ينقسم العراقيون في نظرتهم لقرار محافظة بغداد الذي يقضي بمنع بيع المشروبات الكحولية وإغلاق الأندية التي لا تحمل ترخيصاً، لكن هناك ثمة شبه إجماع على أن معتادين تناول الخمور سيجدون الطريق لتحقيق مبتغاهم، أما عن طريق التهريب أو الرشاوي، وهو ما يعني زيادة حجم المشاكل التي يعاني منها هذا البلد الذي أنهكته الحروب.
بغداد: منذ القرار الذي أصدره مجلس محافظة بغداد الشهر الماضي، والقاضي بغلق محال بيع المشروبات الكحولية والأندية التي لا تحمل ترخيصًا رسميًا، وكل محال بيع الخمور وتخزينه مغلقة، ليس لمناسبة شهر محرم الذي يسري فيه مفعول الغلق سنويًا، بل لأن القرار لم يستثن أي منها، وكذلك الأندية الاجتماعية، ومعنى هذا أن بغداد ستكون بعد شهر محرم الحالي، دون خمر، ولن يفتح فيها أي مخزن لبيع المشروبات أبوابه، لا المجازة منها، ولا غير المجازة.
quot;رحلة البحث عن مشروبquot;
وكم حاولنا أن نجد في الأزقة الشعبية العتيقة التي كنا نعرف أن فيها بيعًا مباشرًا للمشروبات، إلا أننا لم نجد حتى أصحابها الذين اختفوا مع قرار الغلق، كما اختفى أصحاب العربات الصغيرة التي كان نشاطها يرتبط بعمل المخازن من حيث بيع ما تسمى (المزة) - مقبلات ترافق الشرب-، إلا أن احد الذين يدمنون الشرب دلنا على شخص، قال إنه كان صاحب مخزن، علمنا أنه (مسلم)، لكننا لم نسأله عن ديانته، بقدر ما أردنا أن نعرف منه أسرار الغلق المفاجئ.
فقال من دون أن يذكر اسمه: quot;القرار ليس مفاجئا لنا، وكنا نتوقعه خاصة مع سماعنا لشائعات ومخاوف من أن الحكومة ستقوم بإجراءات لغلق محال الشرب التي سمح لها قبل انتخابات مجالس المحافظات قبل عامين، وبعد القضاء على الميليشيات التي كانت تهاجم محلات بيع الخمور، وكذلك بعد أن رفضت وزارة السياحة منح إجازات عام 2009 ، كنت أخشى أن افتح باب مخزني على عرضه لأنني غير مطمئن للوضع، لان رفض إعطاء الإجازات معناه أنهم يريدون منعنا، لذلك حدث الذي حدثquot;.
القرار بعين الباعة
وأضاف حين سألناه: كيف تنظر إلى هذا القرار؟ quot;اعتقد انه قرار سيؤثر سلبا على المجتمع، ولنا في تجربة (الحملة الإيمانية) التي قادها رئيس النظام السابق دليل قاطع من أن المنع لن يجد نفعًا وأن الذين يشربون الخمر سيشربونه ولو يعصرون العنب ويعتقونه أو يشربون (الاسبيرتو)، وأود أن اقول لكم أن المخدرات لم تدخل إلى العراق إلا بعد انطلاق ما يسمى بـ (الحملة الإيمانية)، ومن هنا اعتقد أن القرار ليس في صالح الحكومةquot;.
كما سألنا مواطنا (حبيب حسن) قال إنه (تضرر) كثيرا من هذا القرار لأنه (مدمن) على شرب الكحوليات، فقال: quot;لا اعتقد أن القرار جاء عن دراسة وتمحيص، كما يقول المثقفون، بل اعتقد أن هناك (جماعة) لا يعجبها أن ترى الناس سعداء ومرتاحين فينغصون عليهم، أنا لم أر (سكيرا) أذى الناس، اغلب الذين (يشربون) أريحيون وكل ما فيهم جميل، وأصحاب مزاج وذوقquot;.
وأضاف: quot;هل يعتقد أعضاء مجلس محافظة بغداد أنني سأمتنع عن (الشرب)؟ لا .. حتى لو اضطررت لصنعه بنفسي، وأريد أن انصح المحافظة أنها لن تستطيع المنع، وسينتشر التهريب والرشاوى، وتكثر المخدرات، وصدقني أن أضرار القرار أكثر من فوائدهquot;.
quot;القرار حكيمquot;
أما المواطن احمد سعد، فقال: quot;أنا مع القرار واعتبره حكيما خاصة أن الفوضى عمت العديد من المناطق التي أصبحت مخازن بيع الخمور مكشوفة، ونرى التجمعات عندها، وكلما أمر في الكرادة في بداية الليل أجد المنطقة وقد تحولت إلى مشرب كبير، بل أن عربات عديدة تقف هناك يبيع أصحابها مستلزمات ما يؤكل مع المشروبات، والمخمورون يجلسون على قارعة الطريق غير أبهين بالناس، وبصراحة أنا اشعر بالخجل من نفسي، فكيف يسمح هؤلاء لأنفسهم ممارسة (السكر) أمام الناس، اعتقد أنها صورة قبيحة ومقززة وتخدش الحياء العام وتسيء للناسquot;.
