسبيةquot;. فباستطاعة الأجانب إقامة أعمالهم بقدر أقل من القيود البيروقراطية التي يشتهر بها الشرق الأوسط، وتعليم أبنائهم في أي من مدارس quot;دوليةquot; عديدة، والتعرض عموما لأخطار تقل كثيرا عما يمكن ان تواجههم في بقية دول المنطقة. وثانيا، فباستطاعة الغربي أن يعيش حياته الاجتماعية بأسلوبه الغربي في الامارات المتساهلة في أشياء كالمنتديات الليلية والزي الذي يمكن أو لا يمكن للمرء ارتداؤه،على سبيل المثال وليس الحصر.
وبصفته نائب رئيس الامارات ورئيس مجلس وزرائها، فإن لحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم دورا بروتوكوليا مهما يؤديه خلال في زيارة الملكة اليزابيث الثانية لبلاده. وهو أيضا أكبر المستثمرين، على نطاق العالم قاطبة، في الخيول النبيلة.
ولكن ثمة ما هو أكثر أهمية من هذا. ذلك ان لقاءه بالملكة سيُفسّر محلياً باعتباره صوت ثقة فيه بعد النكبة العقارية التي تعرضت لها امارته في خضم الأزمة المالية العالمية. ويكتسب هذا الأمر أهميته من حقيقة أن دبي أقامت ثروتها استنادا الى قطاع العقار بمشاريع عمرانية لم ير العالم مثيلا لسرعتها والطموحات الجبارة المتعلقة بها.
ومع ديون تقدر بما بين 100 مليار و160 مليار دولار، أجبرت دبي على طلب الإنقاذ من ابوظبي. على أن هذا لم يكن هذا بحد ذاته كافيا لإرجاع عقارب ساعتها الى الزمن الطيب، فاضطرت لإعادة جدولة ديونها مع البنوك العالمية والعديد منها بريطانية.
وأضطرت مؤسسات هندسية وإنشائية بريطانية عديدة لانتظار تسديد الامارة فواتيرها لها، ومُنحت 40 بنسا عن كل جنيه، وقيل لها إن الباقي سيسدد ربما خلال ثمانية أعوام... وكل هذا وهي تشكو نوع المعاملة التي تجدها على صفحات الجرائد البريطانية.
وفي غضون ذلك كانت ابوظبي تشق طريقها الى الأمام، محميّة من الفوضى حولها بفضل صناديق ثروتها المستقلة المتأتية من مبيعات النفط وباحتياطي منه يضعها في المرتبة الثالثة أو الرابعة داخل quot;اوبيكquot;.
وبينما كانت بنوك بريطانية تطالب دبي بأموالها، توجهت أخرى الى ابوظبي لطب المساعدة. وهكذا انتهت حصة كبيرة من أسهم quot;باركليزquot; في يدها. واشترت الأموال الظبيانية أيضا نادي quot;مانشيستر سيتيquot; لكرة القدم، وحصة في ديملر ومرسيدس مكلارين لسباقات الفئة الأولى إضافة الى الاستثمار المخطط برويّة في مجال الإنشاءات الداخلي.
ومع كل هذا فإن النجاح غير مضمون تلقائيا. فمازال على ابو ظبي تشييد نوع المعالم التي اجتذبت العديد من الناس والمستثمرين الى دبي، ليس من بريطانيا وحسب وإنما من الشرق الأوسط وآسيا وبقية أنحاء الدنيا أيضا.
ولكن حتى هذا لا يحرم دبي من الدرر الغالية التي تحسدها عليها الجارات بما فيها ابوظبي نفسها. وتتمثل هذه في أكبر ميناء في الشرق الأوسط، وأكبر مطار تحت الإنشاء في الدنيا قاطبة، وشركة quot;طيران الإماراتquot; التي يمكن اعتبارها الأنجح في العالم.
سياسياً، أفادت تقارير ان الحكومة البريطانية تعتزم إتباع سياسة خارجية تراعي توجسات العرب بشأن عملية السلام في الشرق الأوسط. وان هذا التغيير يأتي في اطار مساعي الحكومة الائتلافية برئاسة ديفيد كاميرون لتوثيق العلاقات مع دول الخليج.
وقال مسؤولون بريطانيون إن قرار وزير الخارجية وليام هيغ مد جسور مع دول الخليج لتأمين علاقات دبلوماسية وتجارية أمتن يعني أن على بريطانيا أن تأخذ في اعتبارها اهداف السياسة الخارجية العربية. ويأتي هذا الاتجاه في وقت استهلت الملكة اليزابيث جولة خليجية بزيارة ابو ظبي.
المسؤولون البريطانيون أكدوا ان تعزيز العلاقات طريق ذو اتجاهين ولا يقتصر على السعي الى الفوز بمزيد من صفقات الاسلحة وزيادة الصادرات البريطانية. ونقلت صحيفة الديلي تلغراف عن مصدر دبلوماسي ان العلاقات ستكون quot;طريقا سريعا بستة ممرات في الاتجاهين، علينا ان نستجيب الى ما تريده دول الخليج. وإذا اردنا شراكة طويلة الأمد في مجال السياسية فان اجراء تغييرات في موقفنا يتعين ان يكون جزء من ذلكquot;.
وكان هيغ وضع تحسين العلاقات مع دول الخليج العربية والهند على رأس اهداف السياسة الخارجية البريطانية، وقام كاميرون ووزير الدفاع ليام فوكس بزيارة ابو ظبي في غضون شهر واحد من تسلم مقاليد الحكم.
وكانت إيران هددت بضرب المصالح الغربية في الخليج ردا على اي هجوم جوي يستهدف منشآتها النووية. وإزاء وجود 100 الف بريطاني يقيمون في دبي وابو ظبي والامارات الأخرى وحدها والوجود العسكري البريطاني والاميركي الكبير في المنطقة فان وزارة الدفاع البريطانية تعتبر اتخاذ موقف مشترك مع دولة الامارات العربية قضية بالغة الأهمية.
ولتأكيد هذا التوجه حضرت الملكة ودوق ادنبره الأمير فيليب استعراضا جويا بمشاركة طائرات ميراج واف 16 تابعة للسلاح الجوي الاماراتي وطائرات تايفون من القوة الجوية الملكية البريطانية. ورغم الطابع المراسيمي للتظاهرة الجوية فان الطائرات البريطانية ستبقى خلال الاسبوع المقبل مع عناصر من البحرية الملكية للمشاركة في تمارين جوية مع القوات الاماراتية.
ويتفق المسؤولون في ابو ظبي ولندن على تأكيد اهمية الشراكة الدفاعية في وقت يستعد الغرب وحلفاؤه الاقليميون لأسوأ الاحتمالات مع ايران. ويرى محللون ان هذا قد يعني الحد من الدعم البريطاني التقليدي لاسرائيل التي اصبح انتقاد سياستها أوضح وابرز بتولي هيغ ادارة السياسة الخارجية منه في زمن حكومة العمال.
وفي مؤشر آخر الى تفهم وزارة الخارجية البريطانية لوجهة النظر العربية اعترف مسؤولون لصحيفة الديلي تلغراف بأن مواقف بريطانيا خلال حرب اسرائيل على لبنان في 2006 وهجوم اسرائيل على غزة عام 2008 2009 واحتلالها الضفة الغربية ونشاطها الاستيطاني ، كلها تشكل quot;دوافعquot; لتصاعد التطرف الاسلامي الذي تتبدى مظاهره يوميا في منطقة الخليج.
التعليقات