ألقت قضية الإرهاب بظلالها على كافة الأوساط الأكاديمية والسياسة في كافة البلدان منذ أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر عام 2001. وقد تطورات تلك الرؤية لتتعدى حاجز التهديدات الإرهابية التقليدية حتى وصلت لحد الحديث عن الإرهاب النووي أو إمكانية حصول الجماعات الإرهابية على أسلحة الدمار الشامل واستخدامها.
واشنطن: حول حدوث ذلك انقسم المحللون السياسيون والعسكريون بين من يعتقدون في إمكانية تطوير وحصول الجماعات الإرهابية على تلك الأسلحة، ومن يستبعدون تلك الفكرة تمامًا. وكمحاولة لاستعراض مختلف وجهات النظر في هذا الشأن وتداعيات امتلاك تلك الجماعات بخاصة تنظيم القاعدة بقيادة quot;أسامة بن لادنquot; للأسلحة غير التقليدية أصدر مركز بلفر للعلوم والشئون الدولية في كانون الثاني/يناير من العام الجاري دراسة بعنوانquot; أسلحة القاعدة للدمار الشامل: ضجيج أم واقع؟، للكاتب رولف ماوت لارسن. حيث تسعى تلك الدراسة لتوضيح مؤشرات ودلائل اتجاه تنظيم القاعدة نحو الحصول على أسلحة الدمار الشامل، وأسباب السعي لذلك، وكيفية القيام بذلك، وتوضيح نوعية الأسلحة التي يفضل استخدامها التنظيم.
تنظيم القاعدة وحلم السلاح النووي
من خلال متابعة التسلسل الزمني تؤكد الدراسة على وجود أربعة مؤشرات هامة تؤشر على سعى الجماعات الإرهابية لاسيما تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن للحصول على سلاح نوويٍّ، هي:
أولاً: إن القيادات العليا في التنظيم قد أعلنت في أكثر من موقف عن التزامها بالسعي لشراء وتوفير الأسلحة النووية منذ نهاية عام 1993. وبداية 1994 بدأت محاولات التنظيم في الحصول على اليورانيوم من السودان، وجاء ذلك بعد تفجيرات مركز التجارة العالمي، ثم بحلول عام 1996 أعلن أيمن الظواهري نائب التنظيم عن سعيه للحصول على أسلحة نووية من دول الاتحاد السوفيتي السابقة، وفى عام 1998 قام زعيم التنظيم أسامة بن لادن بالتأكيد على أن الحصول على أسلحة الدمار الشامل يعد من صميم أهداف التنظيم لحماية العالم الإسلامي، وأن قتل الأميركيين سواء أكانوا من المدنيين أم العسكريين، يُعد أحد الواجبات الرئيسة على كل مسلم في كل دول العالم بأي وسيلة كانت في إشارة لإمكانية اللجوء إلى الأسلحة غير التقليدية.
ومع بدايات عام 1999 قام أيمن الظواهري بتجنيد شخص يدعى quot;أحمد رؤوفquot; وهو أحد البيولوجيين المتطرفين في الحكومة الأفغانية من أجل تطوير برنامج للأسلحة البيولوجية، ومنذ ذلك الحين وحتى عام 2001 أقام تنظيم القاعدة عديدًا من معسكرات التدريب على الأسلحة الكيماوية، والبيولوجية في أفغانستان على يد كل من quot;أبي خباب المصريquot; الملقب أيضًا باسم quot;مدحت مرسيquot; وهو الذي يعتبر زعيم كبار مصنعي القنابل الكيماوية في تنظيم القاعدة وأيضًا quot;أبو مصعب السوريquot;، هذا بالإضافة إلى تأكيد quot;عبد العزيز المصريquot; الخبير الكيميائي والأب الروحي للبرنامج النووي للقاعدة عن قيامه بتجربة نووية تفجيرية في الصحراء.
وفى الإطار ذاته أعلن quot;أيمن الظواهريquot; نائب زعيم التنظيم عن إمكانية حصول أي فرد عادي على أسلحة الدمار الشامل إذا كان يملك 30 مليون دولار بمجرد اللجوء إلى منطقة آسيا الوسطى أو الاتصال بأحد العلماء الساخطين في دول الاتحاد السوفيتي السابقة، حيث توجد كميات كبيرة من القنابل والأسلحة الذكية.
ويضاف إلى ذلك شبكة الإمداد النووي بين العالم النووي quot;عبد القدير الخانquot; الأب الروحي للبرنامج النووي الباكستاني والدول التي وصفتها الإدارة الأميركية بالدول المارقة وهي: إيران، كوريا الشمالية. ومحاولات الاتصال بين شبكة quot;عبد القدير خانquot; والقاعدة والتي باءت بالفشل نتيجة رفض الشبكة لتقديم المساعدة والدعم لتنظيم القاعدة.
