الكاثوليك الألمان ينتظرون موقفًا من البابا حول الفضائح الجنسيّة |
ما زالت الاتهامات تتوالى بارتكاب اعتداءات جنسية في الكنيسة الكاثوليكية الالمانية. وأُثيرت تساؤلات عما إذا كان البابا بينيدكتس السادس عشر يعرف بشأن حوادث محدَّدة إرتكبت فيها مثل هذه الاعتداءات، فيما طالت اصابع الاتهام شقيقه غيورغ راتسنغر ايضًا، إلا أنّ البابا نفسه ظل صامتًا حتى الآن.
لندن: إعترف غيورغ راتسنغر، شقيق بابا الفاتيكانبما ارتكبه من تجاوزات وبدا ذلك نهاية ما يتعلق به من قضية وضعته في قلب الفضيحة التي هزت الكنيسة في المانيا.
عمل راتسنغر طيلة عقود مديرًا لواحدة من اشهر جوقات الغناء الجماعي للفتيان في المانيا. وقال في معرض اعترافه انه صفع صبيانًا في عدد من المناسبات. ولكنه كف عن ذلك في العام 1980 لأن الدولة منعت عقوبة الضرب مؤكدًا التزامه بالقانون الجديد التزامًا صارمًا.
ولكن اعضاء في جوقة الفتيكان يروون حكاية مغايرة وما زالت فرائصهم ترتعد عندما يتذكرون قسوة القس، ونزوعه الى العنف حتى في سنوات لاحقة. وتنقل مجلة شبيغل عن توماس ماير الذي كان طالبًا في المدرسة الداخلية لجوقة الغناء الجماعي من 1989 الى 1992 قوله quot;ان راتسنغر كان عصبيًا سريع الغضب خلال تمارين الجوقة. وفي عدد من المناسبات رأيتُ الغضب يستبد به حتى انه رمى كرسيًا على مجموعة منشديناquot;. وتابع ماير ان راتسنغر استشاط غضبًا ذات مرة بحيث سقط طقم اسنانه من فمه.
راتسنغر، 86 عامًاـ يعيش الآن في دير، وقد إمتنع عن الادلاء بتصريحات أخرى. وان ايضاح الأمر متروك الآن لشقيقه الأصغر، البابا بينيدكتس السادس عشر.
كان بينيدكتس السادس عشر قد إجتمع يوم الجمعة الماضي مع رئيس مؤتمر الأساقفة الالمان روبرت تسوليتش لبحث قضية العنف والاعتداءات الجنسية التي ارتكبها قساقسة كاثوليك في وطنه المانيا. وعلى غرار شقيقه الأكبر يريد البابا اقناع العالم بأن الكنيسة غيَّرت اساليبها. وتعهد بينيدكتس السادس عشر وتسوليتش بتسليط الضوء على حالات الاعتداء ومساعدة الضحايا.
ولكن بعد فترة قصيرة على مغادرة تسوليتش الفاتيكان عائدًا الى المانيا وجد البابا ان ماضيه يلاحقه حين كان اسقف ميونيخ وفرايزغ. واعترف رئيس اسقفيته السابق لصحيفة زودوتيتشة تسايتونغ بأن قسًّا منحرفًا أُعيد الى الأبرشية الكاثوليكية في ميونيخ في زمن راتسنغر نفسه.
ما الذي يعرفه البابا من خبرته الشخصية عن قضية الاعتداءات الجنسية؟ وما هي جدية وعده باستجلاء الاتهامات بوقوع هذه الاعتداءات؟
تقول مجلة شبيغل ان لا احد في حلقة الفاتيكان الضيقة يعرف عن فضائح الكنيسة الجنسية أكثر من نيافة البابا. فإن يوزيف راتسنغر كان رئيس التجمع من اجل ميثاق الايمان، وكانت قضايا الاعتداءات تُحال تلقائيًّا الى مكتبه. ومنذ العام 2001 قاد راتسنغر جهود الفاتيكان للكشف عن حقيقة هذه القضية المزعجة بوصفه اوسع كرادلة الكنيسة نفوذًا ثم بصفته الحبر الاعظم.
