أثار طلب عضو مجلس المستشارين رياض الزغل بخفض مستوى صوت الأذان في المساجد التونسية، ووصفها له بـ (المزعج) ردود فعل واسعة النطاق، ففي حين شنّت طائفة واسعة من التونسيين هجوما لاذعا على المستشارة، رأى فريق آخر أن الدعوة تبدو عقلانية وفي محلها.
تونس: أفضت مطالبة عضو مجلس المستشارين في تونس رياض الزغل بخفض مستوى صوت الآذان في المساجد التونسية ونعتها بأنه quot; يمثل إزعاجاquot; ردود فعل واسعة النطاق واحتجاجات بالجملة.
ودعت الزغل العضو في مجلس المستشارين (الغرفة التشريعية الثانية بعد البرلمان) خلال مداخلها لها في الجلسة المخصصة لمناقشة ميزانية الدولة لسنة 2011 إلى إيجاد حل لأصوات الآذان الغير المتناغمة بسبب كثرة المساجد وتقاربها.
وقالت الزغل خلال مداخلتها: quot;من المعلوم أن بلادنا تشهد تكاثراً لافتاً في بناء المساجد بالمناطق والأحياء السكنية في المدن، حتى إن المسافة التي تفصل بين مسجد وآخر تتقلص شيئاً فشيئاً، ويصبح الأذان للصلاة يأتي من مسافات متقاربة وبأصوات مضخمة وغير متناغمة مع درجات من quot;ديسبيلquot; فائقة العلو (الديسيبل وحدة لقياس ضغط الصَّوت)، مما يمثل إزعاجاً لا للمتساكنين فقط وإنما للمدرسين في المؤسسات التربوية والجامعية، وأحياناً يكون الجامع لصيقاً بمؤسسة تربويةquot;.
وأكد وزير الشؤون الدينية في تونس أبوبكر الأخزوري خلال إجابته على اقتراح المستشارة أن وزارته رفعت منشورين إلى السلطات الجهوية ووزارة البيئة لخفض صوت الآذان إلى حدود 70 ديسيبل وأحدثهما في رمضان الماضي.
عضو مجلس المستشارين التونسيّ رياض الزغل |
وأكد الوزير انه لا يمكن السماح quot;بالتلوث الصوتيquot; الناتج عن التجاوزات في مستوى علو صوت الأذان، على حد تعبيره.
وأضاف أن للتلوث الصوتي تأثير على جسم الإنسان وعلى نفسيته، لذلك يجب التمسّك ودعوة كل تونسي إلى احترام هذا الإجراء.
وواجه تونسيون هذا المقرح بالشجب والتنديد خاصة عبر المنتديات الاجتماعية وشبكة فايسبوك وتويتر، وأنشئوا صفحات عديدة مثل quot;لا لخفض صوت الأذان في تونسquot; للتعبير عن رفضهم إزاء ما اعتبروه quot;مسا بالدين الإسلاميquot;، ومحاولين التعبير عن سخطهم الموجه للمستشارة صاحبة المقترح، إذ طالبت مجموعة من التونسيين بسحب الجنسية التونسية عنها.
وفي تصريح لـ(إيلاف) قال الدكتور سامي براهم أستاذ الحضارة العربية بالجامعة التونسية إنّ quot; السيّدة المستشارة قد اختلط عليها الأمر بين ارتفاع صوت الآذان الذي اتخذه المسلمون بالإجماع شكلا للنّداء للصّلاة ... و بين نوع الصّوت الذي يؤدّى به هذا الآذان، و كان بإمكانها ـ باعتبارها مستشارة مسؤولة على الشّهادة بالإنصاف والعدل والموضوعيّة لإنارة أصحاب القرار والرّأي العامّ على حدّ سواء ـ أن تجري استفتاء جزئيّا لشرائح متنوّعة وممثّلة من التّونسيين لاستجلاء آرائهم في المسألة و و أمر يسير في سياق تقاليد بحثيّة راسخة في البحوث الجامعيّة التّونسيّةquot;.
ويتابع براهم: quot;والآذان ليس مجرّد نصّ يلقى على مسامع النّاس كما اتفق ومن طرف أيّ كان دون ضوابط وشروط بل هو نداء يخضع لمقامات وموازين وإيقاعات ونغمات وقواعد في الأداء لها شروطها الموسيقيّة المعروفة لدى أهل الاختصاص في علم القراءات والمقاماتquot;.