كما قامت جماعة متطرفة بقيادة quot;أبي مصعب الزرقاوىquot; في منتصف عام 2002 بتدريبات وتجارب على استخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية في معسكر نائٍ بالقرب من شمال شرق العراق، وفى تموز/يوليو من العام ذاته فضحت قناة سى إن إن الإخبارية تجارب كانت تتم على الحيوانات من قبل جماعة quot;أبي خباب المصريquot; حيث يستخدم فيها غازات سامة فتاكة مثل السيانيد الخام، الريسين، الخردل، والبلوتنيوم.
مع بدايات عام 2003 تم اعتقال سبعة من شبكة الزرقاوي في لندن فيما أطلقت عليه الدراسة quot;مؤامرة الريسينquot; حيث حاولوا تدبير عمليات باستخدام غاز الريسين في محطة مترو الإنفاق بالعاصمة البريطانية لندن.
ثانيًا: إنه حتى قبل وقوع الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة عام 2001 لم يتوارَ التنظيم عن السعي لتكثيف جهوده من أجل الحصول أسلحة الدمار الشامل على الرغم من تركيز التنظيم على ضرب أهداف أميركية أخرى خارج الولايات المتحدة الأميركية بخاصة التفجيرات المتزامنة للسفارة الأميركية في كل من كنيا وتنزانيا عام 1998 والنجاح في استهداف المدمرة الأميركية في عام 2000.
ثالثًا: إن السمة الغالبة للنهج الذي يتبعه تنظيم القاعدة للحصول على أسلحة المار الشامل هو ما أطلقت عليه الدراسة quot;المسارات المتوازيةquot;، ويقصد به العمل بأسلوب الشبكة المتخصصة أي يقوم كل فرد بجزء معين في العملية حيث يقوم البعض بدراسة الموقف وإعداد التقارير. فضلاً عن إيمانهم بأن الفشل في أحد مراحل العملية لا يعني الفشل والتدمير الكامل للعملية بأثرها، أخذًا في الاعتبار إمكانية حدوث انتكاسات وضرورة تفادي الوقوع في أيدي أجهزة الاستخبارات التابعة لأية دولة.
رابعًا: إن تنظيم القاعدة قد سعى لإحداث تعاون لتكوين وتنمية أسلحة الدمار الشامل مع جماعات إرهابية أخرى مما يدل بشكل أو بآخر بأنه ليس تنظيم القاعدة وحده هو الجماعة الإرهابية التي تسعى لامتلاك وتطوير هذا النوع من الأسلحة الفتاكة، وإنما هي رغبة عامة لدى هذا النوع من الجماعات.
لماذا تسعى القاعدة لامتلاك الأسلحة النووية؟
ينبغي أخذ تصريحات quot;أسامة بن لادنquot; زعيم تنظيم القاعدة حول السعي لامتلاك أسلحة الدمار الشامل على محمل الجد، حيث حدد بن لادن أهدافًا رئيسة من امتلاك هذا النوع من الأسلحة تتمثل في تدمير النظام العالم الراهن الذي يهمن عليه الغرب لاسيما الولايات المتحدة المسيطرة على مقدرات الأمور، وتهيئة المجال للإطاحة بالنظم المتردية التي تحكم العالم العربي والإسلامي، فقد صرح quot;ابن لادنquot; أن استخدام تلك الأسلحة المحظورة هو أمر مبرر في مواجه الهيمنة الأميركية؛ نظرًا لقدرتها على إحداث إصابات جماعية .
ونظرًا للأهمية القصوى لتلك الأسلحة بالنسبة لتنظيم القاعدة، فإن مسألة تنظيم وإدارة الأبعاد التسلحية غير التقليدية للتنظيم تُوكل للمستويات العليا، هذا فضلاً عن استئثار القيادات باختيار مواقع وتوقيت العمليات الإرهابية التي من المخطط قيام التنظيم بها.
أما بالنسبة لنوعية الأسلحة التي يفضلها التنظيم، تؤكد الدراسة على ميل التنظيم إلى امتلاك الأسلحة النووية نظرًا لآثارها التدميرية الهائلة مما يحقق أهداف التنظيم بصورة أكثر تأثيرًا، وعدم ميل القيادات نحو الأسلحة البيولوجية والسامة على الرغم من سهولة إنتاجها مما يجعلها أكثر جاذبية، وانتشارها في معسكرات التدريب التابعة لتنظيم القاعدة في أفغانستان ومن أمثلة تلك المؤسسات الكيماوية والبيولوجية الصغيرة ما يعرف باسم quot;معسكر مدحت مرسيquot; لتدريب القاعدة في أفغانستان قبل أحدث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر2001، وشبكة quot;أبي مصعب الزرقاويquot; التي استخدمت مادتي الريسين والسيانيد للقيام بعمليات في أوروبا في نهاية عام 2002 وبداية عام 2003، هذا بالإضافة إلى quot;خلية البحريني الإرهابيةquot; التي خططت للقيام بعملية في محطة مترو الأنفاق في مدينة نيويورك الأميركية باستخدام غاز السيانيد الخام.