مع ذلك استمرت الاعتداءات الجنسية في الكنيسة الكاثوليكية تتصدر العناوين بانتظام. فكانت هناك اولاً موجة الفضائح في الولايات المتحدة وايرلندا والآن بالكاد يمر يوم في المانيا دون ظهور قصة جديدة عن اتهامات جديدة بارتكاب اعتداءات جنسية.
علاوة على ذلك وردت انباء من مفاصل أخرى في المجتمع. وظهرت حالات في كل نواحي المجتمع عمليا، في الكنيسة البروتستانتية، وفي مدارس داخلية علمانية مثل اودنفالدشوله وفي دور للأطفال في المانيا الشرقية سابقا. وفي حين ان اعداد هذه الحالات ما زالت أقل بكثير من تلك التي ارتبطت بالكنيسة الكاثوليكية فإنها مع ذلك تميط اللثام عن الطبيعة الشائكة للمعضلة.
وتصف شبيغل ما تشهده المانيا والكنيسة الكاثوليكية بأنها فضيحة لم يعرف المجتمع الالماني مثيلا لها منذ سنوات، ومن المرجح ان تمر اشهر قبل ان تتلاشى اصداؤها. ولكنها فضيحة لا تُعالج بالمستوى المطلوب، ويبلغ التقصير في التعامل معها الى حد يثير الصدمة، بحسب تعبيرها.
ويصح هذا على الكنيسة الكاثوليكية التي ما زالت تلحق الضرر بنفسها من خلال تذبذبها بين الدعوات الى حسم قضايا الاعتداءات الجنسية والرغبة في التستر على ما حدث. ولكن ذلك يصح ايضًا على الدولة التي يترك مسؤولوها الأمور تأخذ مجراها الطبيعي أو يثرثرون عن مبادرتهم الأخيرة،على الرغم من أنّها مبادرة بلا اسنان.
هل ينبغي عقد طاولات مستديرة لبحث الأزمة تقتصر على مشاركة اعضاء الكنيسة الكاثوليكية أم ينبغي ان تكون مفتوحة لطائفة واسعة من الفئات والمنظمات الاجتماعية الاخرى؟ هذا السؤال وحده أبقى وزيرة شؤون العائلة كريستينا شرودر ووزيرة التعليم والبحث العلمي انيت شافان ووزيرة العدل سابينة لوتيسر شنارنبرغر متخاصمات طيلة ايام فيما نأت المستشارة انغيلا ميركل بنفسها عن المعمعة. ونقلت شبيغل عن المتحدث باسم المستشارة ان المطلوب quot;مناظرة واسعة ومكثفةquot;.
في غضون ذلك تعرّض النظام التربوي الالماني الى هزة عنيفة. وتحدث طلاب سابقون في مدرسة اودنفالدشولة العلمانية في هيسة عن وقوع اعتداءات منتظمة استمرت على الأقل حتى عقد التسعينات. ويواجه ثمانية معلمين سابقين ظلوا يمارسون التدريس حتى العام 2003، اتهامات خطرة وجهها اليهم نحو 36 طالبًا سابقًا.
وفي نهاية الاسبوع الماضي اتصل نحو 200 ضحية مفترضة بالمحامية ارسولا راوة التي وكَّلها اليسوعيون لمتابعة قضايا الاعتداءات الجنسية، وأخذت الشكاوى تنهال من كل اركان الكنيسة. وروى زهاء 150 شخصًا قصص اعتداءات وقعت في مدرسة الدير في ايتال وتقدم نحو 15 صبيًا من الأعضاء السابقين في جوقة الغناء الجماعي بمظالم تتعلق بفترة عملهم في الجوقة المشهورة. ولكن الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات ما زالت تفضل ترك استجلاء حقيقة هذه الاتهامات للأساقفة رغم الحقيقة الماثلة في ان مطارنة الكنيسة لم ينم عنهم ما يشير الى انهم قادرون حقًا على معالجة الأزمة. وتقول شبيغل ان العديد من قادة الكنيسة الكاثوليكية ينظرون الى حالات الاعتداء على انها وقائع معزولة مؤسفةـ وليست مشكلة منهجية أو بنيوية. وان مثل هذا الموقف يتجاهل ان هذه مشكلة واجهت الالكليروس منذ البدايةـ وعلى امتداد 2000 عام من تاريخ الكنيسة.