وحين سألنا شخصا (مسيحياً) عن رأيه، قال: quot;لا رأي عندي، فالجماعة رموا المسألة على المسيحيين وكأنهم وحدهم الذين يشربون الخمر ويبيعونها، وقرار محافظة بغداد خطأ في خطأ، فبدل هذا الإجراء عليها أن تقوم بتحديد أمكنة لأندية أو حانات وتقوم عليها بالرقابة، كما كان في السبعينيات، ولا اعرف هل تريد المحافظة أن تمنع الذين يشربون الخمر من شربه ؟ لا .. أبدا لان كل ممنوع مرغوب و(ابصم بالعشرة) هذا تقييد للحريات العامة، وأخشى في الغد أن يغلقوا المقاهي بحجة أن (الدومينو والطاولة) من عمل الشيطان!quot;.
وللتعرف أكثر على حيثيات القرار التقينا محمد الربيعي عضو مجلس محافظة بغداد الذي أجاب عن الأسئلة بصراحة، فقال: quot;أولاً أن عدد محال بيع الخمور في بغداد بالأصل هو 96 محلا، منهما 50 محلا قامت بدفع رسوم من اجل تجديد الإجازات في شهر نيسان/ ابريل من عام 2009 ، ولكن وزارة السياحة منعتهم من فتح محالهم، فيما الـ 46 محلا الأخرى، لم تدفع رسوما، ولم تطالب بتجديد الإجازات.
وأضاف: quot;السبب فيما حصل هو في تطبيق القانون، حيث أغلقت المحال، وفقا للقانون القديم، غلق المحال، والبارات وملاهي الرقص غير المجازة، والخطأ في وزارة السياحة التي طبقت القانون بشكل قسري، ارفض فقط الذين لم يدفعوا الرسوم، ولم يحصلوا على إجازات، وما حدث هو خلاف إداري، وما كان على السياحة أن تغلق محال الذين دفعوا الرسوم منذ شهر نيسان/ ابريل عام 2009 وطالبوا بالحصول على الإجازات وفق الضوابط، بل أن تتعامل فقط مع الذين لم يدفعوا الرسوم وليس لديهم إجازات، وقاموا بالفتح عشوائي، لكنها نفذت الغلق بطريقة غير مشروعةquot;.
محافظة بغداد واجبها رقابي فقط
وتابع محمد الربيعي: quot;محافظة بغداد غير مسؤولة عن فتح البارات، بل واجبها الرقابة فقط، ولا علاقة لها بمنح المسيحيين أو غيرهم إجازات فتح البارات والمخازن، بل هذا منوط بوزارة السياحة. وحول رأيه الشخصي في القرار وعلاقته بالحريات العامة، قال: quot;القرار يحد من الحريات العامة، وارفضه، على الرغم من أنني في الوقت نفسه لا اقبل أن يفتح بار أو ملهى بدون ضوابط وبشكل فوضوي يؤثر على حريات الآخرين، الذين لا يشربون، وهم في دورهم والمجمعات السكنية، وارفض أن تنتشر محال بيع المشروبات، بشكل فوضوي، لما في ذلك من تجاوزات بحق الغيرquot;.
واستطرد قائلاً: quot;اقترح أن نقوم بتنظيم العملية، وان يكون هناك تشريع برلماني واحد لعموم العراق وتحديد أمكنة خاصة لا تؤثر على الذوق العام وحرية الآخرين، فمن يمارس حريته يحق له ذلك، والدستور العراقي كفل الحريات لكل العراقيينquot;.
وبحسب الربيعي فإن غلق هذه الأمكنة سيخلق عدة مشاكل، وقال: quot;نحن في غنى هذه المشاكل، ولا نستطيع السيطرة عليها بأجهزة الشرطة والاستخبارات والأجهزة الأمنية كافة، لأننا لن نعرف أين يمارس هؤلاء الشرب، وربما ستكون هناك أماكن لتعاطي الخمور في المكاتب، وربما تتحول إلى بيوت بغاء، وإذا كانت مسألة الشرب تمارس في البيوت، فستخلق لنا مشاكل أكثر، ولا يمكن أن تكون هناك رقابة عليها، وتتسبب في مشاكل خطيرة جدا للمجتمع العراقي.
التعليقات