وأضاف أن الأذان ليس فقط شعيرة دينيّة بل مظهر ثقافيّ أصيل للمدن والحواضر والقرى ذات التاريخ الإسلامي العريق وهو مسألة اعتباريّة لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن نتعامل معه بالحياديّة الباردة التي تجعل منه ضربا من التلوّث مثله مثل الحفلات الصّاخبة في ليالي الأعراس التّونسيّة الصيفيّة في حارات الأحياء الشّعبيّة الفقيرة وأزقّتها المتلاصقة.
ويقول سامي براهم لإيلاف إنّ المزعج في أذان العديد من المساجد التونسيّة quot;ليس ارتفاع الصّوت بل رداءته و جهل مؤدّيه بقواعد الآذان و فنونه و جماليّة أدائه، فضلا عمّا تشكو منه العديد من مساجدنا من رداءة الوسائل التقنيّة والفنيّة والتّجهيزات الصّوتيّةquot;.
طائفة واسعة من المواطنين اعتبرت أنّ مقترح المستشارة رياض الزغل حاد عن إنتظارات التونسيين ومشاغلهم الحقيقية، وأنه كان من الأجدر أن تطالب بخفض الأسعار التي تسجل ارتفاعا قبل الحديث عن خفض صوت الأذان.
بالمقابل، تجاوبت مجموعة أخرى مع مطلب المستشارة واعتبرت أنه عبارة عن تفكير عقلاني واجتهادي وليس فيه أي مس بالعقيدة أو أي كفر كما ذهب إلى ذلك كثيرون.
وقال القياديّ في الجمعيّة الثقافية للدفاع عن العلمانية في تونس صالح الزغيدي لـ(إيلاف):quot; لا يعقل أن يرفع الآذان بهذه القوة الهائلة للدعوة من أعلى المئذنة، في الساعة الثالثة صباحا لصلاة الفجر مما يسبب إزعاجا لمن لا يعنيه أمر الصلاة أمر الصلاة من المسلمين وعشرات الآلاف من التونسيين والتونسيات هم من غير المتدينين وغير المتدينات أصلا والملحدينquot;.
وأضاف أنه مع تزايد عدد المساجد ومع تزويد كل هذه المآذن بمكبرات الصوت العصرية، أصبح المشهد السمعي يمثل مشكلا من جراء قيام الآذان في نفس الوقت في كل أوقات الصلاة الخمس وهذا الجانب من المسألة هو الذي تناولته النائبة رياض الزغل بكل جرأة وشجاعة في مجلس المستشارين، داعية إلى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحد والتقليص من الضجيج الذي تحدثه عملية الأذان الصاخبة والتي تخلق ما وصفته النائبة quot;تلوثا صوتياquot;.
ويرى صالح الزغيدي انه من الجرأة طرح مثل هذه القضايا والمسائل الحساسة والتي غالبا ما نسكت عنها جميعا ومن أهمها ما يتعلق بالدين وموقعه في المجتمع وفي الشارع التونسي، وبعض الممارسات المرتبطة بالقيام بالشعائر الدينية...منذ بضع سنوات سجلنا تصاعدا ملفتا للنظر لمظاهر التدين و لممارسة بعض الطقوس الدينية أو المحسوبة على الدين إلى جانب تكاثر عدد النساء الحاملات للحجاب باعتباره واجبا دينيا و تعدد المساجد والجوامع وقاعات الصلاة.
تعصّب ديني
ويرى ملاحظون أن موجة النقد والتهجم إضافة إلى الشتم في عديد من الأحيان والتي تعرضت لها المستشارة رياض الزغل والتي يتعرض لها ndash; عادة- كل من يتطرق إلى المسائل الدينية بشكل مختلف عن المتعارف عليه تعكس حالة التعصب والتطرف التي أصبح تتسم بها الأغلبية الساحقة من التونسيين.
وفي هذا السياق قال الدكتور في علم الاجتماع بالجامعة التونسية بشير التليلي لـ(إيلاف):quot; عدم إمكانية الخوض والمشاركة في الشأن لعام وغياب حوار السياسي مع العامة يخلق نوع من الكبت يؤدي ضرورة إلى التعصب ورفض الحوار والنقاش إضافة إلى حالة التصحر الثقافي التي أصبحت تميز المجتمع التونسي، من أهم أسباب التطرف وعدم قبول الرأي الآخرquot;.
وأضاف التليلي أن التعصب quot;هو شكل من أشكال العنف ينمّ ضرورة عن جهل وضعف، مؤكدا أن التعصب وخاصة الديني لا يظهر إلا في ظل أزمات فكرية، ويكون هو من تجليات هذا التأزم، لأن التعصب لا ينشأ من الدين، وإنما من الفكر الذي يكوّن المعرفة بالدين، لهذا فإن معالجة التأزم الفكري هو مدخل لمعالجة التعصب الدينيquot;، على حدّ تعبيره.
التعليقات