وكان رئيس اتحاد الشبيبة الكاثوليكية الالمانية ديرك تانتسلر قد قال في وقت سابق في تصريح لصحيفة برلينر تسيتونغ، إن فضيحة الاعتداء الجنسي على الاطفال في مدارس كاثوليكية quot;تقلق الناس، سواء كانوا مؤمنين أم لا، وعلى قداسة البابا الإدلاء بدلوهquot; في هذا الشأن. وأضاف ان الكنيسة الكاثوليكية الالمانية التي تعصف بها منذ اواخر كانون الثاني/يناير، انباء الكشف عن التجاوزات الجنسية القديمة التي اقترفها اعضاء من رجال الدين، تشهد quot;واحدة من أعمق أزماتها الوجودية منذ 1945quot;. وكان عدد كبير من الكاثوليك يرغب في سماع رأي البابا شخصيًّا الاحد خلال صلاته الاسبوعية في ساحة القديس بطرس في روما، كما فعل في السابق لدى تنديده بفضائح مماثلة حصلت في بلدان اخرى، منها ايرلندا، على سبيل المثال.
واضطروا بدلاً من ذلك، الى الاكتفاء برد فعل المتحدث باسم الفاتيكان الأب فيديريكو لومباردي الذي أكد السبت ان quot;الجهودquot; الرامية quot;إلى إقحام البابا شخصيًّاquot; في فضائح الاعتداء على الاطفال قد quot;منيت بالفشلquot;.
واعتبر كريستيان فيسنر المتحدث باسم حركة quot;نحن كنيسةquot; المعارضة، في تصريح لصحيفة منشنر تسيتونغ، أن التنديد بما اعتبر حملة مسعورة ضد البابا يشكل quot;أسوأ استراتيجية اتصال يمكن تصورهاquot;. وقال quot;يأسف عدد من المؤمنين الكاثوليك لأن البابا بينيدكتسوس السادس عشر لم يعرب حتى عن كلمة تعاطف واحدةquot;.
وبصفته عضوًا في اللجنة المركزية للكاثوليك الالمان، قال نائب رئيس البرلمان الالماني فولفغانغ تيرسي، ان صدقية الكنيسة الكاثوليكية quot;قد اهتزت اهتزازًا خطرًاquot; جراء قضايا الاعتداء الجنسي على لاطفال، مطالبًا البابا وكنيسته بمزيد من النزاهة. واضاف ان quot;ذهول المؤمنين لا يوصفquot;، معتبرًا ان لا مفر من طرح مسألة عزوبة الكهنة على بساط البحث حتى لو ان البابا جدد الجمعة تأكيد الطابع quot;المقدسquot; لهذه المسألة. من جهته، قال ديرك تانتسلر من اتحاد الشبيبة الكاثوليك، quot;لدي شكوك حول العزوبية القسريةquot;. ودعا رئيس اللجنة المركزية للكاثوليك الالمان اليوس غلوك الكنيسة الى التساؤل quot;هل تتوافر شروط خاصة في الكنيسة تشجع على حصول تجاوزات؟quot;quot;
وجاء في استطلاع للرأي نشرت نتائجه الاسبوع الماضي في مجلة فوكوس ان 82% من الالمان يقولون انهم لا يفهمون العزوبة الكهنوتية.
من جهة اخرى، دعا البابا في quot;رسالةquot; اصدرها الفاتيكان الاثنين قبل اليوم العالمي للشبيبة في 28 اذار/مارس، الشبان الى الا quot;يخافواquot; من الانخراط quot;في الحياة الدينية او الديرية او الرسولية. وقال quot;لا تخافوا، ايها الشبان الاعزاء، اذا ما دعاكم الرب الى الحياة الدينية او الديرية او الرسولية او الى التكرس الخاص: فهو يعطي من يستجيب دعوته فرحا عميقاquot;. واضاف البابا quot;ارغب في أن أدعو الشبان والمراهقين الى ان يصغوا إلى دعوة الرب ... حول الحياة الكهنوتيةquot;. ودعا البابا من جهة اخرى quot;الذين يشعرون بالميل الى الزواج، الى التعاطي معه بايمان، والتعهد بوضع اسس راسخة لعيش حب كبير ووفيquot;.
التعليقات