دواعي عدم حدوث هجمات إرهابية نووية
لاشك من وجود عدد من التفسيرات المعقولة لعدم حدوث هجمات إرهابية باستخدام أسلحة الدمار الشامل سواء أكانت نووية أم كيماوية أم بيولوجية منذ أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 حتى الآن، لعل أبرزها ما يلي :
أولاً: تعطل برامج التطوير للتنظيم نتيجة للجهود الدولية الكثيفة لمكافحة الجماعات الإرهابية وخصوصًا تنظيم القاعدة.
ثانيًا: عدم توصل قيادات التنظيم إلى نوعية الأسلحة التي يسعون لاستخدامها في توجيه هجوم واسع النطاق ذات قوة تدميرية هائلة لاسيما بعد الدوي والصدى الكبيرين اللذين حققتهما أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والتي هزت العالم أجمع باستهداف برجي التجارة العالمي الذي يمثل قلب الرأسمالية العالمية.
ثالثًا: على الرغم من انتشار الأسلحة الكيماوية والبيولوجية لدى تنظيم القاعدة وسهولة استخدامها إلى أن التنظيم لن يلجأ إليها على اعتبار أنها لن تحقق الهدف المطلوب منها، ومن ثّمَّ فإن القاعدة لن تستخدمها، مع صعوبة الحصول على الأسلحة النووية.
مكافحة القاعدة ضرورة عالمية
وفى سياق متصل، تؤكد الدراسة على أن تنظيم القاعدة وسعيه لامتلاك أسلحة الدمار الشامل هو الخطر الأكبر الذي يهدد الأمن القومي الأميركي والأمن العالمي ككل، هذا ما قد أشار إليه الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، ووزير الدفاع الأميركي روبرت جيتس والرئيس الأميركي باراك أوباما حيث قال: إنه في حالة امتلاك منظمة كتنظيم القاعدة لأسلحة الدمار الشامل سواء أكانت نووية أم كيماوية أم بيولوجية واستخدامها ضد أي مدينة كبرى كنيويورك أو شنجهاي على سبيل المثال سوف يكون له تداعيات لا مثيل لها من قتل الآلاف أو حتى مئات الآلاف، مما يستوجب صياغة استراتيجية عالمية متماسكة ومتسقة لمنع حدوث مثل هذا الكابوس ـ على حد وصف أوباما ـ مع الاعتراف بالخطر الجسيم والمحقق الذي قد يُشكله الإرهاب النووي أو الإرهاب باستخدام أسلحة الدمار الشامل.
وفي الخلاصة، إن الولايات المتحدة الأميركية قد أدركت ذلك الخطر النووي الإرهابي منذ بداية العمليات الإرهابية التي استهدفت عُقر دارها، وقد تجلى ذلك في التقرير الذي أصدرته الحكومة الأميركية في 10 من تموز/يونيو عام 2003 والذي أشار إلى زيادة احتمالات تعرض الولايات المتحدة لهجوم بأسلحة الدمار الشامل على أراضيها في السنتين القادمتين أي خلال عامي 2004 و2005. كما أكد التقرير على استمرار تنظيم القاعدة في السعي لامتلاك أسلحة دمار شامل سواء نووية أم بيولوجية أم كيماوية، ولهذا لابد من وضع استراتيجية عامة شاملة لمواجهة خطر الإرهاب النووي.
والحقيقة أن الزمن قد أثبت عدم صحة تلك الفرضية، ولم تحدث تلك الهجمات غير التقليدية، مما يُدل على عدم قدرة تنظيم القاعدة على التوصل إلى تلك التكنولوجيا المتقدمة في ظل تكثيف سبل ووسائل واستراتجيات مكافحة الإرهاب الأمر الذي أعاق التنظيم عن المضي قدمًا نحو تطوير هذا النوع من الأسلحة الفتاكة، ذلك على اعتبار أن أحد الأهداف الرئيسة للقاعدة هو تدمير الولايات المتحدة وهيمنتها، ومن ثم فإنها لم تتوصل لإنتاج السلاح النووي.
التعليقات